وأما قوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} بعد قوله: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} فيحتمل أن تكون الأولى هي الثانية وألا تكون
ونظيرها قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}
فإن كانت إحداهما الثانية مفعولا فالاسم الأول هو الثاني على قاعدة المعرفتين وإن كانت فاعلا فهما واحد باعتبار الجنس وأكثر النحاة على أن الإعراب إذا لم يظهر في واحد من الاسمين تعين كون الأول فاعلا خلافا لما قاله الزجاج في قوله تعالى {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ}
وقوله: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} ،فالكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم ثم كرره بقوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} والكتاب الثاني التوراة والثالث جنس كتب الله تعالى أي ما هو من شيء في كتب الله تعالى وكلامه قاله الراغب
الثاني: أن يكونا نكرتين فالثاني غير الأول وإلا لكان المناسب هو التعريف بناء على كونه معهودا سابقا قالوا والمعنى في هذا والذي قبله أن النكرة تستغرق الجنس والمعرفة تتناول البعض فيكون داخلا في الكل سواء قدم أو أخر والمشهور في تمثيل هذا القسم اليسر في قوله تعالى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}
وقد قيل: إن تنكير يسرا للتعميم وتعريف اليسر للعهد الذي كان عليه يؤكده سبب النزول أو الجنس الذي يعرفه كل أحد ليكون اليسر الثاني مغايرا للأول بخلاف العسر والتحقيق أن الجملة الثانية هنا تأكيد للأولى لتقديرها في النفس وتمكينها من القلب ولأنها تكرير صريح لها ولا تدل على تعدد اليسر كما لا يدل قولنا وإن مع زيد كتابا إن مع زيد كتابا على أن معه كتابين فالأفصح أن هذا تأكيد وقوله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} الآية فإن كلا من المذكور غير الآخر فالضعف الأول النطفة أو التراب والثاني الضعف الموجود في الطفل والجنين والثالث في الشيخوخة والقوة الأولى التي تجعل للطفل حركة وهداية لاستدعاء اللبن والدفع عن نفسه بالبكاء والثانية بعد البلوغ
قال ابن الحاجب: في قوله تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}: الفائدة في إعادة لفظ شهر الإعلام بمقدار زمن الغدو وزمن الرواح والألفاظ التي تأتي مبينة للمقادير لا يحسن فيها الإضمار
واعلم أنه ينبغي أن يأتي في هذا القسم الخلاف الأصولي في نحو صل ركعتين صل ركعتين هل يكون أمرين بمأمورين والثاني تأسيس أولا وفيه قولان وقد نقضوا هذا القسم بقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} فإن فيه نكرتين والثاني هو الأول وأجاب الطيبي بأنه من باب التكرير وإناطة أمر زائد
وهذه القاعدة فيما إذا لم يقصد التكرير وهذه الآية من قصد التكرير ويدل عليه تكرير ذكر الرب فيما قبله من قوله: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ}
وأجاب غيره بأن إله بمعنى معبود والاسم المشتق إنما يقصد به ما تضمنه من الصفة فأنت إذا قلت زيد ضارب عمرو ضارب بكر لا يتخيل أن الثاني هو الأول وإن أخبر بهما عن ذات واحدة فإن المذكور حقيقة إنما هو المضروبان لا الضاربان ولا شك أن الضميرين مختلفان
ومنها قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} الثاني هو الأول
وأجيب بأن أحدهما محكي من كلام السائل والثاني من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما الكلام في وقوعهما من متكلم واحد
ومنها: قوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}
ومنها: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ}
ومنها: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً}
الثالث: أن يكون الأول نكرة والثاني معرفة فهو كالقسم الأول يكون الثاني فيه هو الأول كقوله تعالى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}
وقوله: {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}
وقوله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ}
وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} وهذا منتقض
بقوله: {لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}
وقوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} فإنهم استدلوا بها على استحباب كل صلح فالأول داخل في الثاني وليس بجنسه
وكذلك {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}
وقوله: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} الفضل الأول العمل والثاني الثواب
وكذلك {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} وكذلك {يَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ}
وكذلك {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ} تعريفه إن المزيد غير المزيد عليه
وكذلك {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ}
وقوله: {وْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ}
الرابع: عكسه فلا يطلق القول به بل يتوقف على القرائن فتارة تقوم قرينة على التغاير
كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}
وكذلك قوله {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً}
وقوله {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ هُدىً}
قال الزمخشري: المراد بالهدى جميع ما آتاه من الدين والمعجزات والشرائع والهدى والإرشاد
وتارة تقوم قرينة على الاتحاد كقوله تعالى {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيّاً}
وقوله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} إلى قوله {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً}
وأما قوله تعالى في سورة البقرة: {بِالْمَعْرُوفِ}
وقوله أيضا: {مِنْ مَعْرُوفٍ} فهو من إعادة النكرة معرفة لأن {مِنْ مَعْرُوفٍ} وإن كان في التلاوة متأخرا عن {بِالْمَعْرُوفِ} فهو في الإنزال متقدم عليه
قواعد تتعلق بالعطف
القاعدة الأولى
ينقسم باعتبار إلى عطف المفرد على مثله وعطف الجمل
فأما عطف المفرد ففائدته تحصيل مشاركة الثاني للأول في الإعراب ليعلم أنه مثل الأول في فاعليته أو مفعوليته ليتصل الكلام بعضه ببعض أو حكم خاص دون غيره كما في قوله تعالى: {فامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فمن قرأ بالنصب عطفا على الوجوه كانت الأرجل مغسولة ومن قرأ بالجر عطفا على الرءوس كانت ممسوحة لكن خولف ذلك لعارض يرجح ولا بد في هذا من ملاحظة المشاكلة بين المتعاطفين فتقول جاءني زيد وعمرو لأنهما معرفتان ولو قلت جاء زيد ورجل لم يستقم لكون المعطوف نكرة نعم إن تخصص فقلت ورجل آخر جاز
ولذا قال صاحب المستوفي من النحويين: وأما عطف الجملة فإن كانت الأولى لا محل لها من الإعراب فكما سبق لأنها تحل محل المفرد نحو مررت برجل خلقه حسن وخلقه قبيح وإن كان لا محل لها نحو زيد أخوك وعمرو صاحبك ففائدة العطف الاشتراك في مقتضى الحرف العاطف فإن كان العطف بغير الواو ظهر له فائدة من التعقيب كالفاء أو الترتيب كـ "ثم" أو نفي الحكم عن الباقي كـ "لا"
وأما الواو فلا تفيد شيئا هنا غير المشاركة في الإعراب
وقيل: بل تفيد أنهما كالنظيرين والشريكين بحيث إذا علم السامع حال الأول عساه أن يعرف حال الثاني ومن ثمة صار بعض الأصوليين إلى أن القران في اللفظ يوجب القران في الحكم ومن ها هنا شرط البيانيون التناسب بين الجمل لتظهر الفائدة حتى إنهم منعوا عطف الإنشاء على الخبر وعكسه
ونقله الصفار في شرح سيبويه عن سيبويه ألا ترى إلى قوله يقبح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع المنفي فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس بمعناه انتهى ولهذا منع الناس من الواو في بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد لأن الأولى
خبرية والثانية طلبية وجوزه ابن الطراوة لأنهما يجتمعان في التبرك
وخالفهم كثير من النحويين كابن خروف والصفار وابن عمرو وقالوا يعطف الأمر على الخبر والنهي على الأمر والخبر قال تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ،فعطف خبرا على جملة شرط وجملة الشرط على الأمر
وقال تعالى {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فعطف نهيا على خبر
ومثله {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}
قالوا: وتعطف الجملة على الجملة ولا اشتراك بينهما كما قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} على قولنا بالوقف على الله وأنه سبحانه اختص به
وقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فإنه علة تامة بخبرها فلا يوجب العطف المشاركة فيما تتم به الجملتان الأوليان وهو الشرط الذي تضمنه قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا} كقولك: إن دخلت الدار فأنت طالق وفلانة طالق لا يتعلق طلاق الثانية بالشرط وعلى هذا يختص الاستثناء به ولا يرجع لما تقدمه ويبقى المحدود في القذف غير مقبول الشهادة بعد التوبة كما كان قبلها
ومنه قوله تعالى {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} فإنه
علة تامة معطوفة على ما قبلها غير داخل تحت الشرط ولو دخلت كان ختم القلب ومحو الباطل متعلقين بالشرط والمتعلق بالشرط معدوم قبل وجوده وقد عدم ختم القلب ووجد محو الباطل فعلمنا أنه خارج عن الشرط وإنما سقطت الواو في الخط واللفظ ليس للجزم بل سقوطه من اللفظ لالتقاء الساكنين وفي الخط اتباعا للفظ كسقوطه في قوله تعالى {وَيَدْعُ الأِنْسَانُ}وقوله {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}ولهذا وقف عليه يعقوب بالواو نظرا للأصل وإن وقف عليه غيره بغير واو اتباعا للخط
والدليل على أنها ابتداء إعادة الاسم في قوله {وَيَمْحُ اللَّهُ} ولو كانت معطوفة على ما قبلها لقيل ويمح الباطل ومثله {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ}
وقوله: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}
وقوله: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى} وغير ذلك
قلت: وكثير من هذا لا يرد عليهم فإن كلامهم في الواو العاطفة وأما {وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ} وما بعده فهي للاستئناف إذ لو كانت للعطف لانتصب "نقر" وجزم"ويتوب" وكذلك في {وَالرَّاسِخُونَ} للاستئناف {وَيَمْحُ اللَّهُ}
وقال: البيانيون للجملة ثلاثة أحوال:
فالأول: أن يكون ما قبلها بمنزلة الصفة من الموصوف والتأكيد من المؤكد فلا يدخلها عطف لشدة الامتزاج كقوله تعالى {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}
وقوله {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} مع قوله {لا يُؤْمِنُونَ}
وكذلك: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} مع قوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} فإن المخادعة ليست شيئا غير قولهم {آمَنَّا} من غير اتصافهم
وقوله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} وذلك لأن معنى قولهم {إِنَّا مَعَكُمْ} أنا لم نؤمن وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} خبر لهذا المعنى بعينه
وقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً}
وقوله: {مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} فإن كونه ملكا ينفي كونه بشرا فهي مؤكدة للأولى
وقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}
وقوله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}
وقوله: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} فإنها مؤكدة لقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}
وقوله: {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} فإنها بيان للأمر بالصلاة
وقوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} بعد قوله: {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ}
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} إذا جعلت {إِنَّا لا نُضِيعُ} خبرا إذ الخبر لا يعطف على المبتدأ
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} بعد قوله {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ}
والثانية: أن يغاير ما قبلها وليس بينهما نوع من الارتباط بوجه فلا عطف أيضا إذ شرط العطف المشاكلة وهو مفقود وذلك قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} بعد قوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
فإن قيل: إذا كان حكم هذه الحالة والتي قبلها واحدا أدى إلى الإلباس فإنه إذا لم يعطف التبس حالة المطابقة بحالة المغايرة وهلا عطفت الحالة الأولى بالحالة الثانية فإن ترك العطف يوهم المطابقة والعطف يوهم عدمها فلما اختير الأول دون الثاني مع أنه لم يخل عن إلباس؟
قيل: العاطف يوهم الملابسة بوجه قريب أو بعيد بخلاف سقوط العاطف فإنه وإن أوهم المطابقة إلا أن أمره واضح فبأدنى نظر يعلم فزال الإلباس
الحال الثالثة: أن يغاير ما قبلها لكن بينهما نوع ارتباط وهذه هي التي يتوسطها العاطف كقوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
فإن قلت: لم سقط العطف من {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} ولم يسقط من {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}؟
قلت: لأن الغفلة شأن الأنعام فالجملة الثانية كأنها هي الجملة الأولى فإن قلت لم سقط في قوله {الله يستهزئ بهم}؟
قلت: لأن الثانية كالمسئول عنها فنزل تقدير السؤال منزلة صريحه
الحال الرابعة: أن يكون بتقدير الاستئناف كأن قائلا قال لم كان كذا فقيل كذا فهاهنا لا عطف أيضا كقوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا} وقوله: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً} التقدير فما قالوا أو فعلوا فأجيب هذا التقدير بقوله قَالُوا
القاعدة الثانية
ينقسم باعتبار عطف الاسم على مثله والفعل على الفعل إلى أقسام:
الأول: عطف الاسم على الاسم وشرط ابن عمرون وصاحبه ابن مالك فيه أن يصح أن يسند أحدهما إلى ما أسند إلى الآخر ولهذا منع أن يكون {وَزَوْجُكَ} في {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ}معطوفا على المستكن في أنت وجعله من عطف الجمل بمعنى أنه مرفوع بفعل محذوف أي ولتسكن زوجك
ونظيره قوله تعالى {لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً} لأن من حق المعطوف حلوله محل المعطوف عليه ولا يصح حلول زوجك محل الضمير لأن فاعل
فعل الأمر الواحد المذكر نحو قم لا يكون إلا ضميرا مستترا فكيف يصح وقوع الظاهر موقع المضمر الذي قبله!
ورد عليه الشيخ أثير الدين أبو حيان بأنه لا خلاف في صحة تقوم هند وزيد ولا يصح مباشرة زيد لـ "تقوم" لتأنيثه
الثاني: عطف الفعل على الفعل قال ابن عمرون وغيره يشترط فيه اتفاق زمانهما فإن خالف رد إلى الاتفاق بالتأويل لاسيما إذا كان لا يلبس وكانت مغايرة الصيغ اتساعا قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} عطف الماضي على المضارع لأنها من صلة الذين وهو يضارع الشرط لإيهامه والماضي في الشرط في حكم المستقبل فقد تغايرت الصيغ في هذا كما ترى واللبس مأمون ولا نظر في الجمل إلى اتفاق المعاني لأن كل جملة مستقلة بنفسها انتهى
ومثله قوله تعالى: {إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ} ثم قال {وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً}
وقوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} ثم قال {وَحَشَرْنَاهُمْ}
وقال صاحب المستوفى: لا يتمشى عطف الفعل على الفعل إلا في المضارع منصوبا كان كقوله تعالى {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} أو مجزوما كقوله {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}
فإن قيل: كيف حكمتم بأن العاطف مختص بالمضارع وهم يقولون قام زيد وقعد
بكر وعلى هذا قوله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} فيه عطف الماضي على الماضي وعطف الدعاء على الدعاء !
فالجواب أن المراد بالعطف هنا أن تكون لفظتان تتبع الثانية منهما الأولى في إعرابها وإذا كانت اللفظة غير معربة فكيف يصح فيها التبعية فصح أن هذه الألفاظ لا يصح أن يقال إنها معطوفة على ما قبلها العطف الذي نقصده الآن وإن صح أن يقال معطوفة العطف الذي ليس للإتباع بل يكون عطف الجملة على الجملة من حيث هما جملتان والجملة من حيث هي لا مدخل لها في الإعراب إلا أن تحل محل الفرد وظهر أنه يصح وقوع العطف عليه وعدمه باعتبارين
الثالث: عطف الفعل على الاسم والاسم على الفعل وقد اختلف فيه فمنهم من منعه والصحيح الجواز إذا كان مقدرا بالفعل كقوله تعالى: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} وقوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ}
واحتج الزمخشري بهذا على أن اسم الفاعل حمله على معنى المصدقين الذين تصدقوا
قال ابن عمرون: ويدل لعطف الاسمية على الفعلية قوله تعالى: {فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ
مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} فعطف {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} وهي جملة اسمية على {فَاخْتَلَفَ} وهي فعلية بالفاء
وقال تعالى: {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} وقال تعالى {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}
قال وأذن جاز عطف الاسمية على الفعلية بـ" أم" في قوله تعالى {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} إذاً لوضع للمعادلة
وقيل: إنه أوقع الاسمية موقع الفعلية نظرا إلى المعنى "أصمتم" فما المانع هنا وجعل ابن مالك قوله تعالى {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} عطفا على {يُخْرِجْ} لأن الاسم في تأويل الفعل
والتحقق ما قاله الزمخشري أنه عطف على: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}،
ولا يصح أن يكون عطفا على{يُخْرِجْ}لأنه ليس تفسيرا لقوله{فَالِقُ الْحَبِّ} فيعطف على تفسيره بل هو قسيم له
القاعدة الثالثة
ينقسم باعتبار المعطوف إلى أقسام عطف على اللفظ وعطف على الموضع وعطف على التوهم
فالأول: أن يكون باعتبار عمل موجود في المعطوف عليه فهو العطف على اللفظ نحو ليس زيد بقائم ولا ذاهب وهو الأصل
والثاني: أن يكون باعتبار عمل لم يوجد في المعطوف إلا أنه مقدر الوجود لوجود طالبه فهو العطف على الموضع نحو ليس زيد بقائم ولا ذاهبا بنصب ذاهبا عطفا على موضع قائم لأنه خبر ليس
ومن أمثلته قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} بأن يكون يوم القيامة معطوفا على محل هذه ذكره الفارسي
وقوله: {ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} في قراءة الجزم أنه بالعطف على محل {فَلا هَادِيَ لَهُ}
وجعل الزمخشري وأبو البقاء منه قوله تعالى: {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى} إن بشرى في محل نصب بالعطف على محل لينذر لأنه مفعول له
وغلطا في ذلك لأن شرطه في ذلك أن يكون الموضع بحق الأصالة والمحل ليس هنا كذلك لأن الأصل هو الجر في المفعول له وإنما النصب ناشئ عن إسقاط الخافض وجوز الزمخشري أيضا في قوله تعالى {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ} كون الشمس معطوفا على محل الليل
والثالث: أن يكون باعتبار عمل لم يوجد هو ولا طالبه هو العطف على التوهم نحو ليس زيد قائما ولا ذاهب بجر ذاهب وهو معطوف على خبر ليس المنصوب باعتبار جره بالباء ولو دخلت عليه فالجر على مفقود وعامله وهو الباء مفقود أيضا إلا أنه متوهم الوجود لكثرة دخوله في خبر ليس فلما توهم وجوده صح اعتبار مثله وهذا قليل من كلامهم
وقيل: إنه لم يجئ إلا في الشعر ولكن جوزه الخليل وسيبويه في القرآن وعليه
خرجا قوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} كأنه قيل أصدق وأكن
وقيل: هو من العطف على الموضع أي محل "أصدق"
والتحقيق قول سيبويه: هو على توهم أن الفاء لم ينطق بها
واعلم أن بعضهم قد شنع القول بهذا في القرآن على النحويين وقال كيف يجوز التوهم في القرآن
وهذا جهل منه بمرادهم فإنه ليس المراد بالتوهم الغلط بل تنزيل الموجود منه منزلة المعدوم كالفاء في قوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ} ليبنى على ذلك ما يقصد من الإعراب وجعل منه الزمخشري قوله تعالى: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فيمن فتح الباء كأنه قيل ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة:
مشأيم ليسوا مصلحين عشيرة
ولا ناعب إلا ببين غرابها
وقد يجيء اسم آخر وهو العطف على المعنى كقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} ثم قال {أَوْ كَالَّذِي} عطف المجرور بالكاف على المجرور ب" إلى" حملا على المعنى لأن قوله إلى الذي في معنى أرأيت كالذي
وقال بعضهم في قوله تعالى {وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ} إنه عطف على معنى
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} وهو أنا خلقنا الكواكب في السماء الدنيا زينة للسماء الدنيا
وفي قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} على قراءة النصب: إنه عطف معنى {لَعَلِّي أَبْلُغُ} وهو لعلي أن أبلغ فإن خبر لعل يقترن بـ" أن" كثيرا
القاعدة الرابعة
الأصل في العطف التغاير وقد يعطف الشيء على نفسه في مقام التأكيد وقد سبق إفراده بنوع في فصول التأكيد
القاعدة الخامسة
يجوز في الحكاية عن المخاطبين إذا طالت قال زيد قال عمرو من غير أن تأتي بالواو وبالفاء وعلى هذا قوله تعالى {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} الآية
وقوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ونظائرها
وإنما حسن ذلك للاستغناء عن حرف العطف من حيث إن المتقدم من القولين
يستدعي التأخر منهما فلهذا كان الكلام مبنيا على الانفصال وكان كل واحد من هذه الأقوال مستأنفا ظاهرا وإن كان الذهن يلائم بينهما
القاعدة السادسة
العطف على المضمر إن كان منفصلا مرفوعا فلا يجوز من غير فاصل تأكيد أو غيره كقوله تعالى {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ}
{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا}
{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} عند الجمهور خلافا لابن مالك في جعله من عطف الجمل بتقدير ولتسكن زوجك
وقوله: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ}
{يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ}
{فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}
وجعل الزمخشري منه {إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أو آباؤنا} فيمن قرأ بفتح الواو وجعل الفصل بالهمزة
ورد بأن الاستفهام لا يدخل على المفردات
وجعل الفارسي منه {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} وأعرب ابن الدهان { وَلا آبَاؤُنَا} مبتدأ خبره {أَشْرَكُوا} مقدرا
وأجاز الكوفيون العطف من غير فاصل كقوله تعالى {وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}
فأما قوله تعالى: {فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى} فقال الفارسي {وَهُوَ} مبتدأ وليس معطوفا على ضمير {فَاسْتَوَى} وإن كان مجرورا فلا يجوز من غير تكرار الجار فيه نحو مررت به وبزيد كقوله تعالى { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}{فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ}{جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}
وأما قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} فإن جعلنا {وَمِنْ نُوحٍ} معطوفا على {مِنْكَ} فالإعادة لازمة وإن جعل معطوفا على {النَّبِيِّينَ} فجائزة
وقال الكوفيون: لا تلزم الإعادة محتجين بآيات:
الأولى: قراءة حمزة {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} بالجر عطفا على الضمير في{بِهِ}
فإن قيل: ليس الخفض على العطف وإنما هو على القسم وجوابه {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
قلنا: رده الزجاج بالنهي عن الحلف بغير الله وهو عجيب فإن ذلك على المخلوقين
الثانية: قوله تعالى: {فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} {وَمَنْ لَسْتُمْ} أو لها المانعون كابن الدهان بتقدير ويرزق من لستم والزجاج بتقدير اعني من لستم قال أبو البقاء لأن المعنى أغناكم وأغنى من لستم وقدم أنها نصب
بـ {جَعَلْنَا} قال والمراد بـ "من" العبيد والإماء والبهائم فإنها مخلوقة لمنافعها
الثالثة: قوله تعالى {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وليس من هذا الباب لأن {الْمَسْجِدِ} معطوف على {سَبِيلِ اللَّهِ} في قوله {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ويدل لذلك أنه صرح بنسبة الصد إلى المسجد في قوله {أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
وهذا الوجه حسن لولا ما يلزم منه الفصل بين {صد} و{الْمَسْجِدِ} بقوله {وَكُفْرٌ} وهو أجنبي
ولا يحسن أن يقال: إنه معطوف على {الشَّهْرَ} لأنهم لم يسألوا عنه ولا على {سَبِيلِ} لأنه إذ ذاك من تتمة المصدر ولا يعطف على المصدر قبل تمامه
الرابعة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ} قالوا الواو عاطفة لـ "من" على الكاف المجرورة والتقدير حسبك من اتبعك
ورد بأن الواو للمصاحبة ومن في محل نصب عطف على الموضع كقوله
*فحسبك والضحاك سيف مهند*
الخامسة: قوله تعالى: {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} كما تقول كذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا
لكن هذا عطف على الضمير المخفوض وذلك لا يجوز على قراءة حمزة.
وقد خالفه الجمهور وجعلوه مجرورا عطفا على { ذكركم } المجرور بكاف التشبيه تقديره أو كذكركم اشد فجعل للذكر ذكرا مجازا وهو قول الزجاج وتابعة ابن عطية وابو البقاء وغيرهما
ومما اختلف فيه العطف على عاملين نحو ليس زيد بقائم ولا قاعد عمرو على إن يكون ولا قاعد معطوفا على قائم وعمرو على زيد منعه الجمهور واجازه الاخفش محتجا بقوله تعالى { واختلاف الليل والنهار } 2 ثم قال { آيات } بالنصب عطفا على قوله { لآيات } المنصوب ب إن في اول الكلام و{ اختلاف الليل والنهار } مجرور بالعطف على { السماوات } 4 المجرور بحرف الجر الذي هو في فقد وجد العطف على عاملين واجيب بجعل { آيات } تأكيد ل آيات الاولى
قواعد في العدد
القاعدة الاولى
في اسم الفاعل المشتق من العدد له استعمالان أحدهما إن يراد به واحد من ذلك العدد فهذا يضاف للعدد الموافق له نحو رابع اربعة وخامس خمسة وليس فيه إلا الإضافة خلافا لثعلب فانه اجاز ثالث ثلاثة بالتنوين قال تعالى { ثاني اثنين } وهذا لايجوز اطلاقه في حق الله تعالى
ولهذا قال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}
الثاني: أن يكون بمعنى التصيير وهذا يضاف إلى العدد المخالف له في اللفظ بشرط أن يكون أنقص منه بواحد كقولك ثالث اثنين ورابع ثلاثة وخامس أربعة كقوله تعالى {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} أي يصيرهم بعلمه وإحاطته أربعة وخمسة
فإن قيل: كيف بدا بالثلاث وهلا جاء ما يكون من نجوى واحد إلا هو ثانيه ولا اثنين إلا هو ثالثهم قيل لأنه سبحانه لما علم إن بعض عباده كفر بهذا اللفظ وأدعى أنه ثالث ثلاثة فلو قال ما يكون من نجوى واحد إلا هو ثانيه لثارت ضلالة من كفر بالله وجعله ثانيا وقال وهذا قول الله هكذا ولو قال ولا اثنين إلا هو ثالثهم لتمسك به الكفار فعدل سبحانه عن هذا لأجل ذلك ثم قال {وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ} فذكر هذين المعنيين بالتلويح لا بالتصريح فدخل تحته مالا يتناهى وهذا من بعض إعجاز القرآن
القاعدة الثانية
حق ما يضاف إليه العدد من الثلاثة إلى العشرة أن يكون اسم جنس أو اسم جمع وحينئذ فيجر بـ "من" نحو {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ}
ويجوز إضافته نحو {تِسْعَةُ رَهْطٍ}
وإن كان غيرهما من الجموع أضيف إليه الجمع على مثال جمع القلة من التكسير وعلته أن المضاف موضوع للقلة فتلزم إضافته إلى جمع قلة طلبا لمناسبة المضاف إليه
المضاف في القلة لأن المفسر على حسب المفسر فتقول ثلاثة أفلس وأربعة أعبد قال تعالى {مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}
وقد استشكل على هذه القاعدة قوله تعالى: { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} فإن قروء جمع كثرة وقد أضيف إلى الثلاثة ولو جاء على القاعدة لقال أقراء
والجواب: من أوجه:
أحدها: أنه أوثر جمع الكثرة هنا لأن بناء القلة شاذ فإنه جمع قرء بفتح القاف وجمع فعل على أفعال شاذ فجمعوه على فعول إيثارا للفصيح فأشبه ما ليس له إلا جمع كثرة فإنه يضاف إليه كثلاثة دراهم ذكره ابن مالك
والثاني: أن القلة بالنسبة إلى كل واحد من المطلقات وإنما أضاف جمع الكثرة نظرا إلى كثرة المتربصات لأن كل واحدة تتربص ثلاثة حكاه في البسيط عن أهل المعاني
الثالث: أنه على حذف مضاف أي ثلاثة أقراء قروء
الرابع: أن الإضافة نعت في تقدير الانفصال لأنه بمعنى من التي للتبعيض أي ثلاثة أقراء من قروء
كما أجاز المبرد ثلاثة حمير وثلاثة كلاب على إرادة "من" أي من حمير ومن كلاب
القاعدة الثالثة
ألفاظ العدد نصوص ولهذا لا يدخلها تأكيد لأنه لدفع المجاز في إطلاق الكل
وإرادة البعض وهو منتف في العدد وقد أورد على ذلك آيات شريفة
الأولى: قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} والجواب أن التأكيد هنا ليس لدفع نقصان أصل العدد بل لدفع نقصان الصفة لأن الغالب في البدل أن يكون دون المبدل منه معناه أن الفاقد للهدى لا ينقص من أجره شيء
الثانية: قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} ولو كانت ألفاظ العدد نصوصا لما دخلها الاستثناء إنما يكون عاما والجواب أن التجوز قد يدخل في الألف فإنها تذكرة في سياق المبالغة للتكثير والاستثناء رفع ذلك
الثالثة : قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} وقد سبق في باب التأكيد الجواب عنه
الرابعة: قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وقوله {سَبْعُونَ ذِرَاعاً} قالوا المراد بها الكثرة وخصوص السبعين ليس مرادا وهذا مجاز وكذا قوله تعالى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} قيل المراد المراجعة من غير حصر وجيء بلفظ التثنية تنبيها على أصل الكثرة وهو مجاز
أحكام الألفاظ يكثر دورانها في القرآن
لفظ "فعل"
من ذلك لفظ "فعل" كثيرا ما يجيء كناية عن أفعال متعددة وفائدته الاختصار كقوله تعالى {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ}
وقوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله
وحيث أطلقت في كلام الله فهي محمولة على الوعيد الشديد كقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}
{وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ}
لفظ كان
ومن ذلك الإخبار عن ذات الله أو صفاته بـ" كان"
وقد اختلف النحاة وغيرهم في أنها تدل على الانقطاع على مذاهب:
أحدها: أنها تفيد الانقطاع لأنها فعل يشعر بالتجدد
والثاني: لا تفيده بل تقتضي الدوام والاستمرار وبه جزم ابن معط في ألفيته حيث قال
*وكان للماضي الذي ما انقطعا*
وقال الراغب في قوله تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} نبه بقوله كان على أنه لم يزل منذ أوجد منطويا على الكفر
والثالث: أنه عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإبهام وليس فيه دليل على عدم سابق ولا على انقطاع طارئ ومنه قوله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} قاله الزمخشري في قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
وذكر ابن عطية في سورة الفتح أنها حيث وقعت في صفات الله فهي مسلوبة الدلالة على الزمان
والصواب من هذه المقالات مقالة الزمخشري وأنها تفيد اقتران معنى الجملة التي تليها بالزمن الماضي لا غير ولا دلالة لها نفسها على انقطاع ذلك المعنى ولا بقائه بل إن أفاد الكلام شيئا من ذلك كان لدليل آخر
إذا علمت هذا فقد وقع في القرآن إخبار الله تعالى عن صفاته الذاتية وغيرها بلفظ كان كثيرا نحو {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} {وَاسِعاً حَكِيماً}
{غَفُوراً رَحِيماً} {تَوَّاباً رَحِيماً} {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}
فحيث وقع الإخبار بـ "كان" عن صفة ذاتية فالمراد الإخبار عن وجودها وأنها لم تفارق ذاته ولهذا يقررها بعضهم بما زال فرارا مما يسبق إلى الوهم إن كان يفيد انقطاع المخبر به عن الوجود لقولهم دخل في خبر كان قالوا فكان وما زال مجازان يستعمل أحدهما في معنى الآخر مجازا بالقرينة وهو تكلف لا حاجة إليه وإنما معناها ما ذكرناه من أزلية الصفة ثم تستفيد بقاءها في الحال وفيما لا يزال بالأدلة العقلية وباستصحاب الحال
وعلى هذا التقدير سؤالان:
أحدهما: إن البارئ سبحانه وصفاته موجودة قبل الزمان والمكان فكيف تدل كان الزمانية على أزلية صفاته وهي موجودة قبل الزمان؟
وثانيهما: مدلول كان اقتران مضمون الجملة بالزمان اقترانا مطلقا فما الدليل على استغراقه الزمان؟
والجواب عن الأول أن الزمان نوعان:
حقيقي وهو مرور الليل والنهار أو مقدار حركة الفلك على ما قيل فيه
وتقديري وهو ما قبل ذلك وما بعده كما في قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} ولا بكرة هنا ولا عشيا وإنما هو زمان تقديري فرضي
وكذلك قوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}
مع أن الأيام الحقيقية لا توجد إلا بوجود السموات والأرض والشمس والقمر وإنما الإشارة إلى أيام تقديرية
وعن الثاني أن كان لما دلت على اقتران مضمون الجملة بالزمان لم يكن بعض أفراد الأزمنة أولى بذلك من بعض فإما ألا يتعلق مضمونها بزمان فيعطل أو يعلق بعضها دون بعض وهو ترجيح بلا مرجح أو يتعلق بكل زمان وهو المطلوب
وحيث وقع الإخبار بها عن صفة فعلية فالمراد تارة الإخبار عن قدرته عليها في الأزل نحو كان الله خالقا ورازقا ومحييا ومميتا وتارة تحقيق نسبتها إليه نحو: {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} وتارة ابتداء الفعل وإنشاؤه نحو {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} فان الإرث إنما يكون بعد موت المورث والله سبحانه مالك كل شيء على الحقيقة من قبل ومن بعد
وحيث أخبر بها عن صفات الآدميين فالمراد التنبيه على أنها فيهم غريزة وطبيعة مركوزة في نفسه نحو {وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً}{إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}
ويدل عليه قوله {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} أي خلق على هذه الصفة وهي مقدرة أو بالقوة ثم تخرج إلى الفعل
وحيث أخبر بها عن أفعالهم دلت على اقتران مضمون الجملة بالزمان نحو {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}
ومن هذا الباب الحكاية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ كان يصوم وكنا نفعل وهو عند أكثر الفقهاء والأصوليين يفيد الدوام فإن عارضه ما يقتضي عدم الدوام مثل أن يروى كان يمسح مرة ثم نقل أنه يمسح ثلاثا فهذا من باب تخصيص العموم وإن روي النفي والإثبات تعارضا
وقال الصفار في شرح سيبويه: إذا استعملت للدلالة على الماضي فهل تقتضي الدوام والاتصال أو لا مسالة خلاف وذلك أنك إذا قلت كان زيد قائما فهل هو الآن قائم الصحيح أنه ليس كذلك هذا هو المفهوم ضرورة وإنما حملهم على جعلها للدوام ما ورد من مثل قوله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} وقوله {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} وهذا عندنا يتخرج على أنه جواب لمن سأل هل كان الله غفورا رحيما وأما الآية الثانية فالمعنى أي قد كان عندكم فاحشة وكنتم تعتقدون فيه ذلك فتركه يسهل عليكم
قال ابن الشجري: في أمالية اختلف في كان في نحو قوله {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} على قولين:
أحدهما: أنها بمعنى لم يزل كان القوم شاهدوا عزا وحكمة ومغفرة ورحمة فقيل لهم لم يزل الله كذلك قال وهذا قول سيبويه
والثاني: أنها تدل على وقوع الفعل فيما مضى من الزمان فإذا كان فعلا متطاولا لم يدل دلالة قاطعة على أنه زال وانقطع كقولك كان فلان صديقي لا يدل هذا على أن صداقته قد زالت بل يجوز بقاؤها ويجوز زوالها
فمن الأول: قوله تعالى: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً} لأن عداوتهم باقية
ومن الثاني قوله تعالى: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ}
وقال بعضهم: يدل على أن خبرها كان موجودا في الزمن الماضي وأما في الزمن الحاضر فقد يكون باقيا مستمرا وقد يكون منقطعا فالأول كقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} وكذا سائر صفاته لأنها باقية مستمرة
قال السيرافي: قد يرجع الانقطاع بالنسبة للمغفور لهم والمرحومين بمعنى أنهم انقرضوا فلم يبق من يغفر له ولا من يرحم فتنقطع المغفرة والرحمة
وكذا: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} ومعناه الانقطاع فيما وقع عليه العلم والحكمة لا نفس العلم والحكمة
وفيه نظر
وقال ابن بري ما معناه إن" كان" تدل على تقديم الوصف وقدمه وما ثبت قدمه استحال عدمه وهو كلام حسن
وقال منصور بن فلاح اليمني في كتاب الكافي: قد تدل على الدوام بحسب القرائن كقوله{ وكان الله غفورا رحيما} {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} دلت على الدوام المتصف بتلك الصفات ودوام التعبد بالصفات وقد تدل على الانقطاع نحو كان هذا الفقير غنيا وكان لي مال
وقال أبو بكر الرازي كان في القرآن على خمسة أوجه:
بمعنى الأزل والأبد كقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}
وبمعنى المضي المنقطع كقوله: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} وهو الأصل في معاني كان كما تقول كان زيد صالحا أو فقيرا أو مريضا أو نحوه
وبمعنى الحال كقوله تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} وقوله {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}
وبمعنى الاستقبال كقوله تعالى: {ويخافون يوما كان شره مستطيرا}
وبمعنى صار كقوله: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
مسألة
في حكم "كان" إذا وقعت بعد "إن"
كان فعل ماض وإذا وقعت بعد إن كانت في المعنى للاستقبال
وقال المبرد تبقى على المضي لتجردها للدلالة على الزمان فلا يغيرها أداة الشرط قال تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ} {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ}
وهذا ضعيف لبنائه على أنها للزمان وحده والحق خلافه بل تدل على الحدث والزمان كغيرها من الأفعال وقد استعملت مع إن للاستقبال قال تعالى {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وأما {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ} فتأوله ابن السراج على تقدير إن أكن قلته وكذا {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ} إن يكن قميصه
مسألة في نفي كان وأخواتها
إذا نفيت كان وأخواتها فهي كغيرها من الأفعال وزعم ابن الطراوة أنها إذا نفيت كان اسمها مثبتا والخبر منفيا قال لأن النفي إنما يتسلط على الخبر كقوله تعالى {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا} فالقول مثبت والحجة هي المنفية وما ذهب إليه غير لازم إذ قد قرئ ما كان حجتهم بالرفع على أنه اسم كان ولكن تأوله على أن كان ملغاة أي زائدة تقديره ما حجتهم إلا
وهذا إن ساغ له هاهنا فلا يسوغ له تأويل قوله تعالى: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا} فإنه قرئ بالرفع ولا يمكن أن تكون هنا ملغاة
لفظ جعل
ومن ذلك جعل وهي أحد الأفعال المشتركة التي هي أمهات أحداث وهي فعل وعمل وجعل وطفق وأنشأ وأقبل وأعمها فعل يقع على القول والهم وغيرهما {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
ودونه عمل لأنه يعم النية والهم والعزم والقول {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} أي من صلاة وصدقة وجهاد
ولجعل أحوال:
أحدها: بمعنى سمى كقوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي سموه كذبا وقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} على قول ويشهد له قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى}
الثاني: بمعنى المقاربة مثل كاد وطفق لكنها تفيد ملابسة الفعل والشروع فيه تقول جعل يقول وجعل يفعل كذا إذا شرع فيه
الثالث: بمعنى الخلق والاختراع فتعدى لواحد كقوله تعالى {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} أي خلقهما
فإن قيل: ما الفرق بين الجعل والخلق؟
قيل: إن الخلق فيه معنى التقدير وفي الجعل معنى التصيير كإنشاء شيء من شيء أو تصيير شيء شيئا أو نقله من مكان ويتعدى لمفعول واحد لأنه لا يتعلق إلا بواحد وهو المخلوق
وأيضا،فالخلق يكون عن عدم سابق حيث لا يتقدم مادة لا سبب محسوس والجعل يتوقف على موجود مغاير للمجعول يكون منه المجعول أو عنه كالمادة والسبب ولا يرد في القرآن العظيم لفظ جعل في الأكثر مرادا به الخلق إلا حيث يكون قبله ما يكون عنه أو منه أو شيئا فيه محسوسا عنه يكون ذلك المخلوق الثاني بخلاف خلق فإن العبارة تقع كثيرا به عما لم يتقدم وجوده وجود مغاير يكون عنه هذا الثاني قال الله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} وإنما الظلمات والنور عن أجرام توجد بوجودها وتعدم بعدمها وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ}
وقال {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}
وقال سبحانه في سورة الأعراف {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}
وفي سورة النساء: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} فهو يدل على أنهما قد يستعملان استعمال المترادفين
الرابع: بمعنى النقل من حال إلى حال والتصيير فيتعدى إلى مفعولين إما حسا كقوله تعالى {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً} {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} وإما عقلا مثل {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً} ونحو قوله {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} وقوله {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} لأنه يتعلق بشيئين المنقول وهو الليل والمنقول إليه وهو اللباس
وأبين منه قوله تعالى {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً}
والمعاش في قوله: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} اسم زمان لكون الثاني هو الأول ويجوز أن يكون مصدر لمعنى المعيش {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} ومعناه صيرناه لأن مريم إنما صارت مع ولدها عليه السلام لما خلق من جسدها لا من أب فصار عند ذلك آية للعالمين ومحال أنه
يريد خلقناهما لأن مريم لم تخلق في حين خلق ولدها بل كانت موجودة قبله ومحال تعلق القدرة بجعل الموجود موجودا في حال بقائه
فأما قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} ،فهو من هذا الباب على جهة الاتساع أي صيرناه يقرأ بلسان عربي لأن غير القرآن ما هو عبري وسرياني ولأن معاني القرآن في الكتب السالفة بدليل قوله تعالى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى}
وبهذا احتج من أجاز القراءة بالفارسية،قال: لأنه ليس في زبر الأولين من القرآن إلا المعنى والفارسية تؤدي المعنى وإذا عرف هذا فكأنه نقل المعنى من لفظ القرآن فصيره عربيا
وأخطأ الزمخشري حيث جعله بالخلق وهو مردود صناعة ومعنى أما الصناعة فلأنه يتعدى لمفعولين ولو كان بمعنى الخلق لم يتعد إلا إلى واحد وتعديته لمفعولين وإن احتمل هذا المعنى لكن بجواز إرادة التسمية أو التصيير على ما سبق وأما المعنى فلو كان بمعنى خلقنا التلاوة العربية فباطل لأنه ليس الخلاف في حدوث ما يقوم بألسنتنا وإنما الخلاف في أن كلام الله الذي هو أمره ونهيه وخبره فعندنا أنه صفة من صفات ذاته وهو قديم
وقالت: القدرية إنه صفة فعل أوجده بعد عدمه وأحدثه لنفسه فصار عند حدوثه متكلما بعد أن لم يكن فظهر أن الآية على تأويله ليس فيها تضمن لعقيدته الباطلة
وقال: الآمدي في أبكار الأفكار الجعل فيه بمعنى التسوية كقوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي يسمونه كذبا
قال: ويحتمل أن الجعل على بابه والمراد القرآن بمعنى القراءة دون مدلولها فإن القرآن قد يطلق بمعنى القراءة ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أذن الله لشيء أذنه لنبي يتغنى في القرآن" أي بالقراءة
وقال بعضهم: قاعدة العرب في الجعل أن يتعدى لواحد وتارة يتعدى لاثنين فإن تعدى لواحد لم يكن إلا بمعنى الخلق وأما إذا تعدى لاثنين فيجيء بمعنى الخلق كقوله تعالى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} وبمعنى التسمية {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}
ويجيء بمعنى التصيير كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} أي صيرناهما
إذا علمت هذا فإذن ثبت أن الجعل المتعدي لاثنين ليس نصا في الخلق بل يحتمل الخلق وغيره ولم يكن في الآية تعلق للقدرية على خلق القرآن لأن الدليل لابد أن يكون قطعيا لا احتمال فيه ويجوز أن يكون بمعنى الخلق على معنى جعلنا التلاوة عربية
قلت: وهذا يمنع إطلاقه وإن جوزنا حدوث الألفاظ لأنها لم تأت عن السلف بل نقول القرآن غير مخلوق على الإطلاق
الخامس: بمعنى الاعتقاد كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ}
وكذلك قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} أي اعتقدوهم إناثا
ويجوز أن يكون كما قبله ووجه النقل فيه هو أن الملائكة في نفس الأمر ليسوا إناثا فهؤلاء الكفار نقلوهم باعتقادهم فصيروهم في الوجود الذهني إناثا
ومنهم من جعلها بمعنى التسمية كقوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي لا تسموها أندادا وأنتم تعلمون أي لا تسموها أندادا ولا تعتقدوها لأنهم ما سموها حتى اعتقدوها
وكذلك: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي سموه وجزؤوه أجزاء فجعلوا بعضه شعرا وبعضه سحرا وبعضه أساطير الأولين
وقال الزجاج في: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ}إنها بمعنى.......
وقوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} أي اعتقدتم هذا مثل هذا
فأما قوله: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض} ،فالنقل والتصيير راجعان إلى الحال أي لا تجعل حال هؤلاء مثل حال هؤلاء ولا تنقلها إليها
وكذلك قوله: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} أي اعتقدوا له شركاء
السادس: بمعنى الحكم بالشيء على الشيء يكون في الحق والباطل فالحق كقوله {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
والباطل كقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ} الآية
وبمعنى أوجب كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} أي أوجبنا الاستقبال إليها
وكقوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ}،{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا }ومعنى كنت عليها أي أنت عليها كقوله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أي أأنتم
السابع: ذكره الفارسي بمعنى ألقى فيتعدى لمفعولين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر كما في قولك جعلت متاعك بعضه فوق بعض
ومثله قوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ}
ومنه قوله تعالى: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} وبعضه بدل من الخبيث
وقوله على بعض أي فوق بعض
ومثله قوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} أي ألقى بدليل قوله في الآية الأخرى التي علل فيها المراد بخلق الجبال وأبان إنعامه فقال {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}
فائدة
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} قيل كيف يستعمل لفظ الجعل
هنا مع أن المجعول عنه ينبغي أن يتحقق قبل الجعل مع صفة المجعول كقولك جعلت زيدا قائما فهو قبل ذلك كان متصفا بضد القيام وهنا لم يوجد الجعل إلا على هذه الصفة فكيف يصح استعمال الجعل فيه
والجواب أن الليل جوهر قام به السواد والنهار جوهر قام به النور وكذلك الشمس جسم قام به ضوء والأجسام والجواهر متقدمة على الأعراض بالذات والعرب تراعي مثل هذا نقل الفراء أنهم قالوا أحسنت إليك فكسوتك فجعلوا الإحسان متقدما على الكسوة بدليل العطف بالفاء وليس ذلك إلا تقدم ذاتي لأن الإحسان في الخارج هو نفس الكسوة
ولك أن تقول: لا نسلم أن الإحسان نفس الكسوة بل معنى يقوم بالنفس ينشأ عنه الكسوة
حسب
يتعدى لمفعولين،وحيث جاء بعدها أن الفعل كقوله تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} ونظائره فمذهب سيبويه أنها سادة مسد المفعولين ومذهب المبرد أنها سادة مسد المفعول الواحد والثاني عنده مقدر
ويشهد لسيبويه أن العرب لم يسمع من كلامهم نطق بما ادعاه من التصريح به ولو كان كما ذكره لنطقوا به ولو مرة
كاد
وللنحويين فيها أربعة مذاهب:
أحدها: أن إثباتها إثبات ونفيها نفي كغيرها من الأفعال
والثاني : أنها تفيد الدلالة على وقوع الفعل بعسر وهو مذهب ابن جني
والثالث: أن إثباتها نفي ونفيها إثبات فإذا قيل كاد يفعل فمعناه أنه لم يفعله بدليل قوله: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} وإذا قيل لم يكد يفعل فمعناه أنه فعله بدليل قوله {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
والرابع: التفصيل في النفي بين المضارع والماضي فنفي المضارع نفي ونفي الماضي إثبات بدليل {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وقوله {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مع أنه لم ير شيئا وهذا حكاه ابن أبي الربيع في شرح الجمل وقال إنه الصحيح
والمختار هو الأول وذلك لأن معناها المقاربة فمعنى كاد يفعل قارب الفعل ومعنى ما كاد يفعل لم يقاربه فخبرها منفي دائما
أما إذا كانت منفية فواضح لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل اقتضى عقلا عدم حصوله ويدل له قوله تعالى {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} ولهذا كان أبلغ من قوله لم يرها لأن من لم ير قد يقارب الرؤية
وأما إذا كانت المقاربة منفية فلأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عرفا عدم حصوله وإلا لم يتجه الإخبار بقربه فأما قوله تعالى {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
فإنها منفية مع إثبات الفعل لهم في قوله {فَذَبَحُوهَا}
ووجهه أيضا إخبار عن حالهم في أول الأمر فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها بدليل ما ذكر الله عنهم من تعنتهم وحصول الفعل إنما فهمناه من دليل آخر وهو قوله {فَذَبَحُوهَا}
والأقرب أن يقال: إن النفي وارد على الإثبات والمعنى هنا وما كادوا يفعلون الذبح قبل ذلك لأنهم قالوا {أتتخذنا هزوا} وغير ذلك من التشديد وأما قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} فالمعنى على النفي وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يركن إليهم لا قليلا ولا كثيرا من جهة إن لولا الإمتناعية تقتضي ذلك وأنه امتنع مقاربة الركون القليل لأجل وجود التثبيت لينتفي الكثير من طريق الأولى
وتأمل كيف جاء كاد المقتضية المقاربة للفعل بقدر الظاهرة للتقليل كل ذلك تعظيما لشأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جبلت عليه نفسه الزكية من كونه لا يكاد يركن إليهم شيئا قليلا للتثبيت مع ما جبلت عليه
وهكذا ينبغي أن يفهم معنى هذه الآية خلافا لما وقع في كتب التفسير من ابن عطية وغيره فهم عن هذا المعنى اللطيف بمعزل
وحكى الشريف الرضي في كتاب الغرر ثلاثة أقوال في قوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}
الأول: أنها دالة على الرؤية بعسر أي رآها بعد عسر وبطء لتكاثف الظلم
والثاني: أنها زائدة والكلام على النفي المحض ونقله عن أكثر المفسرين أي لم يرها أصلا لأن الله تعالى قال: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} كان مقتضى هذه الظلمات تحول بين العين وبين النظر إلى البدن وسائر المناظر
والثالث: أنها بمعنى أراد من قوله {كِدْنَا لِيُوسُفَ} أي لم يرد أن يراها
وذكر غيره أن التقدير {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} ممتحنا لبصره لم يكد يخرجها ويراها صفة للظلمات تقديره ظلمات بعضها فوق بعض يراها
وأما قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى} فيحتمل أن المعنى أريد أخفيها لكي تجزى كل نفس بسعيها
ويجوز أن تكون زائدة أي أخفيها لتجزى
وقيل: تم الكلام عند قوله: {آتِيَةٌ أَكَادُ} والمعنى أكاد آتي بها ثم ابتدأ بقوله {أُخْفِيهَا لِتُجْزَى}
وقرأ سعيد بن جبير: أكاد أخفيها بفتح الألف أي أظهرها يقال أخفيت الشيء إذا سترته وإذا أظهرته
وقراءة الضم تحتمل الأمرين وقراءة الفتح لا تحتمل غير الإظهار ومعنى سترتها لأجل الجزاء لأنه إذا أخفي وقتها قويت الدواعي على التأهب لها خوف المجيء بغتة
وأما قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} فلم يثبت للزيت الضوء وإنما أثبت له المقاربة من الضوء قبل أن تمسه النار ثم أثبت النور بقوله {نُورٌ عَلَى نُورٍ}فيؤخذ منه أن النور دون الضوء لا نفسه
فإن قلت: ظاهرة أن المراد يكاد يضيء مسته النار أو لم تمسه فيعطى ذلك أنه مع أن مساس النار لا يضيء ولكن يقارب الإضاءة لكن الواقع أنه عند المساس يضيء قطعا أجيب بأن الواو ليست عاطفة وإنما هي للحال أي يكاد يضيء والحال أنه لم تمسه نار فيفهم منه أنها لو مسته لأضاء قطعا
قاعدة في مجيء كاد بمعنى أراد
تجيء كاد بمعنى أراد ومنه {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} {أَكَادُ أُخْفِيهَا} وعكسه كقوله تعالى {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي يكاد
قاعدة
فعل المطاوعة
فعل المطاوعة هو الواقع مسببا عن سبب اقتضاه نحو كسرته فانكسر قال ابن مالك في شرح الخلاصة هو الدال على قبول مفعول لأثر الفاعل ومعنى ذلك أن الفعل المطاوع بكسر الواو يدل على أن المفعول لقولك كسرت الشيء يدل على مفعول معالجتك في إيصال الفعل إلى المفعول فإذا قلت فانكسر علم أنه قبل
الفعل وإذا قلت لم ينكسر على أنه لم يقبله وأما المطاوع بفتح الواو فيدل على معالجة الفاعل في إيصال فعله إلى المفعول ولا يدل على أن المفعول قبل الفعل أو لم يقبله
وذكر الزمخشري وغيره أن المطاوِع والمطاوَع لابد وأن يشتركا في أصل المعنى والفرق بينهما إنما هو من جهة التأثر والتأثير كالكسر والانكسار إذ لا معنى للمطاوعة إلا حصول فعل عن فعل فالثاني مطاوع لأنه طاوع الأول والأول مطاوع لأنه طاوعه الثاني فيكون المطاوَع لازما للمطاوِع ومرتبا عليه
وقد استشكل هذا بقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}
فأثبت الهدى بدون الاهتداء
وقوله: أمرته فلم يأتمر فأثبت الأمر بدون الائتمار وأيضا فاشتراط الموافقة في أصل المعنى منقوض بقوله أمرته فأتمر أي امتثل فإن الامتثال خلاف الطلب
وأجيب بأنه ليس المراد بـ {فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى} الهدى الحقيقي بل أوصلنا إليهم أسباب الهداية من بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يلزم وجود الاهتداء وأما الأمر فيقتضيه لغة ألا يثبت إلا بالامتثال والائتمار
وقال المطرزي في المغرب: الائتمار من الأضداد وعليه قول شيخنا في الأساس يقال أمرته فائتمر وأبى أن يأتمر أي أمرته فاستبد برأيه ولم يمتثل والمراد بالمؤتمر الممتثل ويقال علمته فلم يتعلم لأن التعليم فعل صالح لأن يترتب عليه حصول العلم لإيجاده
كذا قاله الإمام فخر الدين ومنعه بعضهم
وقال الشيخ علاء الدين الباجي: لو لم يصح علمته فما تعلم لما صح علمته فعلم لأنه إذا كان التعليم يقتضي إيجاد العلم وهو علة فيه فمعلوله وهو التعلم يوجد معه بناء على أن العلة مع المعلول والفاء في قولنا فتعلم تقتضي تعقب العلم وإن قلنا المعلول يتأخر فلا فائدة في فتعلم لأن التعلم قد فهم من علمته فوضح أنه لو صح علمته فما تعلم لكان إما ألا يصح علمته فتعلم بناء على أن العلة مع المعلول أو لا تكون في قولنا فتعلم فائدة بتأخر المعلول
فإن قيل: قد منعوا كسرته فما انكسر فما وجه صحة قولهم علمته فما تعلم؟
قيل: فرق بعضهم بينهما بأن العلم في القلب من الله يتوقف على أمر من المعلم ومن المتعلم وكان علمه موضوعا للجزاء الذي من المعلم فقط لعدم إمكان فعل من المخلوق يحصل به العلم ولا بد بخلاف الكسر فإن أثره لا واسطة بينه وبين الانكسار
واعلم أن الأصل في الفعل المطاوعة أن يعطف عليه بالفاء تقول دعوته فأجاب وأعطيته فأخذ ولا تقولها بالواو لأن المراد إفادة السببية وهو لا يكون في الغالب إلا بالفاء كقوله {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي}
ويجوز عطفه بالواو كقوله: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}
وكقوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ}
وفي موضع آخر: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ}
وزعم ابن جني في كتاب الخصائص أنه لا يجوز فعل المطاوعة إلا بالفاء
وأجاب عن قوله تعالى: { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} ،بأن أغفل في الآية بمعنى وجدناه غافلا لا جعلناه يغفل وإلا لقيل فاتبع هواه بالفاء لأنه يكون مطاوعا
وفي كلامه نظر لأنا نقول: ليس اتباع الهوى مطاوعا لـ "أغفلنا" بل المطاوع لـ "أغفلنا" غفل
فإن قيل: أنه من لازم الغفلة اتباع الهوى والمسبب عن السبب سبب
قيل: لا نسلم أن اتباع الهوى مسبب عن الغفلة بل قد يغفل عن الذكر ولا يتبع الهوى ويكون المانع له منه غفلة أخرى عنه
واعلم أن الحامل لأبي الفتح على هذا الكلام اعتقاده الاعتزالي أن معصية العبد لا تنسب إلى الله تعالى وأنها مسببة له فلهذا جعل أفعل هنا بمعنى وجد لا بمعنى التعدية خاصة وقد بينا ضعف كلامه وأن المطاوع لا يجب عطفه بالفاء
وقال الزمخشري في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ} هذا موضع الفاء كما يقال أعطيته فشكر ومنعته فصبر وإنما عطف بالواو للإشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم فأضمر ذلك ثم عطف عليه بالتحميد كأنه قال فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا الحمد لله
وقال السكاكي: يحتمل عندي أنه تعالى أخبر عما صنع بهما وعما قالا كأنه قال نحن فعلنا إيتاء العلم وهما فعلا الحمد من غير بيان ترتبه عليه اعتمادا على فهم السامع كقولك قم يدعوك بدل قم فإنه يدعوك
وأما قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} فظن بعض الناس أن التقوى سبب التعليم والمحققون على منع ذلك لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط فلم يقل واتقوا الله يعلمكم ولا قال فيعلمكم الله وإنما أتى بواو العطف وليس فيه ما يقتضي أن الأول سبب للثاني وإنما غايته الاقتران والتلازم كما يقال زرني وأزورك وسلم علينا ونسلم عليك ونحوه مما يقتضي اقتران الفعلين والتعارض من الطرفين كما لو قال عبد لسيده اعتقني ولك علي ألف أو قالت المرأة لزوجها طلقني ولك ألف فإن ذلك بمنزلة قولها بألف أو علي ألف وحينئذ فيكون متى علم الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك
ونظير الآية قوله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}
وقوله عقيب ذكر الغيبة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} ووجه هذا الختام التنبيه على التوبة من الاغتياب وهو من الظلم
وهاهنا بحث وهو أن الأئمة اختلفوا في أن العلم هل يستدعي مطاوعة أم لا على قولين
أحدهما: نعم بدليل قوله تعالى {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} فأخبر عن كل من هداه الله بأنه يهتدي وأما قوله {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} فليس منه لأن المراد بالهداية فيه الدعوة بدليل {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}
والثاني: لا يدل على المطاوعة بدليل قوله {وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} وقوله {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً} لأن التخويف حصل ولم يحصل
للكفار خوف نافع يصرفهم إلى الإيمان فإنه المطاوع للتخويف المراد بالآية الكريمة وعلى الأول تكون الفاء للتعقيب في الزمان ويكون أخرجته فما خرج حقيقة
فائدة في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}
قالوا في قوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} إن التقدير منذر إنذارا نافعا من يخشاها قال الشيخ عز الدين ولا حاجة إلى هذا لأن فعل وأفعل إذا لم يترتب عليه مطاوعة كخوف وعلم وشبهة لا يكون حقيقة لأن خوف إذا لم يحصل الخوف وعلم إذا لم يحصل العلم كان مجازا ومنذر من يخشاها يترتب عليه أثره وهو الخشية فيكون حقيقة لمن يخشاها فإذا ليس منذرا من لم يخش لأنه لم يترتب عليه أثر فعلى هذا {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ} فيه جمع بين الحقيقة والمجاز لترتب أثره عليه بالنسبة إلى من يخشى دون من لم يخش
احتمال الفعل للجزم والنصب
فمنه قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} يحتمل أن يكون ما بعد الفاء مجزوما ويحتمل أن يكون منصوبا وإذا كان مجزوما كان داخلا في النهي فيكون قد نهى عن الظلم كما نهى عن قربان الشجرة فكأنه قال {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}
ومنه قوله تعالى {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فإنه يحتمل أن يكون تكتموا مجزوما فهو مشترك مع الأول في حرف النهي والتقدير لا تلبسوا ولا تكتموا أي لا تفعلوا هذا كما في قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن بالجزم أي لا تفعل واحدا من هذين ويحتمل أن يكون منصوبا والتقدير لا تجمعوا بين هذين ويكون مثل لا تأكل السمك وتشرب اللبن والمعنى لا تجمعوا بين هذين الفعلين القبيحين كما تقول لمن لقيته أما كفاك أحدهما حتى جمعت بينهما وليس في هذا إباحة أحدهما والأول أظهر
وقوله {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}،أي ما لم يكن أحد الأمرين المس أو الفرض المستلزم لعدم كل منهما أي لا هذا ولا هذا فإن وجد أحدهما فعليكم الجناح وهو المهر أو نصف المفروض وتفرضوا مجزوم عطفا على تمسوهن
وقيل: نصب وأو بمعنى إلا أن
والصحيح الأول،ولا يجوز تقدير لم بعد أو لفساد المعنى إذ يؤول إلى رفع الجناح عند عدم المس مع الفرض وعدمه وعند عدم الفرض مع المس وعدمه وليس كذلك ولا يقدر فيما انتفى أحدهما للزوم نفي الجناح عند نفي أحدهما ووجود الآخر فلا بد من المحافظة على أحدهما على الإبهام وانسحاب حكم لم عليه
ونظيره {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}
وقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}
وقوله تعالى: {إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} والوجه الجزم ويجوز النصب وقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ}
وقوله: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}
وقوله: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}
وقوله في آل عمران: {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}
وقوله في الأعراف: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}
وقوله في الأنفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
وقوله في سورة التوبة: {وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا}
وقوله: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}
وقوله في سورة يونس: {فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} يجوز أن يكون معطوفا على {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} فيكون منصوبا ويجوز أن يكون منصوبا بالفاء
على جواب الدعاء وأن يكون مجزوما لأنه دعاء
وقوله في سورة يوسف: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ}
وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
وقوله في سورة هود: {ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُوا} أي بأن لا تعبدوا فيكون منصوبا ويجوز جزمه لأنه نهي
وقوله في سورة النحل: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ} يجوز عطف { وَتَذُوقُوا} على {تَّخِذُوا} أو {فَتَزِلَّ} قبل دخول الفاء فيكون مجزوما
وقوله في سورة الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} أي بألا تعبدوا أو على نهي
وفيها {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}
وقوله في سورة الكهف: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ}
وقوله في الحج: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} يجوز أن يكون لام كي أو لام الأمر وفائدة هذا تظهر في جواز الوقف
وقوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا} فيمن كسر اللامات
وقوله في النمل {أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي بإن أو نهي
وقوله في العنكبوت {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا}
وفي فاطر {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا}
وفي يس {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ }هل هي لام كي أو لام الأمر
وفي المؤمن {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا}
وفي فصلت {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا}
وفي الأحقاف {أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ}
وفي القتال {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا}
ويدل على جواز النصب ظهوره في مثله {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ}
وقوله {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ }
وقوله {أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} أي لئلا أو مجزوم وقوله {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً}
وقوله {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} فإن {يَعْتَذِرُونَ} داخل مع الأول في النفي عند سيبويه بدليل قوله {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} فإن كان النطق قد نفي عنهم في ذلك اليوم فالاعتذار نطق فينبغي أن يكون منفيا معطوفا على قوله:
{وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ} ولو حمل على إضمار المبتدأ أي فهم يعتذرون لجاز على أن يكون المعنى في لا ينطقون أنهم وإن نطقوا فمنطقهم كلا نطق لأنه لم يقع الموقع الذي أرادوه كقولهم تكلمت ولم تتكلم
وقوله {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} وعلى الأول يكون هذا قولا في أنفسهم من غير نطق
وقوله تعالى {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} يجوز أن يكون لام كي والفعل منصوب أو لام الأمر والفعل مجزوم وقوله {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} فالظاهر أنه منصوب ويجوز أن يكون مجزوما واللام زائدة ومن نصب {وَيَذَرَكَ} عطفه على {لِيُفْسِدُوا}
رأى
إن كانت بصرية تعدت لواحد أو علميه تعدت لاثنين وحيث وقع بعد البصرية منصوبا كان الأول مفعولها والثاني حالا
ومما يحتمل الأمرين قوله تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} ،فإن كانت بصرية كان الناس مفعولا وسكارى حالا وإن كانت علمية فهما مفعولاها
وكذلك قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً}
وقوله {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}
فهذه الجملة اعني قوله {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} في موضع نصب إما على الحال إن كانت بصرية أو مفعول ثان إن كانت قلبية
واعلم أنه قد وقع في القرآن: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا} ،في بعض المواضع بغير واو كما في الأنعام وفي بعضها بالواو وفي بعضها بالفاء {أَفَلَمْ يَرَوْا}
وهذه الكلمة تأتي على وجهين:
أحدهما: أن تتصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة فيذكر بالألف والواو ولتدل الألف على الاستفهام والواو على عطف جملة على جملة قبلها وكذلك الفاء لكنها أشد اتصالا مما قبلها
والثاني: أن يتصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال فاقتصر على الألف دون الواو والفاء ليجري مجرى الاستئناف
ولا ينتقض هذا الأصل بقوله في النحل {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ} لاتصالها بقوله {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} وسبيلها الاعتبار بالاستدلال فبني عليه {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ}
وأما أرأيت فبمعنى أخبرني ولا يذكر بعدها إلا الشرط وبعده الاستفهام على التقديم والتأخير كقوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ} الآية {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً}
وقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}
وأما رأيت الواقعة في كلام الفقهاء فهي كذلك قال ابن خروف إلا أنهم يلجئون فيها وجوابها أرأيت إن كان كذا وكذا كيف يكون كذا بمعنى عدم الشرط ثم الاستفهام بعده على نمط الآيات الشريفة وهي معلقة عن العمل بما بعدها من الآيات الكريمة وكذلك الرؤية كيف تصرفت
وأما قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} ،فدخلها معنى التعجب كأنه قيل ألم تعجب إلى كذا فتعدت بـ "إلى" كأنه ألم تنظر ودخلت"إلى" بمعنى التعجب وعلق الفعل على جملة الاستفهام وليست ببدل من الرب تعالى لأن الحرف لا يعلق
وأما أرأيتك فقد وقعت هذه اللفظة في سورة الأنعام في موضعين وغيرها وليس لها في العربية نظير لأنه جمع فيها بين علامتي خطاب وهما التاء والكاف والتاء اسم بخلاف الكاف فإنها عند البصريين حرف يفيد الخطاب والجمع بينهما يدل على أن ذلك تنبيها على مبناها عليه من مرتبة وهو ذكر الاستبعاد بالهلاك وليس فيما سواها ما يدل على ذلك فاكتفى بخطاب واحد
قال أبو جعفر بن الزبير: الإتيان بأداة الخطاب بعد الضمير المفيد لذلك تأكيد
باستحكام غفلته كما تحرك النائم باليد والمفرط الغفلة باليد واللسان ولهذا حذفت الكاف في آية يونس لأنه لم يتقدم قبلها ذكر صمم ولا بكم يوجب تأكيد الخطاب وقد تقدم قبلها قوله {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} إلى ما بعدهن فحصل تحريكهم وتنبيههم بما لم يبق بعده إلا التذكير بعذابهم انتهى
وقال ابن فارس في قوله تعالى {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ }قال البصريون هذه الكاف زائدة زيدت لمعنى المخاطبة قال محمد بن يزيد وكذلك رويدك زيدا قال والدليل على ذلك أنك إذا قلت أرأيتك زيدا فإنما هي أرأيت زيدا لأن الكاف لو كانت اسما استحال أن تعدى أرأيت إلى مفعولين والثاني هو الأول يريد قولهم أرأيت زيدا قائما لا يعدي رأيت إلا إلى مفعول هو زيد ومفعول آخر هو قائم فالأول هو الثاني
وقال غيره: من جعل الأداة المؤكد بها الخطاب في أرأيتكم ضمير لم يلزمه اعتراض بتعدي فعل الضمير المتصل إلى مضمره المتصل لأن ذلك جائز في باب الظن وفي فعلين من غير باب ظننت وهما فقدت وعدمت وكذلك تعدي فعل الظاهر إلى مضمره المتصل جائز في الأفعال المذكورة والآيات المذكورة من باب الظن لأن المراد بـ "رأيت" رؤية القلب فهي من المستثنى وإنما الممتنع مطلقا تعدي
فعل المضمر المتصل إلى ظاهره فلا اختلاف في منع هذا من كل الأفعال
وأما من جرد أداة الخطاب المؤكد بها للحرفية وهو قول الجمهور فلا كلام في ذلك وقد اختلف في موضع الكاف من هذا اللفظ على أقوال:
قال سيبويه: لا موضع لها
وقال السكاكي: موضعها نصب
وقال الفراء: رفع
إذا علمت هذا فلها موضعان: أحدهما أن تكون بمعنى أخبرني فلا تقع إلا على اسم مفرد أو جملة شرط كقوله {أَرَأَيْتُ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} الآية ولا يقع الشرط إلا ماضيا لأن ما بعده ليس بجواب له وإنما هو معلق بـ" أرأيتك" وجواب الشرط إما محذوف للعلم به وإما للاستفهام مع عامله وإذا ثني هذا أو جمع لحقت بالتثنية والجمع الكاف وكانت التاء مفردة بكل حال
قال السيرافي: يجوز أن يكون إفرادهم للتاء استغناء بتثنية الكاف وجمعها لأنها للخطاب وإنما فعلوا ذلك للفرق بين أرأيت بمعنى أخبرني وغيرها إذا كانت بمعنى علمت
والثاني: تكون فيه بمعنى انتبه كقولك أرأيت زيدا فإني أحبه أي انتبه له فإني أحبه ولا يلزمه الاستفهام
وقد يحذف الكلام الذي هو جواب للعلم به فلا يذكر كقوله تعالى { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ} فلم يأت بجواب
وأتى في موضع آخر بالجواب ولم يأت بالشرط قال تعالى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ} فـ" من" الأول بمنزلة "الذي"
تنبيه
قال سيبويه: لا يجوز إلغاء أرأيت كما يلغى: علمت أزيد عندك أم عمرو؟ ولا يجوز هذا في أرأيت ولا بد من النصب إذا قلت أرأيت زيد أبو من هو؟
قال: لأن دخول معنى أخبرني فيها لا يجعلها بمنزلة أخبرني في جميع أحوالها
قال السهيلي: وظاهر القرآن يقتضي خلاف قوله وذلك أنها في القرآن ملغاة لأن الاستفهام مطلوبها وعليه وقع في قوله {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ} فقوله {أَلَمْ يَعْلَمْ} استفهام وعليه وقعت أرأيت وكذلك أرأيتم وأرأيتكم في الأنعام والاستفهام واقع بعدها نحو {هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} و{الْفَاسِقُونَ}
وهذا هو الذي منع سيبويه في أرأيت وأرأيتك ولا يقال أرأيتك أبو من أنت قال لكن الذي قال سيبويه صحيح لكن إذا ولي الاستفهام أرأيت ولم يكن لها مفعول سوى الجملة
وأما في هذه المواضع التي في التنزيل فليست الجملة المستفهم عنها هي مفعول أرأيت ولم يكن لها مفعول محذوف يدل عليه الشرط ولا بد من الشرط بعدها في هذه الصورة لأن المعنى أرأيتم صنيعكم إن كان كذا وكذا كما تقول أرأيت إن لقيت العدو أتقاتل أم لا تقديره أرأيت رأيك وصنعك إن لقيت العدو فحذف الشرط وهو إن دال على ذلك المحذوف ومرتبط به والجملة المستفهم عنها كلام مستأنف منقطع إلا أن فيها زيادة بيان لما يستفهم عنه ولو زال الشرط ووليها الاستفهام لقبح كما قال سيبويه وغيره في علمت وهل علمت وهل رأيت وإنما يتجه مع أرأيت خاصة وهي التي دخلها معنى أخبرني
علم العرفانية
لا تتعلق إلا بالمعاني نحو: {لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً}
فأما نحو قوله تعالى: {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} وقوله {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} فالتقدير لا تعلم خبرهم نحن نعلم خبرهم فليعلمن الله صدق الذين صدقوا وليعلمن الله نفاق المنافقين فحذف المضاف
وذكر ابن مالك أنها تختص باليقين وذكر غيره أنها تستعمل في الظن أيضا بدليل قوله { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ }
وله أن يقول: العلم على حقيقته. والمراد بالإيمان التصديق اللساني
ظن
أصلها للاعتقاد الراجح كقوله تعالى {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا}
وقد تستعمل بمعنى اليقين لأن الظن فيه طرف من اليقين لولاه كان جهلا كقوله تعالى {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ} {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ} وللفرق بينهما في القرآن ضابطان:
أحدهما: أنه حيث وجد الظن محمودا مثابا عليه فهو اليقين وحيث وجد مذموما متوعدا بالعقاب عليه فهو الشك
الثاني: أن كل ظن يتصل بعده "إن" الخفيفة فهو شك كقوله {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} وقوله {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ}
وكل ظن يتصل به إنّ المشددة فالمراد به اليقين كقوله {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ}
والمعنى فيه أنّ المشددة للتأكيد فدخلت على اليقين وأن الخفيفة بخلافها فدخلت في الشك
مثال الأول،قوله سبحانه: {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} ذكر بـ" أن" وقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}
ومثال الثاني: {وَحَسِبُوا أَلا تَكُونَ فِتْنَةٌ} والحسبان الشك
فإن قيل: يرد على هذا الضابط قوله تعالى {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ}
قيل: لأنها اتصلت بالفعل
فتمسك بهذا الضابط فإنه من أسرار القرآن
ثم رأيت الراغب قال في تفسير سورة البقرة
الظن أعم ألفاظ الشك واليقين وهو اسم لما حصل عن أمارة فمتى قويت أدت إلى العلم ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد الوهم وأنه متى قوي استعمل فيه أنّ المشددة وأن المخففة منها ومتى ضعف استعمل معه إن المختصة بالمعدومين من الفعل نحو ظننت أن أخرج وأن يخرج فالظن إذا كان بالمعنى الأول محمود وإذا كان بالمعنى الثاني فمذموم
فمن الأول: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ}
ومن الثاني: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}وقوله {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}
فائدة
لا يجوز الاقتصار في باب ظن على أحد المفعولين إلا أن يكون بمنزلة أنهم قالوا قوله تعالى {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} قرأ الحرميان وابن كثير بالظاء وهو فعيل بمعنى مفعول والضمير هو المفعول الذي لم يسم فاعله وقرأه الباقون بالضاد وهو بمعنى فاعل وفيه ضمير هو فاعله والمعنى بخيل على الغيب فلا يمنعه كما تفعله الكهان والمعنى على القراءة الأولى ليس بمتهم على الغيب لأنه الصادق
وأما قوله {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} فإنها بمنزلتها في قولك نزلت بزيد
شعر
ومنه شعر بمعنى علم ومصدره شعرة بكسر الشين كالفطنة وقالوا ليت شعري فحذفوا التاء مع الإضافة للكثرة قال الفارسي وكأنه مأخوذ من الشعار وهو ما يلي الجسد فكأن شعرت به علمته علم حس فهو نوع من العلم ولهذا لم يوصف به الله
وقوله تعالى في صفة الكفار: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أبلغ في الذم للبعد عن الفهم من وصفهم بأنهم لا يعلمون فإن البهيمة قد تشعر بحيث كانت تحس فكأنهم وصفوا بنهاية الذهاب عن الفهم
وعلى هذا قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ} إلى قوله {وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} ولم يقل لا تعلمون لأن المؤمنين إذا أخبرهم الله تعالى بأنهم أحياء علموا أنهم أحياء فلا يجوز أن ينفي عنهم العلم ولكن يجوز أن يقال {لا تَشْعُرُونَ} لأنه ليس كل ما علموه يشعرون به كما أنه ليس كل ما علموه يحسونه بحواسهم فلما كانوا لا يعلمون بحواسهم حياتهم وأنهم علموها بإخبار الله وجب أن يقال {لا تَشْعُرُونَ} دون لا تعلمون
عسى ولعل
من الله تعالى واجبتان وإن كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين لأن الخلق هم الذين يعرض لهم الشكوك والظنون والبارئ منزه عن ذلك
والوجه في استعمال هذه الألفاظ أن الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكون فيها
ولا يقطعون على الكائن منها وكان الله يعلم الكائن منها على الصحة صارت لها نسبتان:
نسبة إلى الله تعالى تسمى نسبة قطع ويقين ونسبة إلى المخلوق وتسمى نسبة شك وظن فصارت هذه الألفاظ لذلك ترد تارة بلفظ القطع بحسب ما هي عليه عند الله كقوله {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}
وتارة بلفظ الشك بحسب ما هي عليه عند المخلوقين كقوله {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}
وقوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} وقد علم الله حين أرسلهما ما يفضى إليه حال فرعون لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع فكأنه قال انهضا إليه وقولا في نفوسكما لعله يتذكر أو يخشى
ولما كان القرآن قد نزل بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك والعرب قد تخرج الكلام المتيقن في صورة المشكوك لأغراض فتقول لا تتعرض لما يسخطني فلعلك إن تفعل ذلك ستندم وإنما مراده أنه يندم لا محالة ولكنه أخرجه مخرج الشك تحرير للمعنى ومبالغة فيه أي أن هذا الأمر لو كان مشكوكا فيه لم يجب أن تتعرض له فكيف وهو كائن لا شك فيه
وبنحو من هذا فسر الزجاج قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}
وأما قوله: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}،فاطلاعه إلى الإله مستحيل فبجهله اعتقد في المستحيل الإمكان لأنه يعتقد في الإله الجسمية والمكان
ونص ابن الدهان في لعل جواز استعماله في المستحيل محتجا بقوله لعل زمانا تولى يعود
وقال أيضا: كل ما وقع في القرآن من عسى فاعلها الله تعالى فهي واجبة وقال قوم إلا في موضعين قال تعالى {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} ولم يطلقهن ولم يبدل بهن
وقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} وهذه في بني النضير وقد سباهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلهم وأبادهم
وقال أيضا: وهذا عندي متأول لأن الأول تقديره إن طلقكن يبدله وما فعل فهذا شرط يقع فيه الجزاء ولم يفعله والثاني تقديره إن عدتم رحمكم وهم أصروا وعسى على بابها
قال: وعسى ماضي اللفظ والمعنى لأنه طمع وذلك حصل في شيء مستقبل
وقال: قوم ماضي اللفظ مستقبل في المعنى لأنه أخبر عن طمع يريد أن يقع
واعلم أن عسى تستعمل في القرآن على وجهين:
أحدهما: ترفع اسما صريحا ويؤتى بعده بخبر ويلزم كونه فعلا مضارعا نحو عسى زيد أن يقوم فلا يجوز قائما لأن اسم الفاعل لا يدل على الزمان الماضي قال الله تعالى {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} فيكون أن والفعل في موضع نصب بـ" عسى"
وقال الكوفيون في موضع رفع بدل
ورد بأنه لا يجوز تركه ويجوز تقديمه عليه
الثاني: أن يكون المرفوع بها أن والفعل وهو عسى أن يقوم زيد فلا يفتقر هنا إلى منصوب
ونظيره: {وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ}
ومنه قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} لا يجوز رفع ربك بـ "عسى" لئلا يلزم الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي وهو ربك لأن مقاما محمودا منصوب بـ" يبعثك"
وكذلك كقوله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} لأن الضميرين متصلان بـ" تكرهوا" و"تحبوا" فلا يكون في عسى ضمير
اتخذ
قال تعالى: {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} قال الفارسي: ولا أعلم تخذت يتعدى إلا إلى واحد
وقيل: أصل اتخذت تخذت فأما اتخذت فعلى ثلاثة أضرب:
أحدهما: ما يتعدى به إلى مفعول واحد كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}
{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ}
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً}
{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا}
{كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً}
والثاني: ما يتعدى لمفعولين والثاني منهما الأول في المعنى
وهما إما مذكوران كقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}
وقال: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً}
وإما مع حذف الأول،كقوله: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً} ،فمفعول اتخذوا الأول،الضمير المحذوف الراجع إلى الذين الثاني آلهة وقربانا على الحال.
قال الكواشي ولو نصب قربانا مفعولا ثانيا وآلهته بدلا منه فسد المعنى
وإما مع حذف الثاني،كقوله: {اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ}
{اتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ}
{اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً}، تقديره في الجميع اتخذوه آلهة لأن نفس اقتناء العجل لا يلحقه الوعيد الشديد فيتعين تقدير آلهة
الثالث: ما يجوز فيه الأمران كقوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}
فإن جوزنا زيادة من في الإيجاب كان من المتعدي لاثنين وإن منعنا كان لواحد
ونظيره جعلت قال {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} ،أي خلقهما
فإذا تعدى لمفعولين كان الثاني الأول في المعنى كقوله: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}
أخذ
تجيء بمعنى غصب ومنه من أخذ قيد شبر من أرض طوق من سبع أرضين
وبمعنى عاقب كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
{أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}
{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ}
{وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ}
{فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}
{لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ}
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا}
و{لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}
{ا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}
وتجيء للمقاربة،قالوا: أخذ يفعل كذا كما قالوا جعل يقول وكرب يقول وتجيء قبل القسم كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ}
وبمعنى اعمل كقوله تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} أي اعملوا بما أمرتم به وانتهوا عما نهيتهم عنه بجد واجتهاد
سأل
تتعدى لمفعوليين كأعطى ويجوز الاقتصار على أحدهما
ثم قد تتعدى بغير حرف كقوله تعالى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا} {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ}
وقد تتعدى بالحرف إما بالباء كقوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}
وإما بـ "عن" كقولك: سل عن زيد وكذا {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} والمتعدية لمفعولين ثلاثة أضرب:
أحدها: أن تكون بمنزلة أعطيت كقولك سألت زيدا بعد عمرو حقا أي استعطيته أو سألته أن يفعل ذلك
والثاني: بمنزلة: اخترت الرجال زيدا كقوله تعالى: {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} ،أي عن حميم لذهوله عنه
والثاني: أن يقع موقع الثاني منهما استفهام كقوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ}
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}
وأما قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} ، فالمعنىسأل: سائل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو المسلمين بعذاب واقع فذكر المفعول الأول وسؤالهم عن العذاب إنما هو استعجالهم له كاستبعادهم لوقوعه ولردهم ما يوعدون به منه
وعلى هذا: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ}
وأما قوله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} فيجوز أن تكون" من" فيه موضع المفعول الثاني وإن يكون المفعول الثاني محذوفا والصفة قائمة مقامه
وأما قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} فيحتمل أن عنها متعلقة بالسؤال كأنه يسألونك عنها كأنك حفي عنها فحذف الجار والمجرور فحسن ذلك لطول الكلام ويجوز أن يكون: {عَنْهَا} بمنزلة بها وتتصل بالحفاوة
وعد
فعل يتعدى لمفعوليين يجوز الاقتصار على أحدهما كأعطيته وليس كظننت،قال
تعالى: {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ} فـ "جانب" مفعول ثان ولا يكون ظرفا لاختصاصه أي وعدناكم إتيانه أو مكثا فيه
وقوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} فالغنيمة تكون الغنم
فإن قلت: الغنم حدث لا يؤخذ إنما يقع الأخذ على الأعيان دون المعاني
قلت: يجوز أن يكون سمى باسم المصدر كالخلق والمخلوق أو يقدر محذوف أي تمليك مغانم
فأما قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ}
فإن الفعل لم يتعد فيه إلى مفعول ثان ولكن قوله: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} ولهم: {مَغْفِرَةً} تفسير للوعد كما أن قوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} تبيين للوصية في قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ}
وأما قوله تعالى: {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً}{إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} ،فيحتمل انتصاب الواحد بالمصدر أو بأنه المفعول الثاني وسمى الموعود به الوعد كالمخلوق الخلق
وأما قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} و{إِحْدَى} في موضع نصب مفعول ثان و{أَنَّهَا لَكُمْ} بدل منه أي إتيان إحدى الطائفتين أو تمليكه والطائفتان العير والنصر
وأما قوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ} فمن قدر في أن الثانية البدل
فينبغي أن يقدر محذوفا ليتم الكلام فيصح البدل والتقدير أيعدكم إرادة أنكم إذا متم ليكون اسم الزمان خبرا عن الحدث ومن قدر في الثانية البدل لم يحتج إلى ذلك
وأما قوله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ}
فالجملة في موضع جر صفة للنكرة وقد عاد الضمير فيها إلى الموصوف والفعل متعد إلى واحد
وأما قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} فلا يجوز أن يكون ثلاثين ظرفا لأن الوعد ليس في كلها بل في بعضها فيكون مفعولا ثانيا
ود
قال أبو مسلم الأصبهاني بمعنى تمنى يستعمل معها لو وإن وربما جمع بينهما نحو ودوا لو أن فعل ومصدره الودادة والاسم منه وُدّ وقد يتداخلان في الاسم والمصدر
وقال الراغب إذا كان ود بمعنى أحب لا يجوز إدخال لو فيه أبدا
وقال علي بن عيسى، إذا كان بمعنى تمنى صلح للمضي والحال والاستقبال وإذا كان بمعنى المحبة لم يصلح للماضي لأن الإرادة هي استدعاء الفعل وإذا كان للماضي لم يجز "أن" وإذا كان للحال أو للاستقبال جاز "أن" و"لو" وفيما قاله نظرا لأن "أن" توصل بالماضي نحو سرني أن قمت
قلت فكان الأحسن الرد عليه بكلامه وهو انه جوز إذا كان بمعنى الحال دخول أن وهي للمستقبل فقد خرجت عن موضعها
أفعل التفضيل
فيه قواعد
الأولى إذا أضيف إلى جنسه لم يكن بعضه كقولك زيد أشجع الأسود وأجود السحب فيصير المعنى زيد أشجع من الأسود وأجود من السحب وعليه قوله تعالى { خير الرازقين } و{ أحكم الحاكمين } و{ أحسن الخالقين }
أي خير من كل من تسمى برازق واحكم من كل من تسمى بحاكم كذا قاله ابو القاسم السعدي
قال الشيخ أثير الدين الذي تقرر عن الشيوخ أن أفعل هذه لا تضاف إلا ويكون المضاف بعض المضاف إليه فلا يقال هذا الفرس اسبق الحمير لأنه ليس بعض الحمير وعلى هذا بنى البصريون منع زيد افضل إخوته واجازوا أفضل الإخوة إلا إذا أخرجت عن معناها فإنه قد يجوز ذلك عن بعضهم
الثانية إذا ذكر بعد أفعل جنسه وواحد من آحاد جنسه وجب إضافته إليه كقولك زيد أحسن الرجال واحسن رجل
وإذا ذكر بعد ما هو من متعلقاته وجب نصبه على التمييز نحو زيد احسن وجها واغزر علما
وقد أشكل على هذه القاعدة قوله تعالى: {أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} وقوله: {أَزْكَى طَعَاماً} فقد أضيف إلى غير جنسه وانتصب
وقد تأول العلماء هذا حتى رجعوا به إلى جعل أشد لغير الخشية فقال الزمخشري معنى: {يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ} أي مثل أهل خشية الله أو مثل قوم أشد خشية من أهل خشية الله
قال ابن الحاجب وعلى مثل هذا يحمل ما خالف هذه القاعدة
الثالثة: الأصل فيه الأفضلية على ما أضيف إليه وأشكل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} لأن معناه ما من آية من التسع إلا وهي أكبر من كل واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة
وأجاب الزمخشري بأن الغرض وصفهن بالكبر من غير تفاوت فيه وكذلك العادة في الأشياء التي تتفاوت في الفضل التفاوت اليسير أن تختلف آراء الناس في تفضيلها وربما اختلف آراء الواحد فيها كقول الحماسي:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
مثل النجوم التي يهدي بها الساري
وأجاب ابن الحاجب بأن المراد الأعلى أكبر من أختها عندهم وقت حصولها لأن لمشاهدة الآية في النفس أثر عظيما ليس للغائب عنها
الرابعة: قالوا: لا ينبني من العاهات: فلا يقال: ما أعور هذه الفرس وأما قوله تعالى:
{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى} ففيه وجهان:
أحدهما: أنه من عمى القلب الذي يتولد من الضلالة وهو ما يقبل الزيادة والنقص لا من عمى البصر الذي يحجب المرئيات عنه
وقد صرح ببيان هذا المعنى قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}
وعلى هذا فالأول اسم فاعل والثاني أفعل تفضيل من فقد البصيرة
والثاني: أنه من عمى العين والمعنى من كان في هذه أعمى من الكفار فإنه يحشر أعمى فلا يكون أفعل تفضيل
ومنهم من حمل الأول، على عمى القلب والثاني على فقد البصيرة وإليه ذهب أبو عمرو فأمال الأول وترك الإمالة في الثاني لما كان اسما والاسم أبعد من الإمالة
الخامسة: يكثر حذف المفضول إذا دل عليه دليل وكان أفعل خبرا كقوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}
{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا}
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}
{وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}
{إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}
{أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً}
{فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً}
وقد يحذف المفضول وأفعل ليس بخبر كقوله تعالى: {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}
السادسة: قد يجيء مجردا عن معنى التفضيل فيكون للتفضيل لا للأفضلية
ثم هو تارة يجيء مؤولا باسم الفاعل كقوله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ}
ومؤولا بصفة مشبهة كقوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}
فـ "أعلم" هاهنا بمعنى عالم بكم إذ لا مشارك لله تعالى في علمه بذلك وأهون عليه بمعنى هين إذ لا تفاوت في نسبة المقدورات إلى قدرته تعالى
وقوله تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ}
وقوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}
أو لفظا لا معنى،كقوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ}
و{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ}
وأما قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} فمعناه الضرر بعبادته أقرب من النفع بها
فإن قيل كيف قال: {أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} ولا نفع من قبله البتة؟
قيل لما كان في قوله: {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} تبعيد لنفعه والعرب تقول
لما لم يصح في اعتقادهم هذا بعيد جاز الإخبار بـ" بعد" نفع الوثن والشاهد له قوله تعالى حكاية عنهم
{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}
السابعة: أفعل في الكلام على ثلاثة أضرب:
مضاف كقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}
ومعرف باللام،نحو: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} و{لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ}
وخال منهما ويلزم اتصاله بـ" من" التي لابتداء الغاية جارة للمفضل عليه كقوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً}
وقد يستغنى بتقديرها عن ذكرها كقوله تعالى: {وَأَعَزُّ نَفَراً}
ويكثر ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا كقوله: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}
وحيث أضيف إنما يضاف إلى جمع معرف نحو أحكم الحاكمين ولا يجوز زيد أفضل رجل ولا أفضل رجال لأنه لا فائدة فيه لأن كل شخص لا بد أن يكوّن جماعة يفضلها وإنما الفائدة في أن تقول أفضل الرجال
فأما قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} فجوابه أنه غير مضاف إليه تقديرا بل المضاف إليه محذوف وقامت صفته مقامه وكأنه قال أسفل قوم سافلين ولا خلاف أنه يضاف إلى اسم الجمع معرفا ومنكرا نحو أفضل الناس والقوم وأفضل ناس أفضل قوم
فإن قيل لم أجازوا تنكير هذا ولم يجيزوا ذلك في الجمع؟
قلت: لأن أفضل القوم ليس من ألفاظ الجموع بل من الألفاظ المفردة فخففوه بترك الألف واللام الثانية إذا كان أفعل بالألف واللام أو مضافا جاز تثنيته وجمعه قال تعالى: {وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} و{بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}
وقال في المفرد {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}
وقال في الجمع: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} و{إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا}
وتقول في المؤنث هذه الفضلى قال تعالى: {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} {فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} وحكم فعلى حكم أفعل لا يستعمل بغير "من" إلا مضافا أو معرفا بأل وأما قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فقالوا إنه على تقدير من أي وأخر منها متشابهات
تنبيه
لفظ سواء
سواء: أصله بمعنى الاستواء وليس له اسم يجرى عليه يقال استوى استواء وساواه مساواة لا غير فإذا وقع صفة كان بمعنى مستو ولهذا تقول هما سواء هم سواء كما تقول هما عدل وهم عدل والسواء التام ومنه درهم سواء أي تام
ومنه قوله تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} أي مستويات ومن نصب فعلى
المصدر أي استوت استواء كذا قال سيبويه،وجوز غيره أن يكون حالا من النكرة
ويجيء السواء بمعنى الوسط كقوله تعالى: {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أي عدل وهو الحق
قال ابن أبي الربيع: وسواء لا يرفع الظاهر إلا إذا كان معطوفا على المضمر في سواء وهو مرفوع بسواء وهو مما جاز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه
النوع السابع والأربعون: في الكلام على المفردات والأدوات...
النوع السابع والأربعون: في الكلام على المفردات من الأدوات
والبحث عن معاني الحروف مما يحتاج إليه المفسر لاختلاف مدلولها
ولهذا توزع الكلام على حسب مواقعها وترجح استعمالها في بعض المحال على بعض بحسب مقتضى الحال
كما في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ، فاستعملت "على" في جانب الحق و"في" في جانب الباطل لأن صاحب الحق كأنه مستعل يرقب نظره كيف شاء ظاهرة له الأشياء وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام ولا يدري أين توجه
وكما في قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} فعطف هذه الجمل الثلاث بالفاء ثم لما انقطع نظام الترتيب عطف بالواو فقال تعالى: {وَلْيَتَلَطَّفْ} ،إذ لم يكن التلطف مترتبا على الإتيان بالطعام كما كان الإتيان منه مرتبا على التوجه في طلبه والتوجه في طلبه مترتبا على قطع الجدال في المسألة عن مدة اللبث بتسليم العلم له سبحانه
وكما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية فعدل عن اللام
إلى "في" في الأربعة الأخيرة إيذانا بأنهم أكثر استحقاقا للتصدق عليهم ممن سبق ذكره باللام لأن "في" للوعاء فنبه باستعمالها على أنهم أحقاء بأن يجعلوا مظنة لوضع الصدقات فيهم كما يوضع الشيء في وعائه مستقرا فيه وفي تكرير حرف الظرف داخلا على سبيل الله دليل على ترجيحه على الرقاب والغارمين
قال الفارسي: وإنما قال: {وَفِي الرِّقَابِ} يقل والرقاب ليدل على أن العبد لا يملك
وفيه نظر بل ما ذكرناه من الحكمة فيه أقرب
وكما في قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي}، فإنه يقال: أحسن بي وإلي وهي مختلفة المعاني وأليقها بيوسف عليه السلام "بي" لأنه إحسان درج فيه دون أن يقصد الغاية التي صار إليها
وكما في قوله تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}، ولم يقل "على" كما ظن بعضهم لأن "على" للاستعلاء والمصلوب لا يجعل على رؤوس النخل وإنما يصلب في وسطها فكانت في أحسن من على
وقال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ،ولم يقل في الأرض لأن عند الفناء ليس هناك حال القرار والتمكين
وقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} وقال: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً}، وما قال: على الأرض وذلك لما وصف العباد بين أنهم لم يوطنوا أنفسهم في الدنيا وإنما هم عليها مستوقرون ولما أرشده ونهاه عن فعل التبختر قال لا تمش فيها مرحا بل امش عليها هونا
وقال تعالى: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}
وقال: ابن عباس الحمد الله الذي قال: { عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} ،ولم يقل في صلاتهم
وقال: صاحب الكشاف في قوله تعالى: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} فلو سقطت من جاز كون الحجاب في الوسط وإن تباعدت وإذا أتيت بـ" من" أفادت أن الحجاب ابتداء من أول ما ينطلق عليه "من" وانتهى إلى غايته فكأن الحجاب قد ملأ ما بينك وبينه
وقال: كرر الجار في قوله: {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} ليكون أدل على شدة الختم في الموضعين حين استجد له تعدية أخرى
وهذا كثير لا يمكن إحصاؤه والمعين عليه معاني المفردات فلنذكر مهمات مطالبها على وجه الاختصار
الهمزة
أصلها الاستفهام وهو طلب الإفهام وتأتي لطلب التصور والتصديق بخلاف هل فإنها للتصور خاصة والهمزة أغلب دورانا ولذلك كانت أم الباب
واختصت بدخولها على الواو نحو: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا}
وعلى الفاء نحو: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى}
وعلى ثم نحو: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ}
و"هل" أظهر في الاختصاص بالفعل من الهمزة وأما قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}و: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ،فذلك لتأكيد الطلب للأوصاف الثلاثة، حيث إن الجملة الاسمية أدل على حصول المطلوب وثبوته وهو أدل على طلبه من فهل تشكرون وهل تسلمون لإفادة التجدد
واعلم أنه يعدل بالهمزة عن أصلها فيتجوز بها عن النفي والإيجاب والتقرير وغير ذلك المعاني السالفة في بحث الاستفهام مشروحة فانظره فيه
مسألة في دخول الهمزة على رأيت
وإذا دخلت على رأيت امتنع أن تكون من رؤية البصر أو القلب وصارت بمعنى أخبرني كقولك أرأيك زيدا ما صنع في المعنى تعدى بحرف وفي اللفظ تعدى بنفسه
ومنه قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا}
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى}
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}
مسألة في دخول الهمزة على "لم"
وإذا دخلت على لم أفادت معنيين:
أحدهما: التنبيه والتذكير نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}
والثاني: التعجب من الأمر العظيم كقولك: ألم تر إلى فلان يقول كذا ويعمل كذا على طريق التعجب منه وكيف كان فهي تحذير
أم
حرف عطف نائب عن تكرير الاسم والفعل نحو أزيد عندك أم عمرو؟
وقيل: إنما تشرك بين المتعاطفين كما تشرك بينها "أو"
وقيل: فيها معنى العطف وهي استفهام كالألف إلا أنها لا تكون في أول الكلام لأجل معنى العطف
وقيل هي "أو" أبدلت الميم من الواو ليحول إلى معنى يريد إلى معنى "أو"
وهي قسمان: متصلة ومنفصلة:
فالمتصلة: هي الواقعة في العطف والوارد بعدها وقبلها كلام واحد والمراد بها الاستفهام عن التعيين فلهذا يقدر بأي وشرطها أن تتقدمها همزة الاستفهام ويكون ما بعدها مفردا أو في تقديره
والمنفصلة: ما فقد فيها الشرطان أو أحدهما وتقدر بـ"بل" والهمزة
ثم اختلف النحاة في كيفية تقدير المنفصلة في ثلاث مذاهب حكاها الصفار:
أحدها: أنها تقدر بهما وهي بمعناهما فتفيد الإضراب عما قبلها على سبيل التحول والانتقال كـ" بل" والاستفهام عما بعدها ومن ثم لا يجوز أن تستفهم مبتدئا كلامك بـ" أم" ولا تكون إلا بعد كلام لإفادتها الإضراب كما تقدم
قال أبو الفتح: والفارق بينها وبين" بل" أن ما بعد "بل" منفي وما بعد أم مشكوك فيه
والثاني: أنها بمنزلة بل خاصة والاستفهام محذوف بعدها وليست مفيدة الاستفهام وهو قول الفراء في معاني القرآن
والثالث: أنها بمعنى الهمزة والإضراب مفهوم من أخذك في كلام آخر وترك الأول
قال الصفار: فأما الأول،فباطل لأن الحرف لا يعطي في حيز واحد أكثر من معنى واحد فيبقى الترجيح بين المذهبين وينبغي أن يرجح الأخير لأنه ثبت من كلامهم إنها لإبل أم شاء
ويلزم على القول الثاني حذف همزة الاستفهام في الكلام وهو من مواضع الضرورة قال والصحيح أنها لا تخلو عن الاستفهام وكذلك قال سيبويه انتهى
واعلم أن المتصلة يصير معها الاسمان بمنزلة "أي" ويكون ما ذكر خبرا عن "أي" فإذا قلت أزيد عندك؟أم عمرو؟فالمعنى أيهما عندك؟والظرف خبر لهما
ثم المتصلة تكون في عطف المفرد على مثله نحو أزيد عندك أم عمرو كقوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ،أي أي المعبودين خير وفي عطف الجملة على الجملة المتأولتين بالمفرد نحو: {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} ،أي الحال هذه أم هذه؟
والمنقطعة إنما تكون على عطف الجمل وهي في الخبر والاستفهام بمثابة بل والهمزة ومعناها في القرآن التوبيخ كما كان في الهمزة كقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} أي بل أتخذ؟لأن الذي قبلها خبر والمراد بها التوبيخ لمن قال ذلك وجرى على كلام العباد
وقوله: {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ} ثم قال: {أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ} تقديره بل أيقولون؟كذا جعلها سيبويه منقطعة لأنها بعد الخبر.
ثم وجه اعتراضا: كيف يستفهم الله عن قولهم هذا وأجيب بأنه جاء في كلام العرب يريد أن في كلامهم يكون المستفهم محققا للشيء لكن يورده بالنظر إلى المخاطب كقوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} وقد علم الله أنه لا يتذكر ولا يخشى لكنه أراد لعله يفعل ذلك في رجائكما
وقوله: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} تقديره بل أتخذ؟ بهمزة منقطعة للإنكار وقد تكون بمعنى بل من غير استفهام كقوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وما بعدها في سورة النمل
قال ابن طاهر: ولا يمتنع عندي إذا كانت بمعنى بل أن تكون عاطفة كقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} وقوله: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} وقال البغوي في قوله: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} بمعنى بل وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين
وقال الفراء وقوم من أهل المعاني: الوقف على قوله أم وحينئذ تم الكلام وفي الآية إضمار والأصل: {أَفَلا تُبْصِرُونَ} أم تبصرون ثم ابتدأ فقال: {أَنَا خَيْرٌ}
قلت: فعلى الأول تكون منقطعة وعلى الثاني متصلة
وفيها قول ثالث،قال أبو زيد: إنها زائدة وإن التقدير أفلا تبصرون أنا خير منه! والمشهور أنها منقطعة لأنه لا يسألهم عن استواء علمه في الأول والثاني لأنه إنما أدركه
الشك في تبصرهم بعد ما مضى كلامه على التقرير وهو مثبت وجواب السؤال بلى فلما أدركه الشك في تبصرهم قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ}
وسأل ابن طاهر شيخه أبا القاسم بن الرماك: لم لم يجعل سيبويه أم متصلة! أي أفلا تبصرون أم تبصرون؟أي أي هذين كان منكم؟فلم يحر جوابا،وغضب وبقى جمعة لا يقرر حتى استعطفه
والجواب من وجهين: أحدهما أنه ظن أنهم لا يبصرون فاستفهم عن ذلك ثم ظن أنهم يبصرون لأنه معنى وقوله: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ} ،فأضرب عن الأول واستفهم كذلك أزيد عندك أم لا؟
والثاني: أنه لو كان الإبصار وعدمه متعادلين لم يكن للبدء بالنفي معنى فلا يصح إلا أن تكون منقطعة
وقد تحتمل المتصلة والمنقطعة كما قال في قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ} قال الواحدي إن شئت جعلت قبله استفهاما رد عليه وهو قوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ} وإن شئت منقطعة عما قبلها مستأنفا بها الاستفهام فيكون استفهاما متوسطا في اللفظ مبتدأ في المعنى كقوله تعالى: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} الآية ثم قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} انتهى
والتحقيق ما قاله أبو البقاء إنها هاهنا منقطعة إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها وموقع أم أيهما والهمزة في قوله {أَلَمْ تَعْلَمْ} ليست من أم في شيء والتقدير بل أتريدون أن تسألوا فخرج بـ "أم" من كلام إلى آخر
وقد تكون بمعنى أو كما في قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ}
وقوله: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى}
ومعنى ألف الاستفهام عند أبي عبيد كقوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلوا رَسُولَكُمْ} أي تريدون؟
وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} وقوله: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ،أي أيحسدون؟
وقوله: {مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} أَي زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ؟
وقوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} أي أله!
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} أي أتسألهم أجرا؟
وقوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} قيل: أي أظننت هذا؟ومن عجائب ربك ما هو أعجب من قصة أصحاب الكهف!
وقيل: بمعنى ألف الاستفهام كأنه قال أحسبت؟وحسبت بمعنى الأمر كما تقول لمن تخاطبه: أعلمت أن زيدا خرج بمعنى الأمر أي اعلم أن زيد خرج فعلى هذا التدريج يكون معنى الآية اعلم يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم
وقال أبو البقاء في قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} تقديره بل أتخذ بهمزة مقطوعة على الإنكار ولو جعلناه همزة وصل لصار إثباتا تعالى الله عن ذلك ولو كانت أم المنقطعة بمعنى بل وحدها دون الهمزة وما بعد بل متحقق فيصير ذلك في الآية متحققا تعالى الله عن ذلك
مسألة في ضرورة تقدم الاستفهام على "أم"
أم لا بد أن يتقدمها استفهام أو ما في معناه والذي في معناه التسوية فإن الذي يستفهم استوى عنده الطرفان ولهذا يسأل وكذا المسئول استوى عنه الأمران
فإذا ثبت هذا فإن المعادلة تقع بين مفردين وبين جملتين والجملتان يكونان اسميتين وفعليتين ولا يجوز أن يعادل بين اسمية وفعلية إلا أن تكون الاسمية بمعنى الفعلية أو الفعلية بمعنى الاسمية كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} أي أم صمتم
وقوله: {أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ} لأنهم إذا قالوا له أنت خير كانوا عنده بصراء فكأنه قال أفلا تبصرون أم أنتم بصراء؟
قال الصفار: إذا كانت الجملتان موجبتين قدمت أيهما شئت وإن كانت إحداهما منفية أخرتها فقلت أقام زيد أم لم يقم ولا يجوز ألم يقم أم لا ولا سواء على ألم ثم أم قمت لأنهم يقولون سواء على أقمت أم لا يريدون أم لم تقم فيحذفون لدلالة الأول فلا يجوز هذا سواء علي أم قمت لأنه حذف من غير دليل فحملت سائر المواضع المنفية على هذا
قال: فإنه لا بد أن يتقدمها الاستفهام أو التسوية بخلاف أو فإنه يتقدمها كل كلام إلا التسوية فلا تقول سواء علي قمت أو قعدت لأن الواحد لا يكون سواء
مسألة
قال الصفار: ينبغي أن يعلم السؤال أو غير السؤال بـ "أم"
فإذا قلت: أزيد عندك أم عمرو فجواب هذا زيد أو عمرو وجواب أو نعم أولا ولو قلت في جواب الأول نعم أو لا كان محالا لأنك مدع أن أحدهما عنده
فإن قلت: وهل يجوز أن تقول زيد أو عمرو في جواب أقام زيد أو عمرو؟
قلت: يكون تطوعا بما لا يلزم ولا قياس يمنعه
وقال الزمخشري وابن الحاجب: وضع أم للعلم بأحد الأمرين بخلاف أو فأنت مع أم عالم بأن أحدهما عنده مستفهم عن التعيين ومع أو مستفهم عن واحد منهما على حسب ما كان في الخبر فإذا قلت أزيد عندك أو عمرو فمعناه هل واحد منهما عندك ومن ثم كان جوابه نعم أو لا مستقيما ولم يكن ذلك مستقيما في أم لأن السؤال عن التعيين
إذن
نوعان:
الأول: أن تدل على إنشاء السببية والشرط بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها نحو أزورك فتقول إذن أكرمك وهي في هذا الوجه عاملة تدخل على الجملة الفعلية فتنصب المضارع المستقبل إذا صدرت ولم تفصل ولم يكن الفعل حالا
والثاني: أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم أو منبهة على سبب حصل في الحال وهي في الحال غير عاملة لأن المؤكدات لا يعتمد عليها والعامل يعتمد عليه نحو إن تأتني إذن آتك والله إذن لأفعلن ألا ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط
وتدخل هذه على الاسمية نحو أزورك فتقول إن أنا أكرمك
ويجوز توسطها وتأخرها
ومن هذا قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} فهي مؤكدة للجواب وتربطه بما تقدم
وذكر بعض المتأخرين لها معنى ثالثا وهي أن تكون مركبة من إذ التي هي ظرف زمن ماض ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا لكن حذفت الجملة تخفيفا وأبدل التنوين منها كما في قولهم حينئذ
وليست هذه الناصبة المضارع لأن تلك تختص به وكذلك ما عملت فيه ولا يعمل إلا ما يختص وهذه لا تختص به بل تدخل على الماضي نحو: {وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً} {إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الأِنْفَاقِ} و: {إِذاً لأَذَقْنَاكَ}
وعلى الاسم،نحو إن كنت ظالما فإذن حكمك في ماض وقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} ورام بعض النحويين جعلها فيه بمعنى بعد
واعلم أن هذا المعنى لم يذكره النحاة لكنه قياس قولهم إنه قد تحذف الجملة المضاف إليها إذ ويعوض عنها التنوين كيومئذ ولم يذكروا حذف الجملة من إذا وتعويض التنوين عنها
وقال الشيخ أبو حيان: في التذكرة ذكر لي علم الدين البلقيني أن القاضي تقي الدين بن رزين كان يذهب إلى أن إذن عوض من الجملة المحذوفة وليس هذا بقول نحوي انتهى
وقال القاضي ابن الجويني: وأنا أظن أنه يجوز أن تقول لمن قال أنا آتيك إذن أكرمك بالرفع على معنى إذا أتيتني أكرمك فحذف أتيتني وعوض التنوين عن الجملة فسقطت الألف لالتقاء الساكنين
وقال: ولا يقدح في ذلك اتفاق النحاة على أن الفعل في مثل هذا المثال منصوب بـ "إذن" لأنهم يريدون بذلك ما إذا كانت حرفا ناصبا للفعل ولا ينفي ذلك رفع الفعل بعده إذا أريد به إذ الزمانية معوضا عن جملته التنوين كما أن منهم من يجزم ما بعدها نحو من يزرني أكرمه يريد بذلك الشرطية ولا يمنع مع ذلك الرفع بها إذا أريد الموصولة نحو من يزورني أكرمه
قيل: ولو لا قول النحاة إنه لا يعمل إلا ما يختص وإن إذن عاملة في المضارع لقيل إن إذن في الموضعين واحدة وإن معناها تقييد ما بعدها بزمن أو حال لأن
معنى قولهم: أنا أزورك فيقول السامع إذن أكرمك وهو بمعنى قوله أنا أكرمك زمن أو حال أو عند زيارتك لي
ثم عند سيبويه معناها الجواب فلا يجوز أن تقول إذن يقوم زيد ابتداء من غير أن تجيب به أحد
وأما قوله تعالى: {فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} فيحمل على أنه لجواب مقدر،وأنه أجاب بذلك قوله:
{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي بأنعمنا فأجاب: لم أفعل ذلك كفرا للنعمة كما زعمت بل فعلتها وأنا غير عارف بأن الوكزة تقضي بدليل قراءة بعضهم { وأنا من الجاهلين }
إذا
نوعان ظرف ومفاجأة
فالتي للمفاجأة نحو: خرجت فإذا السبع
وتجيء اسما وحرفا فإذا كانت اسما كانت ظرف مكان وإذا كانت حرفا كانت من حروف المعاني الدالة على المفاجأة كما أن الهمزة تدل على الاستفهام فإذا قلت خرجت فإذا زيد فلك أن تقدر إذا ظرف مكان ولك أن تقدرها حرفا فإن قدرتها حرفا كان الخبر محذوفا والتقدير موجود وإن قدرتها ظرفا كان الخبر وقد تقدم كما تقول عندي زيد فتخبر بظرف المكان عن الجثة والمعنى حيث خرجت فهناك زيد
ولا يجوز أن يكون في هذه الحالة ظرف زمان لامتناع وقوع الزمان خبرا عن الجثة وإذا امتنع أن تكون للزمان تعين أن تكون مكانا وقد اجتمعا في قوله تعالى: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} فإذا الأولى ظرفية والثانية مفاجأة
وتجيء ظرف زمان وحق زمانها أن يكون مستقبلا نحو {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}
وقد تستعمل للماضي من الزمان كـ "إذ" كما في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ} ،لأن قالوا ماض فيستحيل أن يكون زمانه مستقبلا
ومثله قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ}: {حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ
يُجَادِلُونَكَ} {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً} {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} ،لأن الانفضاض واقع في الماضي
وتجئ للحال كقوله تعالى: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}،: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} والتقدير والنجم هاويا والليل غاشيا والنهار متجليا فـ "إذا" ظرف زمان والعامل فيه استقرار محذوف في موضع نصب على الحال والعامل فيها اقسم المحذوف
وقد استشكل الزمخشري تقدير العامل في ذلك وأوضحه الشيخ أثير الدين فقال: إذا ظرف مستقبل ولا جائز أن يكون العامل فيه فعل القسم المحذوف لأن اقسم إنشائي فهو في الحال وإذا لما يستقبل فيأبى أن يعمل الحال في المستقبل لاختلاف زمان العامل والمعمول ولا جائز أن يكون ثم مضاف أقيم المقسم به مقامه أي وطلوع النجوم ومجيء الليل لأنه معمول لذلك الفعل فالطلوع حال ولا يعمل في المستقبل ضرورة أن زمان العامل زمان المعمول ولا جائز أن يعمل فيه نفس المقسم به لأنه ليس من قبيل ما يعمل ولا جائز أن يقدر محذوف قبل الظرف ويكون قد عمل فيه فيكون ذلك العامل في موضع الحال وتقديره والنجم كائنا إذا هوى والليل كائنا إذا يغشى لأنه يلزم كائنا ألا يكون منصوبا بعامل إذ لا يصح ألا يكون معمولا لشيء مما فرضناه أن يكون عاملا
وأيضا فيكون المقسم به جثة وظروف الزمان لا تكون أحوالا عن الجثث كما لا تكون أخبارا لهن
أما الوجه الأول فهو الذي ذكره أبو البقاء قال في قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} العامل في الظرف فعل القسم المحذوف تقديره اقسم بالنجم وقت هويه
وما ذكره الشيخ عليه من الإشكال فقد يجاب عنه بوجهين:
أحدهما: أن الزمانين لما اشتركا في الوقوع المحقق نزلا منزلة الزمان الواحد ولهذا يصح عطف أحدهما على الآخر كقوله تعالى: {إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ} ثم قال: {وَيَجْعَلَ}
وهو قريب من جواب الفارسي لما سأله أبو الفتح عن قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} مستشكلا إبدال إذ من اليوم فقال اليوم حال وظلمتم في الماضي فقال إن الدنيا والآخرة متصلتان وإنهما في حكم الله تعالى سواء فكأن اليوم ماض وكأن إذ مستقبله
والثاني: أنه على ظاهره ولا يلزم ما ذكر لأن الحال كما تأتي مقارنة تأتي مقدرة وهي أن تقدر المستقبل مقارنا فتكون أطلقت ما بالفعل على ما بالقوة مجازا وجعلت المستقبل حاضرا كقوله تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}
وأما الوجه الثاني فيمكن أن يقال يجوز تقديره وهو العامل ولا يلزم ما قال من اختلاف الزمانين لأنه يجوز الآن أن يقسم بطلوع النجم في المستقبل ويجوز أن يقسم بالشيء الذي سيوجد
وأما الوجه الأخير فهو الذي ذكره ابن الحاجب في شرح المفصل فقال إذا
ثبت إنها لمجرد الظرفية فليست متعلقة بفعل القسم لأنه يصير المعنى اقسم في هذا الوقت فهي إذن في موضع الحال من الليل انتهى
وقد وقع في محذور آخر وهو أن الليل عبارة عن الزمان المعروف فإذا جعلت إذا معمولة لفعل هو حال من الليل لزم وقوع الزمان في الزمان وهو محال وقوله يلزم ألا يكون له عامل
قلنا: بل له عامل وهو فعل القسم ولا يضر كونه إنشاء لما ذكرنا أنها حال مقدرة
وأما الشبهة الأخيرة فقد سألها أبو الفتح فقال كيف جاز لظرف الزمان هنا أن يكون حالا من الجثة وقد علم امتناع كونه صلة له وصفه وخبرا !
وأجاب بأنها جرت مجرى الوقت الذي يؤخر ويقدم وهي أيضا بعيدة لا تنالها أيدينا ولا يحيط علمنا بها في حال نصبها إحاطتنا بما يقرب منها فجرت لذلك مجرى المعدوم
فإن قيل: كيف جاز لظرف الزمان أن يكون حالا من النجم؟
وأجاب: بأن مثل هذا يجوز في الحال من حيث كان فضله انتهى
وقد يقال: ولئن سلمنا الامتناع في الحال أيضا فيكون على حذف مضاف أي وحضور الليل وتجعله حالا من الحضور لا من الجثة
والتحقيق وبه يرتفع الإشكال في هذه المسألة أن يدعي أن إذا كما تجرد عن الشرطية كذلك تجرد عن الظرفية فهي في هذه الآية الشريفة لمجرد الوقت من دون تعلق بالشيء تعلق الظرفية الصناعية وهي مجرورة المحل هاهنا لكونها بدلا عن الليل كما جرت بـ "حتى" في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} والتقدير اقسم بالليل وقت
غشيانه أي أقسم بوقت غشيان الليل وهذا واضح
فإن قلت: هل صار أحد إلى تجردها عن الظرفية والشرطية معا؟
قلت: نعم نص عليه في التسهيل فقال وقد تفارقها الظرفية مفعولا بها أو مجرورة بحتى أو مبتدأ
وعلم مما ذكرنا زيادة رابع وهو البدلية
فائدة
وتستعمل أيضا للاستمرار كقوله : {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا}
وقوله: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ}
فهذا فيما مضى لكن دخلت "إذا" لتدل على أن هذا شأنهم أبدا ومستمر فيما سيأتي كما في قوله:
وندمان يزيد الكأس طيبا
سقيت إذا تغورت النجوم
ثم فيه مسائل:
الأولى : المفاجأة عبارة عن موافقة الشيء في حال أنت فيها قال تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}، وقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}
قالوا ولا تقع بعد "إذا" المفاجأة إلا الجملة الاسمية وبعد "إذا" إلا الفعل الماضي
ومذهب المبرد وتبعه أكثر المتأخرين أن المفاجأة نقلها إلى المكان عن الزمان ومعنى الآية موافقة الثعبان لإلقاء موسى العصا في المكان وكذلك قولهم خرجت فإذا السبع أي فإذا موافقة السبع وعلى هذا لا يكون مضافا إلى الجملة بعدها
الثانية: الظرفية ضربان ظرف محض وظرف مضمن معنى الشرط
فالأول: نحو قولك راحة المؤمن إذا دخل الجنة
ومنه قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
ومنه إذا كنت علي راضية وإذا كنت علي غضبى لأنه لو كان فيها معنى الشرط لكان جوابها معنى ما تقدم ويصير التقدير الأول إذا يغشى أقسم فيفسد المعنى أو يصير القسم متعلقا على شرط لا مطلقا فيؤدي إلى أن يكون القسم غير حاصل الآن وإنما يحصل إذا وجد شرطه وليس المعنى عليه بل على حصول القسم الآن من غير تقييد وكذا حكم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}
ومما يتمحض للظرفية العارية من الشرط قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}، لأنه لو كان فيها معنى الشرط لوجبت الفاء في جوابها
والضرب الثاني: يقتضي شرطا وجوابا ولهذا تقع الفاء بعدها على حد وقوعها بعد إذ كقوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} وكذا كثر وقوع الفعل بعد ماضي اللفظ مستقبل المعنى نحو إذا جئتني أكرمتك
ومنه إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت
وتختص المضمنة معنى الشرط بالفعل،ومذهب سيبويه أنها لا تضاف إلا إلى جملة
فعلية ولهذا إذا وقع بعدها اسم قدر بينه وبينها فعل محافظة على أصلها فإن كان الاسم مرفوعا كان فاعل ذلك الفعل المقدر كقوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وإن كان منصوبا كان مفعولا والفاعل فيه أيضا ذلك المقدر كقوله
*إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته*
والتقدير إذا بلغت
ومنهم من منع اختصاصها بالفعل لجواز إذا زيد ضربته
وعلى هذا فالمرفوع بعدها مبتدأ وهو قول الكوفيين واختاره ابن مالك وعلى القولين فمحل الجملة بعدها الجر بالإضافة والفاعل فيها جوابها وقيل ليست مضافة والعامل فيها الفعل الذي يليها لا جوابها
تنبيه: مما يفرق فيه بين المفاجأة والمجازاة أن إذا التي للمفاجأة لا يبتدأ بها كقوله: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} والتي بمعنى المجازاة يبتدأ بها نص عليه سيبويه فقال في الأولى إذا جواب بمنزلة الفاء وإنما صارت جوابا بمنزلة الفاء لأنه لا يبدأ بها كما لا يبدأ بالفاء
قال: ابن النحاس ولكن قد عورض سيبويه بأن الفاء قد تدخل عليها فكيف تكون عوضا منها والجواب أنها إنما تدخل توكيدا وأما قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ} فيحتمل أنها متمحضة الظرفية لعدم الفاء في جوابها
مع ما ويحتمل أن يكون ما جواب قسم مقدر لا جواب الشرط فلذلك لم يجئ بالفاء
الثالثة: جوز ابن مالك أن تجيء لا ظرفا ولا شرطا وهي الداخلة عليها حتى الجارة كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أو الواقعة مفعولا كقوله عليه السلام إني لأعلم إذا كنت علي راضية وكما جاز تجردها عن الشرط جاز تجردها عن الظرف وتحصل أنها تارة ظرف لما يستقبل وفيها معنى الشرط نحو {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} وتارة ظرف مستقبل غير شرط نحو: {وَيَقُولُ الأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} وتارة ظرف غير مستقبل نحو: {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} وتارة لا ظرف ولا شرط وتارة لا تكون اسم زمان وهي المفاجأة
الرابعة: أصل إذا الظرفية لما يستقبل من الزمان كما أن إذ لما مضى منه ثم يتوسع فيها فتستعمل في الفعل المستمر في الأحوال كلها الحاضرة والماضية والمستقبلة فهي في ذلك شقيقة الفعل المستقبل الذي هو يفعل حيث يفعل به نحو ذلك قالوا إذا استعطي فلان أعطى وإذا استنصر نصر كما قالوا فلان يعطي الراغب وينصر المستغيث من غير قصد إلى تخصيص وقت دون وقت قال الزمخشري في كشافة القديم
الخامسة : تجاب الشرطية بثلاثة أشياء:
أحدها: الفعل نحو إذا جئتني أكرمتك
وثانيها : الفاء نحو إذا جئتني فأنا أكرمك
وثالثها: "إذا" المكانية قال تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ،وقوله: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ}
وما قبلها إما جوابها نحو إذا جئتني أكرمتك أو ما دل عليه جوابها كقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} والمعنى فإذا نفخ في الصور تقاطعوا ودل عليه قوله: {فَلا أَنْسَابَ}
وكذا قوله: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} وإنما احتيج لهذا التقدير لأن ما بعد ما النافية في مثل هذا الموضع لا يعمل فيه ما قبلها وأيضا فإن بشرى مصدر والمصدر لا يتقدم عليه ما كان في صلته
ومن ذلك قوله: {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} فالعامل في إذا الأولى ما دل عليه
{إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} والتقدير خرجتم ولا يجوز أن يعمل فيه تخرجون لامتناع أن يعمل ما بعد إذا المكانية فيما قبلها وحكمها في ذلك حكم الفاء
ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} فالعامل في إذا ما دل عليه قوله: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} والتقدير فإذا نقر في الناقور صعب الأمر
وقوله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ} فالعامل
في إذا ما دل عليه قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} من معنى بعثتم أو مبعوثون
فإن قيل: أيجوز نصب إذا بقوله جديد لأن المعنى عليه؟
قيل: لا يجوز لامتناع أن يعمل ما بعد إن فيما قبلها وهذا يسمى مجاوبة الإعراب والمعنى للشيء الواحد وكان أبو علي الفارسي يلم به كثيرا وذلك أنه يوجد في المنظوم والمنثور والمعنى يدعو إلى أمر والإعراب يمنع منه وقد سبق بيانه في نوع ما يتعلق بالإعراب
السادسة: إذا توافق إن في بعض الأحكام وتخالفها في بعض:
فأما الموافقة فهي أن كل واحد منهما يطلب شرطا وجزاء نحو إذا قمت قمت وإذا زرتني أكرمتك
وكل واحدة منهما تطلب الفعل فإن وقع الاسم بعد واحدة منهما قدر له فعل يرفعه يفسره الظاهر مثاله في إن قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} وقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} ومثاله في إذا قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وما بعدها في السورة من النظائر وكذا قوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} وما بعدها من النظائر و{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} وأما الأحكام التي تخالفها ففي مواضع:
الأول: إلا تدخل إلا على مشكوك نحو إن جئتني أكرمتك ولا يجوز إن طلعت الشمس آتيك لأن طلوع الشمس متيقن ثم إن كان المتيقن الوقوع مبهم الوقت جاز كقوله تعالى {أَفَإِنْ مِتَّ} ونظائره
وأما إذا فظاهر كلام النجاة يشعر بأنها لا تدخل إلا على المتيقن وما في معناه نحو إذا طلعت الشمس فأتني وقوله:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة
تروي عظامي بعد موتي عروقها
وقوله
*إذا طلعت شمس النهار فسلمي*
وذلك لكونها للزمن المعين بالإضافة على مذهب الأكثر ولم يجزموا بها في الاختيار لعدم إبهامها كالشروط ولذلك وردت شروط القرآن بها كقوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ونظائرها السابقة لكونها متحققة الوقوع
وأما قوله تعالى: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} فقد أشكل دخولها على غير الواقع
وأجيب بأن التبديل محتمل وجهين:
أحدهما: إعادتهم في الآخرة لأنهم أنكروا البعث
والثاني: إهلاكهم في الدنيا وتبديل أمثالهم فيكون كقوله: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} فإن كان المراد في الدنيا وجب أن يجعل هذا بمعنى إن الشرطية لأن هذا شيء لم يكن فهي مكان إن لأن الشرط يمكن أن يكون وألا يكون ألا ترى إلى ظهورها في قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ} وإنما أجاز لـ "إذا" أن تقع موقع إن لما بينهما من التداخل والتشابه
وقال: ابن الجويني الذي أظنه أنه يجوز دخولها على المتيقن والمشكوك لأنها ظرف وشرط فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك كـ "إن" وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقن كسائر الظروف
وإنما اشترط فيما تدخل عليه إن أن يكون مشكوكا فيه لأنها تفيد الحث على الفعل المشروط لاستحقاق الجزاء ويمتنع فيه لامتناع الجزاء وإنما يحث على فعل ما يجوز ألا يقع أما ما لابد من وقوعه فلا يحث عليه وإنما امتنع دخول إذا على المشكوك إذا لحظت فيها الظرفية لأن المعنى حينئذ التزام الجزاء في زمان وجود الشرط والتزام الشيء في زمان لا يعلم وجود شرط فيه ليس بالتزام ولما كان الفعل بعد إن مجزوما به يستعمل فيه ما ينبئ عن تحققه فيغلب لفظ الماضي كقوله: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} فجيء بـ "إذا" في جانب الحسنة وبـ "إن" في جانب السيئة لأن المراد بالحسنة جنس الحسنة ولهذا عرفت وحصول الحسنة المطلقة مقطوع به فاقتضت البلاغة التعبير بـ "إذا" وجيء بـ "إن" في جانب السيئة لأنها نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة كالمرض بالنسبة إلى الصحة والخوف بالنسبة إلى الأمن
ومنه قوله تعالى في سورة الروم: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} وقوله: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الأِنْسَانَ ضُرٌّ} بلفظ إذا مع الضر فقال السكاكي نظر في ذلك إلى لفظ المس وتنكير الضر المفيد للتعليل ليستقيم التوبيخ وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرر وللتنبيه على أن مس قدر يسير من الضر لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به
وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} بعد قوله: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي أعرض عن الشكر وذهب بنفسه وتكبر والذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير للمعرض المتكبر لا المطلق الإنسان ويكون لفظ إذا للتنبيه على أن مثل هذا المعرض المتكبر يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا
الثاني: من الأحكام المخالفة أن المشروط بـ "إن" إذا كان عدما لم يمتنع الجزاء في الحال حتى يتحقق اليأس من وجوده ولو كان العدم مشروطا بـ "إذا" وقع الجزاء في الحال مثل إن لم أطلقك فأنت طالق لم تطلق إلا في آخر العمر وإذا قال إذا لم أطلقك فأنت طالق تطلق في الحال لأن معناه أنت طالق في زمان عدم تطليقي لك فأي زمان تخلف عن التطليق يقع فيه الطلاق وقوله: إن لم أطلقك تعليق للطلاق على امتناع الطلاق ولا يتحقق ذلك إلا بموته غير مطلق
الثالث: أن إن تجزم الفعل المضارع إذا دخلت عليه وإذا لا تجزمه لأنها لا تتمحض شرطا بل فيها معنى التزام الجزاء في وقت الشرط من غير وجوب أن يكون معللا بالشرط
وقد جاء الجزم بها إذا أريد بها معنى إن وأعرض عما فيها من معنى الزمان كقوله
*وإذا تصبك خصاصة فتجمل*
الرابع: أن إذا هل تفيد التكرار والعموم
فيه قولان حكاهما ابن عصفور:
أحدهما: نعم فإذا قلت: إذا قام زيد قام عمرو أفادت أنه كلما قام زيد قام عمرو
والثاني: لا يلزم
قال: والصحيح أن المراد بها العموم كسائر أسماء الشرط وأما إن ففيها كلام عن ابن جني يأتي في باب إن
الخامس: أنك تقول: أقوم إذا قام زيد فيقتضي أن قيامك مرتبط بقيامه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه بل يعاقبه على الاتصال بخلاف أقوم إن قام زيد فيقتضي أن قيامك بعد قيامه وقد يكون عقبه وقد يتأخر عنه
فالحاصل أن التقييد بالاستقبال دون اقتضاء مباعدة بخلاف إذا ذكره أبو جعفر ابن الزبير في كتابه ملاك التأويل
السابعة: قيل: قد تأتي زائدة كقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} تقديره انشقت السماء كما قال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}،{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}
ورد هذا بأن الجواب مضمر
ويحوز مجيئها بمعنى إذ وجعل منه ابن مالك قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً}
ورد بفوات المعنى لأن إذا تفيد أن هذا حالهم المستمر بخلاف إذ فإنها لا تعطي ذلك
وقولهم: إذا فعلت كذا فيكون على ثلاثة أضرب:
أحدها: يكون المأمور به قبل الفعل تقول إذا أتيت الباب فالبس أحسن الثياب ومنه قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}
الثاني: أن يكون مع الفعل كقولك إذا قرأت فترسل
الثالث: أن يكون بعده كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا}
فائدة
من الأسئلة الحسنة في قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أنه يقال: لم أتى قبل أضاء بـ "كلما"؟
وقبل أظلم بـ "إذا" وما وجه المناسبة في ذلك؟
وفيه وجوه: الأول أن تكرار الإضاءة يستلزم تكرار الإظلام فكان تنويع الكلام أعذب
الثاني: أن مراتب الإضاءة مختلفة متنوعة فذكر كلما تنبيها على ظهور التعدد وقوته لوجوده بالصورة والنوعية والإظلام نوع واحد فلم يؤت بصيغة التكرار لضعف التعدد فيه بعد ظهوره بالنوعية وإن حصل بالصورة
الثالث: قاله الزمخشري وفيه تكلف أنهم لما اشتد حرصهم على الضوء المستفاد من النور كانوا كلما حدث لهم نور تجدد لهم باعث الضوء فيه لا يمنعهم من ذلك تقدم فقده واختفاؤه منهم وأما التوقف بالظلام فهو نوع واحد
وهذا قريب من الجواب الثاني لكنه بمادة أخرى ويفترقان بأن جواب الزمخشري يرجع التكرار فيه إلى جواب كلما لا إلى مشروطها الذي يليها ويباشرها فطلب تكراره وهو الأولى في مدلول التكرار والجواب المتقدم يرجع إلى تكرار مشروطها يتبعه الجواب من حيث هو ملزومه وتكرره فرع تكرر الأول
الرابع: أن إضاءة البرق منسوبة إليه وإظلامه ليس منسوبا إليه لأن إضاءته هي لمعانه والظلام أمر يحدث عن اختفائه فتظلم الأماكن كظلام الأجرام الكثائف فأتى بأداة التكرار عند الفعل المتكرر من البرق وبالأداة التي لا تقتضي التكرار عند الفعل الذي ليس متكررا منه ولا صادرا عنه
الخامس: ذكره ابن المنير أن المراد بإضاءة البرق الحياة وبالظلام الموت فالمنافق تمر حاله في حياته بصورة الإيمان لأنها دار مبنية على الظاهر فإذا صار إلى الموت رفعت له أعماله وتحقق مقامه فتستقيم كلما في الحياة وإذا في الممات وهكذا كقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي وأمتني إذا كانت الوفاة خيرا لي" فاستعمل مع الحياة لفظ التكرار والدوام واستعمل مع لفظ الوفاة لفظ الاختصار والتقييد
وقيل: إن ذلك لأحد معنيين إما لأن الحياة مأثورة لازدياد العمل الصالح الذي الهمم العالية معقودة به فعرض بالاستكثار منه والدوام عليه ونبه على أن الموت لا يتمنى ولكن إذا نزل وقته رضي به وأما لأن الحياة يتكرر زمانها وأما الموت مرة واحدة.
وجواب آخر أن الكلام في الأنوار هو الأصل المستمر وأما خفقان البرق في أثناء ذلك فعوارض تتصل بالحدوث والتكرار فناسب الإتيان فيها بكلما وفي تلك بـ "إذا" والله أعلم
إذ
ظرف لماضي الزمان يضاف للجملتين كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} وتقول أيدك الله إذ فعلت؟ وأما قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} فـ "ترى" مستقبل وإذ ظرف للماضي وإنما كان كذلك لأن الشيء كائن وإن لم يكن بعد وذلك عند الله قد كان لأن علمه به سابق وقضاءه به نافذ فهو كائن لا محالة
وقيل: المعنى ولو ترى ندمهم وخزيهم في ذلك اليوم بعد وقوفهم على النار فـ "إذ" ظرف ماضي لكن بالإضافة إلى ندمهم الواقع بعد المعاينة فقد صار وقت التوقف ماضيا بالإضافة إلى ما بعده والذي بعده هو مفعول ترى
وأجاز بعضهم مجيئها مفعولا به كقوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ومنعه آخرون وجعلوا المفعول محذوفا وإذ ظرف عامله ذلك المحذوف والتقدير: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} إذاً واذكروا حالكم
ونحوه قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى} قيل: قال: له ذلك لما رفعه إليه
وتكون بمعنى حين كقوله: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي حين تفيضون فيه
وحرف تعليل نحو {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ}
وقيل: تأتي ظرفا لما يستقبل بمعنى إذا وخرج عليه بعض ما سبق.
وكذا قوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} وأنكره السهيلي لأن إذا لا يجيء بعدها المضارع مع النفي
وقد تجيء بعد القسم كقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} لانعدام معنى الشرطية فيه
وقيل تجيء زائدة نحو: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} وقيل هي فيه بمعنى قد
وقد تجيء بمعنى أن حكاه السهيلي في الروض عن نص سيبويه في كتابه قال ويشهد له قوله تعالى: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
وعليه يحمل قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} قال وغفل الفارسي عما في الكتاب من هذا وجعل الفعل المستقبل الذي بعد لن عاملا في الظرف الماضي فصار بمنزلة من يقول سآتيك اليوم أمس
قال: وليت شعري ما تقول في قوله تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} فإن جوز وقوع الفعل في الظرف الماضي على أصله فكيف يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لاسيما مع السين وهو قبيح أن تقول غدا سآتيك فكيف إن قلت غدا فسآتيك فكيف إن زدت على هذا وقلت أمس فسآتيك وإذا على أصله بمعنى أمس
تنبيه في وقوع إذ بعد واذكر
حيث وقعت إذ بعد واذكر فالمراد به الأمر بالنظر إلى ما اشتمل عليه ذلك الزمان لغرابة ما وقع فيه فهو جدير بأن ينظر فيه وقد أشار إلى هذا الزمخشري في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ}
وقوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً ِذْ قَالَ لأَبِيهِ} ونظائره
أو
تقع في الخبر والطلب فأما في الخبر فلها فيه معان
الأول: الشك نحو قام زيد أو عمرو
الثاني: الإبهام وهو إخفاء الأمر على السامع مع العلم به كقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً}
وقوله: {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً} ،يريد إذا أخذت الأرض زخرفها وأخذ أهلها الأمن أتاها أمرنا وهم لا يعلمون أي فجأة فهذا إبهام لأن الشك محال على الله تعالى
وقوله: {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}
فإن قلت: يزيدون فعل ولا يصح عطفه على المجرور بـ "إلى" فإن حرف الجر لا يصح تقديره على الفعل ولذلك لا يجوز مررت بقائم ويقعد على تأويل قائم وقاعد
قلت: يزيدون خبر مبتدأ محذوف في محل رفع والتقدير أوهم يزيدون قاله ابن جني في المحتسب
وجاز عطف الاسمية على الفعلية بـ "أو" لاشتراكهما في مطلق الجملة
فإن قلت: فكيف تكون أو هنا لأحد الشيئين والزيادة لا تنفك عن المزيد عليه؟
قلت: الأمر كذلك ولهذا قدروا في المبتدأ ضمير المائة ألف والتقدير وأرسلناك إلى مائة ألف معها زيادة ويحتمل أن تكون على بابها للشك وهو بالنسبة إلى المخاطب أي لو رأيتموهم لعلمتم أنهم مائة ألف أو يزيدون
الثالث: التنويع كقوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} أي أن قلوبهم تارة تزداد قسوة وتارة ترد إلى قسوتها الأولى فجيء بـ "أو" لاختلاف أحوال قلوبهم
الرابع: التفصيل كقوله: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} ،أي قالت اليهود: لا يدخل الجنة إلا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا الذين هم نصارى وكذلك قوله: {كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى}
الخامس: للإضراب كـ "بل" كقوله: {كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} و{مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} على حد قوله: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}
السادس: بمعنى الواو كقوله: {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً}
{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}
{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}
وأما في الطلب فلها معان:
الأول: الإباحة نحو تعلم فقها أو نحوا كقوله تعالى {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} الآية وكذلك قوله: {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} يعني إن شبهت قلوبهم بالحجارة فصواب أو بما هو أشد فصواب
وقوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} {أَوْ كَصَيِّبٍ}
والمعنى أن التمثيل مباح في المنافقين إن شبهتموهم بأي النوعين
قوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} إباحة لإيقاع أحد الأمرين
الثاني: التخيير نحو خذ هذا الثوب أو ذاك ومنه قوله تعالى: { فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ} الآية فتقديره فافعل كأنه خير على تقدير الاستطاعة أن يختار أحد الأمرين لأن الجمع بينهما غير ممكن
والفرق بينهما أن التخيير فيما أصله المنع ثم يرد الأمر بأحدهما لا على التعيين ويمتنع الجمع بينهما وأما الإباحة فأن يكون كل منهما مباحا ويطلب الإتيان بأحدهما ولا يمتنع من الجمع بينهما وإنما يذكر بـ "أو" لئلا يوهم بأن الجمع بينهما هو الواجب لو ذكرت الواو ولهذا مثل النحاة الإباحة بقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} وقوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} لأن المراد به الأمر بأحدهما رفقا بالمكلف فلو أتى بالجمع لم يمنع منه بل يكون أفضل
وأما تمثيل الأصوليين بآيتي الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع فقد أجاب عنه صاحب البسيط بأنه إنما يمتنع الجمع بينهما في المحظور لأن أحدهما ينصرف إليه الأمر والآخر يبقى محظورا لا يجوز له فعله ولا يمتنع في خصال الكفارة لأنه يأتي بما عدا الواجب تبرعا ولا يمنع من التبرع
واعلم أنه إذا ورد النهي عن الإباحة جاز صرفه إلى مجموعهما وهو ما كان يجوز فعله أو إلى أحدهما وهو ما تقتضيه أو
وأما قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} فليس المراد منه النهي عن إطاعة أحدهما دون الآخر بل النهي عن طاعتهما مفردين أو مجتمعين وإنما ذكرت أو لئلا يتوهم أن النهي عن طاعة من اجتمع فيه الوصفان
وقال ابن الحاجب: استشكل قوم وقوع أو في النهي في هذه الآية فإنه لو انتهى عن أحدهما لم يتمثل ولا يعد يمتثل إلا بالانتهاء عنهما جميعا
فقيل: إنها بمعنى الواو والأولى أنها على بابها وإنما جاء التعيين فيها من القرينة لأن المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفورا أي واحدا منهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا في المعنى فيصير المعنى ولا تطع واحدا منهما فيجيء التعميم فيهما من جهة النهي الداخل وهي على بابها فيما ذكرناه لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر قال فهذا معنى دقيق يعلم منه أن أو في الآية على بابها وأن التعميم لم يجئ منها وإنما جاء من جهة المضموم إليها انتهى
ومن هذا وإن كان خبرا قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} لأن الميراث لا يكون إلا بعد إنفاذ الوصية والدين وجد أحدهما أو وجدا معا
وقال أبو البقاء في اللباب: إن اتصلت بالنهي وجب اجتناب الأمرين عند النحويين كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ولو جمع بينهما لفعل المنهي عنه مرتين لأن كل واحد منهما أحدهما
وقال: في موضع آخر مذهب سيبويه أن أو في النهي نقيضية أو في الإباحة
فقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين إذن في مجالستهما ومجالسة من شاء منهما فضده في النهي لا تطع منهم آثما أو كفورا أي لا تطع هذا ولا هذا والمعنى لا تطع أحدهما ومن أطاع منهما كان أحدهما فمن ها هنا كان نهيا عن كل واحد منهما ولو جاء بالواو في الموضعين أو أحدهما لأوهم الجمع
وقيل: أو بمعنى الواو لأنه لو انتهى عن أحدهما لم يعد ممتثلا بالانتهاء عنهما جميعا
قال الخطيبي: والأولى أنها على بابها وإنما جاء التعميم فيها من النهي الذي فيه معنى النفي والنكرة في سياق النفي تعم لأن المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفورا أي واحدا منهما فالتعميم فيهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا فالمعنى لا تطع واحدا منهما فسمى التعميم فيهما من جهة النهي وهي على بابها فيما ذكرناه لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات فإنه قد ينتهي عن أحدهما دون الآخر
تنبيهان
الأول: روى البيهقي في سننه في باب الفدية بغير النعم عن ابن جريج قال كل شيء في القرآن فيه أو للتخيير إلا قوله تعالى: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} ليس بمخير فيهما
قال الشافعي: وبهذا أقول
والثاني: من أجل أن مبناها على عدم التشريك أعاد الضمير إلى مفرديها بالإفراد
بخلاف الواو وأما قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فقد قيل: إن أو بمعنى الواو ولهذا قال: {بِهِمَا} ولو كانت لأحد الشيئين لقيل به وقيل على بابها ومعنى{ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً}إن يكن الخصمان غنيين أو فقيرين أو منهما أي الخصمين على أي حال كان لأن ذلك ذكر عقيب قوله: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} يشير للحاكم والشاهد وذلك يتعلق باثنين
وقيل: الأولوية المحكوم بها ثابتة للمفردين معا نحو جاءني زيد أو عمرو ورأيتهما فالضمير راجع إلى الغني والفقير المعلومين من وجوه الكلام فصار كأنه قيل فالله أولى بالغني والفقير
ويستعمل ذلك المذكور وغيره ولو قيل فالله أولى به لم يشمله ولأنه لما لم يخرج المخلوقون عن الغنى والفقر صار المعنى افعلوا ذلك لأن الله أولى ممن خلق ولو قيل أولى به لعاد إليه من حيث الشهادة فقط
إن المكسورة الخفية
ترد لمعان
الأول: الشرطية وهو الكثير نحو: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ}
ثم الأصل في عدم جزم المتكلم بوقوع الشرط كقوله: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وعيسى جازم بعدم وقوع قوله
وقد تدخل على المتيقن وجوده إذا أبهم زمانه كقوله: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}
وقد تدخل على المستحيل نحو: {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ}
ومن أحكامها أنها للاستقبال وأنها تخلص الفعل له وإن كان ماضيا كقولك إن أكرمتني أكرمتك ومعناه إن تكرمني وأما قولهم إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس وقوله: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} ،فقيل: معنى أكرمتني اليوم يكون سبب للإخبار بذلك
وإن ثبت كان قميصه قد من قبل يكون سببا للإخبار بذلك
قاله ابن الحاجب وهي عكس لو فإنها للماضي وإن دخلت على المضارع
مسألة
إن دخلت "إن" على لم يكن الجزم بـ"لم" لا بها كقوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا}
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} وإن دخلت على لا كان الجزم بها لا بـ"لا" كقوله تعالى: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي}
والفرق بينهما أن لم عامل يلزم معموله ولا يفرق بينهما بشيء وإن يجوز أن يفرق بينهما وبين معمولها معمول معمولها نحو إن زيدا يضرب أضربه
وتدخل أيضا على الماضي فلا تعمل في لفظه ولا تفارق العمل وأما لا فليست عاملة في الفعل فأضيف العمل إلى إن
الثاني: بمنزلة لا وتدخل على الجملة الاسمية كقوله في الأنعام: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} ،بدليل ما في الجاثية: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}
وقوله: {إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ}
{إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ}
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}
{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ}
{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}
{إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}
{إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا}
وعلى الجملة الفعلية نحو: {إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى}
{إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً}
{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً}
{وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً}
{إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً}
{بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
وزعم بعضهم أن شرط النافية مجيء إلا في خبرها كهذه الآيات أو لما التي بمعناها كقراءة بعضهم: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} بتشديد الميم أي ما كان نفس إلا عليها حافظ
{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}
{وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
ورد بقوله: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ}
{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ}
{إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}
{بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
وأما قوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} فالتقدير وإن أحد من أهل الكتاب
وأما قوله: {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} فالأولى شرطية والثانية نافية جواب للقسم الذي أذنت به اللام الداخلة على الأولى وجواب الشرط محذوف وجوبا
واختلف في قوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} فقال الزمخشري وابن الشجري إن نافية أي فيما ما مكناكم فيه إلا أن إن أحسن في اللفظ لما في مجامعة مثلها من التكرار المستبشع ومثله يتجنب قالا ويدل على النفي قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} وحكى الزمخشري أنها زائدة قال والأول أفخم
وقال ابن عطية ما بمعنى الذي وإن نافية وقعت مكان ما فيختلف اللفظ ولا تتصل ما بـ "ما" والمعنى لقد أعطيناهم من القوة والغنى ما لم نعطكم ونالهم بسبب كفرهم هذا العقاب فأنتم أحرى بذلك إذا كفرتم
وقيل إن شرطية والجواب محذوف أي الذي إن مكناكم فيه طغيتم
وقال وهذا مطرح في التأويل
وعن قطرب أنها بمعنى قد حكاه ابن الشجري
ويحتمل النكرة الموصوفة
واعلم أن بعضهم أنكر مجيء النافية وقال في الآيات السابقة إن ما محذوفة والتقدير ما إن الكافرون إلا في غرور ما إن تدعون ما إن أدري ونظائرها كما قال الشاعر:
وما إن طبنا جبن ولكن
منايانا ودولة آخرينا
فحذفت ما اختصارا كما حذف لا في {تَاللَّهِ تَفْتَأُ}
الثالث: مخففة من الثقيلة فتعمل في اسمها وخبرها ويلزم خبرها اللام كقوله تعالى: {وَإِنَّ كُلاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ}
ويكثر إهمالها،نحو: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، في قراءة من خفف لما أي أنه كل نفس لعليها حافظ
الرابع: للتعليل بمعنى إذ عند الكوفيين كقوله: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} قال بعضهم لم يخبرهم بعلوهم إلا بعد إن كانوا مؤمنين
وقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
قالبعضهم: لو كانت للخبر لكان الخطاب لغير المؤمنين
وكذا: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} ونحوه مما الفعل في محقق الوقوع والبصريون يمنعون ذلك وهو التحقيق كالمعنى مع "إذا"
وأجابوا عن دخولها في هذه المواطن لنكته وهي أنه من باب خطاب التهييج نحو إن كنت ولدي فأطعمني
وأما قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} فالاستثناء مع تحقق الدخول تأدبا بأدب الله في المشيئة والاستثناء من الداخلين لا من الرؤيا لأنه كان بين الرؤيا وتصديقها سنة ومات بينهما خلق كثير فكأنه قال كلكم إن شاء الله
الخامس: بمعنى "لقد" في قوله: {إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} أي لقد كنا
{إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً}
و{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}
فائدة
ادعى ابن جني في كتاب القد أن إن الشرطية تفيد معنى التكثير لما كان في هذا الشياع والعموم لأنه شائع في كل مره ويدل لذلك دخولها على أحد التي لا يستعمل إلا في النفي العام كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} لأنه ليس في واحد يقتصر عليه فلذلك أدخل عليه أحد الذي لا يستعمل في الإيجاب
قال: يجوز أن تكون أحد هنا ليست التي للعموم بل بمنزلة أحد من
أحد وعشرين ونحوه إلا أنه دخله معنى العموم لأجل إن كما في قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ} {إِنِ امْرُؤٌ}
تنبيه
قيل: قد وقع في القرآن الكريم إن بصيغة الشرط وهو غير مراد في مواضع:
{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}
وقوله: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}،
وقوله: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ}
وقوله: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ}
وقد يقال أما الأولى فيمتنع النهي عن إرادة التحصن فإنهن إذا لم يردن التحصن يردن البغاء والإكراه على المراد ممتنع:
وقيل: إنها بمعنى إذا لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن التحصن أو هو شرط مقحم لأن ذكر الإكراه يدل عليه لأنهن لا يكرهنهن إلا عند إرادة التحصين وفائدة إيجابه المبالغة في النهي عن الإكراه فالمعنى إن أردن العفة فالمولى أحق بإرادة ذلك.
وأما الرابعة فهو يشعر بالإتمام ولا نسلم أن الأصل الإتمام وقد قالت عائشة رضي الله عنها فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيدت صلاة الحضر وأما البواقي فظاهر الشرط ممتنع فيه بدليل التعجب المذكور لكنه لا يمنع مخالفة الظاهر لعارض
أن المفتوحة الهمزة الساكنة النون
ترد لمعان:
الأول: حرفا مصدريا ناصبا للفعل المضارع وتقع معه في موقع المبتدأ والفاعل والمفعول والمضاف إليه
فالمبتدأ يكون في موضع رفع،نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}
{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ}
{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}
والفاعل كقوله تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا}
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا}
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا} في قراءة من نصب جواب
وتقع معه موقع المفعول به فيكون في موضع نصب نحو: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى}
{يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}
{وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ}
وقوله: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ}
{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ} ،معناه بأن أنذر فلما حذفت الباء تعدى الفعل فنصب
ومنه في أحد القولين: {إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} نصب على البدل من قوله: {مَا أَمَرْتَنِي بِهِ}
والمضاف إليه فيكون في موضع جر كقوله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ}،{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} أي من قبل إتيانك
وإنما لم ينصب في قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا} وإن كان المعنى لوحينا لأن الفعل بعدها لم يكن مستحقا للإعراب ولا يستعمل إلا أن تعمل فيه العوامل
وقد يعرض لـ "أن" هذه حذف حرف الجر كقوله تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا}
أي بأن يقولوا كما قدرت في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ} أي بأن لهم ومذهب سيبويه أنها في موضع نصب ونفاها الخليل على أصل الجر
وتقع بعد عسى فتكون مع صلتها في تأويل مصدر منصوب إن كانت ناقصة نحو عسى زيد أن يقوم
ومثله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}
وتكون في تأويل مصدر مرفوع إن كانت تامة كقولك عسى أن ينطلق زيد ومثله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً}
الثاني: مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين وما في معناه ويكون اسمها ضمير الشأن وتقع بعدها الجملة خبرا عنها نحو: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً}
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}
{وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ}
{وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ}
{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا}
{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وجعل ابن الشجري منه: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} ،أي أنه يا إبراهيم
الثالث: مفسرة بمنزلة أي التي لتفسير ما قبلها بثلاثة شروط تمام ما قبلها من الجملة وعدم تعلقها بما بعدها وأن يكون الفعل الذي تفسره في معنى القول كقوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ}
قال ابن الشجري: تكون هذه في الأمر خاصة وإنما شرط مجيئها بعد كلام تام لأنها تفسير ولا موضع لها من الإعراب لأنها حرف يعبر به عن المعنى
وخرج بالأول: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأن الكلام لم يتم فإن ما قبلها مبتدأ وهي في موضع الخبر ولا يمكن أن تكون ناصبة لوقوع الاسم بعدها بمقتضى أنها المخففة من الثقيلة
وأما قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} فقيل إنها مفسرة لأن الانطلاق متضمن لمعنى القول
وقال: الخليل يريدون أنهم انطلقوا في الكلام بهذا وهو امشوا أي اكثروا يقال أمشى الرجل ومشى إذا كثرت ماشيته فهو لا يريد انطلقوا بالمشي الذي هو انتقال إنما يريد قالوا هذا
وقيل: عبارة عن الأخذ في القول فيكون بمنزلة صريحة وأن مفسرة وقيل مصدرية
فإن قيل: قد جاءت بعد صريح القول كقوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}
قلنا لا دلالة فيه لاحتمال أنها مصدرية
وقال الصفار: لا تتصور المصدرية هنا بمعنى إلا عبادة الله لأن القول لا يقع بعده المفرد إلا أن يكون هو المقول بنفسه أو يكون في معنى المقول نحو قلت خبرا وشعرا لأنهما في معنى الكلام أو يقول قلت زيدا أي هذا اللفظ وهذا لا يمكن في الآية لأنهم لم يقولوا هذه العبارة فثبت أنها تفسيرية أي اعبدوا الله
وقال السيرافي: ليست أن تفسيرا للقول بل للقول بل للأمر لأن فيه معنى القول فلو كان ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله لم يجز لذكر القول
الرابع: زائدة وتكون بعد لما التوقيتية كقوله تعالى في سورة العنكبوت ولما أن جاءت رسلنا لوطا
بدليل قوله: في سورة هود: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} فجاء فيها على الأصل
وأما قوله: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} فجيء بـ "إن" ولم يأت على الأصل من الحذف لأنه لما كان مجيء البشير إلى يعقوب عليه السلام بعد طول الحزن وتباعد المدة ناسب ذلك زيادة أن لما في مقتضى وصفها من التراخي
وذهب الأخفش إلى أنها قد تنصب الفعل وهي مزيدة كقوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا} وأن في الآيتين زائدة بدليل: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ}
الخامس : شرطية في قول الكوفيين كقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ}
قالوا: ولذلك دخلت الفاء
السادس: نافية بمعنى لا في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ} أي لا يؤتى أحد والصحيح أنها مصدرية
وزعم المبرد أن يؤتى متصل بقوله: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} واللام زائدة
وقيل: أن يؤتى في موضع رفع أي إن الهدى أن يؤتى
السابع: التعليل بمنزلة لئلا كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}
وقال البصريون: على حذف مضاف أي كراهة أن تضلوا
وكذا قوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}
وقوله: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى}
الثامن : بمعنى إذ مع الماضي كقوله: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ}
وقيل بل المعنى لأن جاءهم أي من أجله
قيل ومع المضارع كقوله: {أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} أي إذا آمنتم والصحيح أنها مصدرية
وأجاز الزمخشري أن تقع أن مثل ما في نيابتها عن ظرف الزمان وجعل منه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} وقوله: {إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} ورد بأن استعمالها للتعليل مجمع عليه وهو لائق في هاتين الآيتين والتقدير لأن آتاه ولئلا يصدقوا
إن المكسورة المشددة
لها ثلاثة أوجه:
أحدها للتأكيد نحو: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}
وللتعليل،أثبته ابن جني من النحاة وكذا أهل البيان وسبق بيانه في نوع التعليل من قسم التأكيد
وبمعنى "نعم" في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فيمن شدد النون
قال أبو إسحا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق