المؤلف : أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي النحاس
وعبدالصمد بن عبدالوارث قالا حدثنا شعبة عن مسعود بن علي قال
كان علي بن أبي طالب يتوضا لكل صلاة ويتلو يا ايها الذين امنو اذا قمتم
الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم المائدة 6 الآية
ومن العلماء من يقول ينبغي لكل من قام إلى الصلاة أن يتوضأ لها طلبا للفضل
وحمل الآية على الندب ومنهم من قال الآية مخصوصة لمن قام من النوم
والقول السابع أن الآية يراد بها من لم يكن على طهارة
فهذه سبعة أقوال فأما القول الأول أنها ناسخة لقول الله عز و جل لا تقربوا
الصلاة وانتم سكارى فقد ذكرناه بإسناده في سورة النساء ولا يبين في هذا
نسخ بكون التقدير إذا قمتم إلى الصلاة غير سكارى
والقول الثاني يحتج من قال له بحديث عبد الله بن علقمة بن
الفعواء عن أبيه كان النبي صلى الله علية وسلم إذا بال لم يكلم
أحدا حتى يتوضأ للصلاة حتى نزلت آية الرخصة يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم
إلى الصلاة
وقرىء على أحمد بن شعيب عن محمد بن بشار عن ابن معاذ قال حدثنا سعيد عن
قتادة عن الحسن عن حصين بن المنذر أبي ساسان عن الهاجر بن قنفذ أنه سلم
على النبي وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضا فلما توضأ رد عليه
وهذا أيضا لايبين فيه نسخ لأنه مباح فعله
ومن قال الآية منسوخة بفعل النبي صلى الله عليه و سلم فاحتج بما حدثناه
عبدالله بن محمد بن جعفر قال حدثنا أحمد بن منصور قاله حدثنا عبدالرزاق
قال حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول
الله كان يتوضأ وضوءه لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد
ومسح على خفيه فقال عمر رضي الله عنه لقد فعلت شيئا ما كنت تفعله فقال
عمدا فعلته
ومن منع أن ينسخ القرآن بالسنة قال هذا تبيين وليس بنسخ ومن قال على كل
قائم إلى الصلاة أن يتوضأ لها احتج بظاهر الآية وبما روى عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه
ومن قال هي على الندب احتج بفعل النبي صلى الله علية وسلم وبأن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يقل هذا واجب فيتأول أنه يفعل هذا إرادة
الفضل
والدليل على هذا أنه قد صح عن علي بن أبي طالب أنه توضأ وضوءا خفيفا ثم
قال هذا وضوء من لم يحدث وكذا عن عمر رضي الله عنه أيضاويحتج بحديث أبي
عطيف عن ابن عمر عن النبي من توضأ على طهارة كتبت له عشرحسنات
وأما من قال المعنى إذا قمتم من النوم فيحتج بأن في القرآن الوضوء على
النائم وهذا قول أها المدينة
كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال حدثنا مالك
عن زيد بن أسلم أن تفسير هذه الآية يا أيها الذين امنوا اذا قمتم الى
الصلاة الآية أن ذلك إذا قام من المضجع يعني النوم
والقول السابع قول الشافعي رحمه الله قال لو وكلنا إلى الآية لكان على كل
قائم إلى الصلاة الطهارة فلما صلى رسول الله الصلوات بطهر واحد بينها
فمعنى هذا على هذا القول يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة وقد
احدثتم فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق وامسحوا برءوسكم وارجلكم الى
الكعبين
وقد زعم قوم أن هذا ناسخ للمسح على الخفين وسنبين ما في ذلك وأنه ليس
بناسخ له إن شاء الله
وقال قوم في قراءة من قرأ وأرجلكم بالخفض أنه منسوخ بفعل النبي صلى الله
عليه و سلم وقوله لأن الجماعة الذين تقوم بهم الحجة رووا أن النبي صلى
الله علية وسلم غسل قدميه وفي ألفاظه عليه السلام إذا غسل قدميه خرجت
الخطايا من قدميه ولم يقل أحد عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال فإذا مسح
قدميه وصح عنه
عليه السلام ويل للعراقيب من النار وويل للأعقاب من النار وأنه
أمر بتخليل الأصابع ولو كان المسح جائزا ما كان لهذا ومعنى
وقال قوم قد صح الغسل بنص كتاب الله في القراءة بالنصب وبفعل رسول الله
وقوله ومن أدعى أن المسح جائز فقد تعلق بشذوذ
وقال قوم الغسل والمسح جميعا واجبان بكتاب الله عز و جل لأن القراءة
بالنصب والخفض مستفيضة وقد قرأ بها الجماعة
فممن قال إن مسح الرجلين منسوخ الشعبي كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال
حدثنا ابراهيم بن مرزرق قال حدثنا يعقوب بن
اسحاق قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبي قال نزل القرآن
بإلمسح والسنة بالغسل
ومن قال قد صح الغسل بالكتاب والسنة احتج بالقراءة بالنصب وبما صح عن
النبي صلى الله عليه و سلم
ومن قال هما واجبان قال هما بمنزلة آيتين لصحة كل واحدة منهما عن جماعة
تقوم بهم الحجة كما حدثنا أحمدبن محمد الأزدي قال حدثنا ابراهيم بن مرزوق
قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قيس عن عاصم عن ذر عن عبدالله أنه قرأ
وأرجلكم بالنصب
قال وحدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا سعيد بن منصور قال
سمعت هشيما يقول أخبرنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأ وأرجلكم قال
عاد إلى الغسل
قال أبو جعفر وهذه قراءة عروة بن الزبير ونافع والكسائي
وقرأ أنس بن مالك وأرجلكم بالخفض وهي قراءة أبى جعفر وأبي عمرو وعاصم
والأعمش وحمزة حتى انه يقال تمسحت بمعنى تطهرت للصلاة فيكون على هذا الخفض
كالنصب
وقد سمعت علي بن سليمان يقول التقدير وأرجلكم غسلا ثم حذف هذا لعلم السامع
وممن قال إن المسح على الخفين منسوخ بسورة المائدة ابن عباس وقال ما مسح
رسول الله على الخفين بعد نزول المائدة
وممن رد المسح أيضا عائشة رضي الله عنها وأبو هريرة
قال أبو جعفر من نفى شيئا وأثبته غيره فلا حجة للنافي وهذا موجود في
الأحكام والمعقول
وقد أثبت المسح على الخفين من أصحاب رسول الله ظ جماعة كثيرة ومنهم من قال
بعد المائدة
فممن أثبت المسح علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وبلال وعمرو بن أمية
الضمري وصفوان بن عسال المرادي وحذيفة وبريدة وخزيمة بن ثابت وأبو بكر
وسهل بن سعد وأسامة بن زيد وسلمان وجرير البجلي والمغيرة بن شعبة وعن
عمربن الخطاب غير مسند صحيح
فمن ذلك ما حدثناه أحمدبن شعيب أبوعبدالرحمن قال أخبرنا اسحاق بن إبراهيم
وهو ابن راهويه قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا سفيان الثوري عن عمروبن
قيس الملائي عن الحكم بن عيينة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانىء عن
علي بن أبي طالب
رضي الله عنه قال جعل رسول الله للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن
ويوما وليلة للمقيم يعني في المسح
قال أبو عبدالرحمن وأخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن
الحكم بن عيينة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانىء قال سألت عائشة رضي
الله عنها عن المسح على الخفين فقالت ائت عليا فإنه أعلم بذلك مني فأتيت
عليا فسألته عن المسح فقال أمرنا رسول الله أن نجعل للمقيم يوما وليلة
وللمسافر ثلاثا
قال أبو عبدالرحمن وأخبرنا قتيبة قال حدثنا حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن
همام أن جرير ابن عبدالله البجلي توضأ ومسح على خفيه فقيل له أتمسح فقال
قد رأيت رسول صلى الله عليه و سلم يمسح فكان أصحاب عبدالله يعجبهم قول
جرير لأن إسلامه كان قبل موت رسول الله بيسير
قال أبو جعفر وكذا قال أحمد ابن حنبل أنا أستحسن حديث جرير في المسح على
الخفين لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة
وقد عارض قوم من الذين يمنعون المسح على الخفين بأن الواقدي روى
عن عبدالحميد بن جعفر عن أبيه أن جرير البجلي أسلم في سنة عشر في شهر
رمضان وأن المائدة نزلت في ذي الحجة يوم عرفات قالوا فإسلام جرير على هذا
قبل نزول المائدة
قال أبو جعفر والذي احتج بهذا جاهل بمعرفة الحديث لأن هذا الحديث لا تقوم
به حجة لوهاه وضعف اسناده وأيضا فإن قوله نزلت المائدة يوم عرفات في ذي
الحجة جهل وأيضا لأن الرواية أنه نزل منها في ذلك اليوم آية واحدة وهي
اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي
ولوصح ما قال إن المسح كان قبل نزول المائدة لما كانت له فيه حجة ولكان
المسح ثابتا ويكون القرآن نزل بالغسل لمن لم يكن عليه فى خفان
ويقال له أيضا ما معنى المسح قبل نزول المائدة وهل كان التوضؤ للصلاة
واجبا قبل نزول المائدة فإن قال كان واجبا فقد صح أن المسح على الخف بدل
من الغسل وإن قال كان غير واجب قيل له فما معنى المسح والغسل غير واجب
وكذا المسح وهذا بين في تثبيت المسح على الخفين وهوقول الفقهاء الذين تقوم
بهم الحجة
واختلفوا في الاية الرابعة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة
باب ذكر الاية الرابعه من هذه السورة
قال الله عز و جل فاعف عنهم أالماندة 13
من العلماء من قال إنما كان العفو والصفح قبل الأمر بالقتال ثم نسخ ذلك
بالأمر بالقتال
كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا مسلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال
حدثنا معمر عن قتادة في قول الله عز و جل ولا تزال تطلع على خائنه منهم
إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح المائدة 13 قال نسخها قتلوا الذين لا
يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر التوبة 29 الآية
وقال غيره ليست بمنسوخة لأنها نزلت في يهود غدروا برسول الله
غدرة وأرادوا قتله فأمر الله عزوجل بالصفح عنهم
قال أبو جعفر وهذا لا يمنع أن يكون أمر بالصفح عنهم بعد أن لحقتهم الذلة
والصغار فصفح عنهم في شيء بعينه
واختلفوا أيضا في الاية الخامسة فقال بعضهم هي ناسخة وقال بعضهم هي محكمة
غير ناسخة
باب في ذكرالآية الخامسة من هذه السورة
قال الله عز و جل جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساد
ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض
فقال قوم هذه ناسخة لما كان رسول الله فعله في أمر العرنيين من التمثيل
بهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا
فممن قال هذا محمد بن سيرين قال لما فعل النبي صلى الله عليه و سلم ذلك
وعظ ونسخ بهذا الحكم واستدل على ذلك بأحاديث صحاح فمن ذلك ما حدثناه أحمد
بن شعيب أبو عبدالرحمن قال أخبرني عمروبن عثمان بن سعيد بن كثير عن الوليد
عن الأوزاعي عن يحيى من أبي قلابة عن أنس أن نفرا من عكل قدموا على رسول
الله فأسلموا فاحتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يخرجوا
الى إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فقتلوا راعيها
واستاقوها فبعث النبي في طلبهم قافة فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ولم
يحسمهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله عز و جل إنما
جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض أن يقتلوا او يصلبوا
الآية
قال أبو عبدالرحمن وأخبرني الفضل بن سهل قال حدثني يحيى بن غيلان ثقة
مأمون قال حدثني يزيد بن زريع عن سليمان التميمي عن أنس قال إنما سمل رسول
الله أعين أولثك لأنهم سملوا أعين الرعاء
قال أبو جعفر وهذا من أحسن الحديث الذي يروى في هذا الباب وأغربه وأصحه
وفيه حجة للشافعي رحمه الله في القصاص
فأما الحديث الأول فيحتج به من جعل الآية ناسخة وفيه من الغريب
قولة فاحتووا المدينة قال أبو زيد يقال احتويت البلاد اذا كرهتها وإن كانت
موافقه لك في بدنك واستوبلتها اذا لم تكن توافقك في بدنك وإن كنت محبا لها
وفيه وسمل أعينهم قال أبو عبيد السمل أن تفقأ العين بحديدة محماة أو بغير
ذلك يقال سملتها أسملها سملا وقد يكون السمل بالشوك كماقال أبو ذؤيب يرثي
بنين له ماتوا
فالعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع
وبعض من يقول إنها محكمة غير ناسخة يقول الحكمان قائمان جميعا واحتج
بالحديث أن السمل كان قصاصا وهو أحسن ما قيل فيه وقال أبو الزناد لما فعل
ذلك صلى الله عليه و سلم وعظ ونهى عن المثلة فلم يعد وقال غيره إنما فعل
ذلك على الاجتهاد كما فعل في الغنائم حتى نزلت لولا كتاب من الله سبق
الآية وقال آخر لا يجوز أن يفعل النبي صلى الله عليه و سلم شيئا من هذا
وما أشبهه إلا بوحي منزل أو إلهام من الله عز و جل لقوله تعالى وما ينطق
عن الهوى النجم 3 ولفرضه طاعته
وقال السدي إنما أراد أن يفعل فنهى عن ذلك وأمر بالحدود
قال أبو جعفر وقد ذكرنا الحديث بغير ما قال فأما ما في الآية من
قوله عز و جل او من اختلاف العلماء في تخيير الإمام أن يفعل أي هذا شاء
ومن قول بعضهم بل ذلك على الترتيب فنذكر منه ما تكمل به الفائدة في علم
الآية إن شاء الله
واختلف العلماء فيمن يلزمه اسم محاربة الله عز و جل ورسوله عليه السلام
على خمسة أقوال
فمنهم من قال المحارب لله ورسوله هو المشرك والمعاند دين الله غز وجل فأما
من كان مسلما وخرج متلصصا فلا يلزمه هذا الاسم
وهذا القول مروي عن ابن عباس وهو يدوي عن الحسن وعطاء
ومن العلماء من قال المحارب لله ورسوله المرتد وهذا قول عروة بن الزبير
كما قرىء على عبدالله بن أحمد بن عبدالسلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح
بن عبادة عن ابن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال إذا خرج المسلم
وشهر سلاحه ثم تلصص ثم جاء تائبا أقيم عليه الحد ولو ترك لبطلت العقوبات
إلا أن يلحق ببلاد الشرك ثم يأتي تائبا فيقبل منه
وقال قوم المحارب لله عز و جل ولرسوله من المسلمين من فسق فشهر
سلاحه وخرج على المسلمين يحاربهم وردوا على من قال لا يكون المحارب الله
ورسوله إلا مشركا بحديث معاذ عن النبي صلى الله عليه و سلم من عادى وليا
من الله عز و جل فقد نادى الله بالمحاربة
قال أبو جعفر وحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا الحسين بن الحكم
الخبري قال حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل عن السدي عن صبي مولى أم سلمة
عن زيد بن أرقم أن رسرل الله قال لعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين
عليهم السلام أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم أفلا ترى قول رسول الله
لمن ليس بكافر وتسميته إياه محاربا
وقد رد أبو ثور وغيره على من قال إن الآية في المشركين بأشياء بينه
قال قد أجمع العلماء على أن المشرك إذا فعل هذه الأشياء ثم أسلم
قبل إن يتوب منها أنه لا يقام عليه حد شيء من حدوها لقول الله عز و جل قل
للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف وهذا كلام بين حسن
وقال غيره لوكانت الآية في المشركين لوجب في أسرى المشركين أن يقتلوا لا
أو يصلبوا أوتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض أبي هذا لا
يقوله أحد
وقال بعض العلماء الآية عامة في المشركين والمسلمين فهذه أربعة اقوال
والقول الخامس أن تكون الآية عامة على ظاهرها إلا أن يدل دليل على خارج
منها فيخرج بالدليل وقد دل على ما ذكرناه على أن أهل الحرب من المشركين
خارجون منها فهذا أحسن ما قيل فيها وهوقول أكثر الفقهاء
ثم اختلفوا فيمن لزمه اسم المحاربة أيكون الإمام مخيرا فيه أم تكون عقوبته
على قدر خيانته
فقال قوم الإمام مخير فيه على أنه يجتهد وينظر للمسلمين فممن قال هذا من
الفقهاء مالك بن أنس وهو مروي عن ابن عباس وهو
قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز ومجاهد والضحاك
وممن قال العقوبة على قدر الخيانة وليس للإمام في ذلك خيار الحسن وعطاء
وسعيد بن جبير وأبو مجلز وهو مروي أيضا عن ابن عباس إلا أنه من رواية
الحجاج بن أرطأة عن عطية عن ابن عباس والحجاج وعطية ليسا بذاك عند أهل
الحديث
وقال بهذا من الفقهاء الأوزاعي والشافعي
وهو قول أصحاب الرأي سفيان وأبي حنيفة وأبي يوسف غير أنهم
أختلفوا في الترتيب في أكثر الآية فما علمت أنهم اتفقوا إلا فيمن خرج فقتل
فإن اصحاب الترتيب أجمعوا على قتله وسنذكر اختلافهم
فأما أصحاب التخيير الذين قالوا ذلك إلى الامام فحجتهم ظاهر الاية وأن أو
في العربية كذا ومعناها إذا قلت خذ دينارا أو درهما ورأيت زيدا أو عمرا
واحتجوا بقول الله عز و جل فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون
اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبه وكذا ففدية من صيام أو صدقة او نسك انه لا
اختلاف أن هذا على التخيير فكذا ما اختلفوا فيه مردود إلى ما أجمعوا عليه
وإلى لغة الذين نزل القرآن بلغتهم
فعارضهم من يقول بالترتيب بحديث عثمان وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم عن
النبي صلى الله عليه و سلم لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث كفر بعد
إيمان او زنا بعد احصان أو قتل نفس بغير نفس
فعارضهم الاخرون بأشياء منها المحارب مضموم إلى هذه الثلاثة كما ضممتم
إليها أشياء ليست كفرا كما قال الله عز و جل قل لا أجد في ما أوحى الى
محرما على طاعم يطعمه الآية فضممتم إليها تحريم كل ذي ناب من السباع وكل
ذي مخلب من الطير
واحتج بعضهم بأن لاية المحاربة حكما آخر واستدل على ذلك بأن الأمر للمحارب وليس الى لآية وانما هو الى الإمام واحتج بأن عائشة رضي الله عنها قد روت عن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر المحارب كما قرىء على أحمد بن شعيب عن العباس بن محمد قال حدثنا أبو عامر عن ابراهيم بن طهمان عن عبدالعزيز بن رقيع عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث خصال زان محصن يرجم أو رجل قتل متعمدا فبقتل أو رجل خرج من الإسلام فيحارب فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض واحتجوا أيضا بأن أكثر التابعين على أن الإمام مخيير وكذا ظاهر الآيه كما قرىء على ابراهيم بن موسى الجوزي بمدينة السلام عن يعقوب الدورقي قال حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم الأحول عن الحسن وعن ابن جريج عن عطاء في قول الله عز و جل انما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا الآية قالا الإمام مخير فيه
وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله عز و جل انما جزاؤا الذين
يحاربون لله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع
ايديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الارض قال من شهر السلاح في قبة
الاسلام وأفسد السبيل فظهر عليه وقدر فإمام المسلمين مخير فيه ان شاء قتله
وان شاء صلبه وان شاء قطع يده ورجله قال او ينفوا من الارض قال يهربوا
ويخرجوا من دار الاسلام الى دار الحرب الا الذين تابوا ثم قال بهذا من
التابعين سعيد بن المسيب ومجاهد والضحاك وهو قول إبراهيم النخعي وعمر بن
عبدالعزيز
فأما الرواية الأخرى عن ابن عباس بان ذلك على قدر جناياتهم فقد ذكرنا أنها
من رواية الحجاج عن عطية عن ابن عباس في قول الله عزوجل إنما جزؤا الذين
يحاربون الله ورسوله الأية قال اذا خرج فأظهر السلاح وقتل قتل وإن أخذ
المال ولم يقتل قطعت يده ورجله وإن أخذ المال وقتل ثم صلب
ومن هذا قول قتادة وعطاء الخراساني وزعم إسماعيل بن إسحاق أنه لم يصح إلا
عنهما يعض ين المتقدمين لأن الرواية عن ابن عباس ضعيفة عنده وعند أهل
الحديث
وقال الأوزاعي اذا خرج وقتل قتل فإن أخذ المال وقتل صلب وقتل
مصلوبا وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله
وقال الليث بن سعد إذا أخذ المال وقتل صلب وقتل بالحربه مصلوبا
وقال أبو يوسف إذا أخذ المال وقتل صلب وقتل على الخشبة
وقال أبو حنيفة اذا قتل قتل وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من
خلاف واذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه ان شاء قطع يده ورجله وقتله
وإن شاء لم يقطع يده ورجله وقتله وصلبه قال أبو يوسف القتل يأتي على كل
حال
وقال الشافعي رحمه الله إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ثم قطعت رجله
اليسرى وحسمت وخلي وإذا قتل قتل وإذا أخذ المال وقتل قتل وصلب وروي عنه
أنه قال يصلب ثلاثة أيام قال وإن حضر وكثر وهيب وكان رداء للعدو عزز وحبس
قال أبو جعفر أختلف الذين قالوا بالترتيب واختلف عن بعضهم حتى وقع في ذلك
اضطراب كثير فممن اختلف عنه ابن عباس كماا ذكرناه والحسن فروي عنه التخيير
والترتيب وأنه قال اذا خرج وقتل قتل فإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده
ورجله ونفي وان أخذ المالن وقتل قتل
وقال أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله ان قتل قتل وإن أخذ المال
ولم يقتل قطتث يده ورجله
وقال قوم لا ينبغي أن يصلب قبل القتل فيحال بينه وبين الصلاة والاكل
والشرب وحكي عن الشافعي أكره أن يقتل مصلوبا لنهي النبي عن المثلة
وقال أبو ثور الإمام مخير على ظاهر الآية
واحتج غيره بأن الذين قالوا بالتخيير معهم ظاهر الآية وأن الذين قالوا
بالترتيب وإن اختلفوا فإنك تجد في أقوالهم أنهم يجمعون عليه حدين رر
فيقولون يقتل ويصلب ويقول بعضهم يصلب ويقتل ويقول بعضهم تقطع يده ورجله
وينفى وليس كذلك الآية ولا كذا ومعنى او في اللغة
فاما ومعنى أو ينفوا من الأرض ففيه أقوال منها عن ابن عباس ئ ما ذكرناه
أنهم يهربون حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب آ وهذا أيضا يحكى
ومعناه عن الشافعي رحمه الله أنهم يخرجون من بلد إلى بلد ويحاربون وكذا
قال الزهري محمد بن مسلم وقال سعيد بن
جبير ينفون من بلد الى بلد وكلما أقاموا في بلد نفوا منه وقال
الشعبي ينفيه السلطان الذي أحدث هذا في عمله عن عمله
وقال مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة ينفى من البلد الذي أحدث فيه
هذا إلى غيره ثم يحبس فيه ويحتج لمالك رحمه الله بأن الزاني كذا ينفى
وقال الكوفيون لما قال الله عز و جل او ينفوا من الارض فقد علم أنه لا بد
أن يستقروا في الأرض لم يكن شيء أولى بهم من الحبس لأنه اذا حبس فقد نفى
من الأرض إلا موضع استقراره
واختلف العلماء أيضا في الاية السادسة فمنهم من قال إنها منسوخة ومنهم من
قال هي محكمة
باب ذكرالآية السادسة من هذه السورة
قال الله عز و جل فإن جاءوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم المائدة 42 من
العلماء من قال هذه الآية محكمة والإمام مخير إذا تحاكم إليه أهل الكتاب
ان شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم وردهم إلى حكامهم
هذا قول الشعبي وإبراهيم النخعي كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن
يحيى بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن المغيرة عن ابراهيم
وعامرالشعبي في قول الله عز و جل فإن جاءوك فاحكم بينهم او أعرض عنهم قال
إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم
قال أبو جعفر وقال بهذا من الفقهاء عطاء بن أبي رباحء ومالك بن أنس رحمهما
الله
ومن العلماء من قال إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام فعليه أن
يحكم بينهم بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله ولا يحل له أن يردهم الى
حكامهم وقائلوا هذا القول يقولون الآية منسوخة لأنها إنما أنزلت أول ما
قدم النبي المدينة واليهود فيها يومئذ كثير فكان الأرعي لهم والأصلح أن
يردوا الى حكامهم فلما قوى الإسلام أنزل الله عز و جل وأن احكم بينهم بما
أنزل الله
فممن قال بهذا القول من الصحابة ابن عباس وجماعة من التابعين والفقهاء
قال أبو جعفر كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا
سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد عن سفيان عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس
قال نسخت من هذه السورة يعني المائدة آيتان آية القلائد وقوله عز و جل فإن
جاؤك فاحكم أو اعرض عنهم فكان رسول الله صلى اله عليه وسلم مخيرا فيهم إن
شاء حكم وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى حكامهم فنزلت وأن احكم بينهم بما
أنزل الله فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن يحكم بينهم بما في
كتابنا
وهذا اسناد مستقيم وأهل الحديث يدخلونه في المسند وهو مع هذا قول جماعة من
العلماء
كما قريء على عبدالله بن الصقر عن زياد بن أيوب س قال حدثنا
هشيم قال أخبرنا أصحابنا منصور وغيره عن الحكم عن مجاهد في قول الله عز و
جل وأن احكم بينهم بما أنزل الله قال نسخت هذه الآية التي قبلها فإن جاءوك
فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وهذا أيضا إسناد صحيح
والقول بأنها منسوخة قول عكرمة والزهري وعمر بن عبدالعزيز والسدي
وهوالصحيح من قول الشافعي رحمه الله قال في كتاب الجزية ولا خيار له إذا
تحاكموا إليه بقوله عز و جل 6 حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
وهذا من أصح الاحتجاجات لأنه إذا كان ومعنى وهم صاغرون أن يجري عليهم
أحكام المسلمين وجب ألا يردوا إلى حكامهم وإذا وجب هذا فالآية منسوخة وهو
أيضا قول الكوفيين أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد لا اختلاف بينهم إذا
تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام اثم أنه ليس له أن يعرض عنهم غير أن أبا
حنيفة قال إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل وإن جاءت
المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم بينهما وقال الباقون بل يحكم
فثبت أن قول اأكثر العلماء أن الآية منسوخة مع ما صح فيها من
توقيف ابن عباس ولو لم يأت الحديث عن ابن عباس لكان النظر يوجب أنها
منسوخة لأنهم قد أجمعوا جميعا أن أهل الكتاب إذا تحاكموا إلي الامام فله
أن ينظر بينهم وأنه إذا نظر بينهم مصيب ثم اختلفوا في الاعراض عنهم على ما
ذكرنا فالواجب أن ينظر بينهم لأنه مصيب عند الجماعة وألا يعرض عنهم فيكون
عند بعض العلماء تاركا فرضا فاعلا ما لا يحل له ولايسعه
ولمن قال بأنها منسوخة من الكوفيين قول آخر منهم من يقول على الإمام
إذاعلم من أهل الكتاب حدا من حدود الله أن يقيمه وإن لم
يتحاكموا إليه ويحتج بأن قول الله وأن احكم بينهم بما أنزل الله
يحتمل أمرين أحدهما وأن احكم بينهم إذا تحاكموا إليك الآخر وأن احكم بينهم
وان لم يتحاكموا إليك إذا علمت ذلك منهم 0 قالوا فوجدنا في كتاب الله عز و
جل وسنة رسوله ما يوجب إقامة الحد عليهم وإن لم يتحاكموا إلينا
فاما ما في كتاب الله عز و جل فقوله تعالى يا أيها الذين امنوا كونوا
قوامين بالقسط شهداء لله
وأما ما في السنة فحديث البراء قال أبو جعفر حدثنا علي بن الحسين قال
حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا أبو معاوية قال أبو معاوية حدثني الأعمش عن
عبدالله بن مرة عن البراء قال مر على النبي بيهودي قد جلد وحمم فقال أهكذا
حد الزاني عندكم فقالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال سألتك بالله أهكذا
حد إلزاني فيكم فقال لولا أنك سألتني بهذا ما أخبرتك كان الحد عندنا الرجم
فكان الشريف إذا زنا تركناه وكان الوضيع إذا زنا رجمناه فقلنا تعالوا
نجتمع على شيء يكون للشريف والوضيع فاجتمعنا على الجلد والتحميم فانزل
الله عز و جل يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر الى قوله
يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه أي ائتوا محمدا صلى الله عليه و سلم فإن
أفتاكم بالجلد والتحميم فاقبلوا وان لم تؤتوه فاحذروا أي وان أفتاكم
بالرجم فلا تقبلوا إلى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال
في اليهود ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون قال في اليهود ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون قال في الكفار خاصة فأمر رسول الله
باليهودي فرجم وقال أنا أول من أحيى امرك
فاحتجوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم حكم بينهم ولم يتحاكموا إليه في
هذا إلحديث فان قال قائل ففي حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن اليهود أتوا
النبي صلى الله عليه و سلم
قيل له ليس في حديث مالك أيضا أن اللذين زنيا رضيا بالحكم وقد رجمها النبي
فأما ما في الحديث من ان ومعنى ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الكافرين أنه في اليهود ففي ذلك اختلات قد ذكرناه وهذا أولى ما
قيل فيه لأنه عن صحابي مشاهد التنزيل يخبر ان بذلك السبب نزلت هذه الآية
على أن غير الحسن بن محمد يقول فيه عن النبي في قوله ومن لم يحكم بما انزل
الله فأولئك هم الكافرون قال هم اليهود أن حكم غيرهم كحكمهم فكل من حكم
بغير إذا أنزل الله جاحدا له كما غير اليهود فهو كافر ظالم فاسق
واختلفوا في الآية السابعة فمنهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي محكمة
وهي من أشكل ما في الناسخ والمنسوخ
باب ذكرالآية السابعة من هذه السوره
قال الله عزوجل يا ايها الذين ءامنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين
الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو ءاخران من غيركم
للصحابه والتابعين والفقهاء في هذه الآية خمسة أقوال منها أن شهادة أهل
الكتاب على المسلمين جائزة في السفر اذا كانت وصية
وقال قوم كان هذا هكذا ثم نسخ ولا تجوز شهادة كافر بحال
وقال قوم الآية كلها في المسلمين اذا شهدوا فهذه ثلاثة اقوال
والقول الرابع أن هذا ليس في الشهادة التي تؤدي وانما الشهادة هاهنا بمعنى
الحضور
والقول الخامس أن الشهادة ههنا بمعنى اليمين
فالقول الأول عن رجلين من الصحابة عبدالله بن قيس
وعبدالله بن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ابن عباس قال وقوله عزوجل يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم فهذا لمن مات وعنده المسلمون فأمره الله عز و جل أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين ثم قال عز و جل او ءاخران من غيركم ان انتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين فأمر الله جل وعز بشهادة رجلين من غير المسلمين فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله عز و جل لم نشتر بشهادتنا ثمنا قليلا ا فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا حلفا بالله عز رجل أن شهادة الكافرين باطلة وأنا لم نعتد فذلك قوله تعالى فإن عثر على انهما استحقا اثما فأخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأولين يقول إن اطلع على أنهما كذبا قام الأوليان فحلفا انهما كذبا يقول الله عز و جل ذلك ادنى أن يأتوا أي ان يأتي الكافران بالشهادة على وجهها او يخافوا ان ترد ايمان بعد ايمانهم فتترك شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء
فليس شهود على المسلمين إقسام أنما الإقسام إذا كانا كافرين
فهذا قول ابن عباس مشروحا مبينا لا يحتاج إلى زيادة تشرح وقال به من
التابعين جماعة منهم شريح قال تجوز شهادة أهل الكتاب على المسلمين في
السفر اذا كانت وصية وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعبيدة ومحمد
بن سيرين والشعبي ويحيى بن يعمر وقتادة والسدي وقال به من الفقهاء سفيان
الثوري ومال إليه أبو عبيد لكثرة من قال به
والقول الثاني أن الآية منسوخة وأنه لا تجوز شهادة كافر بحال كما لا تجوز
شهادة فاسق قول زيد بن أسلم ومالك بن أنس والشافعي وقول أبي حنيفة أيضا
أنها منسوخة ولا تجوز عنده شهادة
الكفار على المسلمين غير أنه خالف من تقدم ذكره بأنه أجاز شهادة
الكفار بعضهم على بعض
والقول الثالث أن الآية كلها في المسلمين لا منسوخ فيها قول الزهري والحسن
كما قرىء على عبدالله بن الصقر عن زياد بن أيوب عن هشيم قال أخبرنا منصور
وغيره عن الحسن في قول الله عز و جل أو ءاخران من غيركم قال من غير
عشيرتكم
والقول الرابع أن الشهادة ههنا بمعنى الحضور يحتج قائله بما تعارض به تلك
الأقوال بما سنذكره
وكذا القول الخامس أن الشهادة بمعنى اليمين كما قال الله عز و جل فشهادة
احدهم اربع شهادات بالله
فأما المعارضة في القول الأول فنص كتاب الله عز و جل قال عز و جل ممن
ترضون من الشهداء وقال عز و جل وأشهدوا ذوي عدل منكم الطلاق 2 ولا نرضي
الكفار ولا يكونون ذوى عدل ويعارض بالإجماع لأنه قد أجمع المسلمون أن
شهادة الفساق لا تجوز والكفار فساق وأجمعوا أيضا أن شهادة الكفار لا تجوز
على المسلمين في غير هذا الموضع الذي قد اختلف فيه فيرد ما اختلف فيه إلى
ما أجمع عليه وهذه احتجاجات بينة
واحتج من خالفهما بكثرة من قال ذلك القول وأنه قد قالة صحابيان
وليس ذلك في غيره ومخالفة الصحابة إلى غيرهم ينفر منه اهل العلم
قال فيجعل هذا على الضرورة كما تقصر الصلاة في السفر وكما يكون التيمم فيه
والإفطار في شهر رمضان
قيل له هذه الضرورات إنما تكون في الحال وليس كذا الشهادة
وعورض من قال بنسخ الآية أنه لم يأت هذا على أحد ممن شهد التنزيل وأيضا
فإن في القولين جميعا شيئا من العربية ربئة غامضا وذلك أن معنى آخر في
العربية آخر من جنس الأول يقول مررت بكريم وكريم آخر فقولك آخر يدل على
أنه من جنس الأول ولا يجوز عند أهل العربية مررت بكريم وخسيس آخر ولا مررت
برجل وحمار آخر فوجب من هذا أن يكون معنى اثنان ذوا عدل منكم أو آخران
عدلان والكفارلا يكونون عدولا فيصح على هذا قول من قال من عندكم من غير
عشيرتكم من المسلمين
على أنه قد عورض لأن في أول الآية يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم اذا
حضر احدكم الموت فخوطب الجماعة من المؤمنين
فيقال لمن عارض بهذا هذا موجود في اللغة كثير يستغنى عن الاحتجاج
والقول الرابع أن الشهادة بمعنى الحضور معروف في اللغة ا وقد احتج قائله
بأن الشاهد لا يكون عليه يمين في شيء من الأحكام غير هذا
المختلف فيه فيرد ما اختلف فيه الى ما اجتمع عليه لأنه يقال
شهدت وصية فلان أي حضرت
والقول الخامس أن الشهادة بمعنى اليمين معروف يكون التقدير في شهادة أحدكم
أي يمين أحدكم أن يحلف اثنان وحقيقته في العربية قة يمين اثنين مثل وسئل
القرية يوسف 82
قرىء على علي بن سعيد بن بشير الرازي عن صالح بن عبدلله الترمذي قال يحيى
بن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبدالملك بن سعيد بن جبير عن أبيه
عن ابن عباس قال كان تميم الدارى وعدي بن بداء يختلفان الى مكة للتجارة
فخرج معهم رجل من بني سهم فتوفى بأرض ليس فيها مسلم فأوصى اليهما فدفعا
الى أهله وحبسا جاما من فضة مخوصا بالذهب ففقده أولياء السهمي من تركته
فأتوا رسول الله فاستحلفهما رسول الله ما كتمنا ولا اطلعنا ثم عرف الجام
بمكة فقالوا اشتريناه من تميم وعدي بن بداء فقام رجلان من أولياء السهمي
فحلفا بالله أن هذا الجام للسهمي ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا
انا اذا لمن الظالمين فأخذ الجام وفيهم نزلت هذه الآية
وقرىء على علي بن سعيد بن بشير عن أبي مسلم الحسن بن احمد عن ابي شعيب الحراني قال حدثنا محمد بن سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن أبي النضر عن باذان مولى أم هانيء بنت أبى طالب عن ابن عباس عن تميم الداري في قوله عز و جل يا ايها الذين امنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت برىء الناس منها غيري وغير علي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان الى الشام قبل الاسلام فأتيا الشام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له برير بن أبي مريم لتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته فمرض فاوصى اليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله قال تميم فلما مات أخدنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه انا وعدى بن بداء فلما قدمنا الى أهله دفعنا اليهم ما كان ومعنا وفقدوا الجام فسألوا عنه فقلنا ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره قال فلما أسلمت بعد قدوم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فوثبوا اليه فاتوا به رسول الله فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فأنزل الله يا أيها الذين ءامنوا شهادة
بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيه قرأ إلى قوله عز و جل ان
ترد ايمان بعد ايمانهم فقام عمرو بن العاص ورجل اخر منهم فحلفا فنزعت
الخمسمائة درهم من عدي بن بداء
قال أبو جعفر فهذا ما في الآية وما بعدها من القصة من الآثار واختلاف
العلماء والنظر ثم نبينها على ما هوأصح من ذلك الذي ذكرنا
الأبين في هذا أن تكون شهادة بينكم قسم بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين
الوصية أن يقسم ذوا عدل منكم أوآخرن من غيركم
وللعلماء في أو ههنا قولان فمنهم من قال أو ههنا للتعقيب وأنه اذا وجد
اثنين ذوي عدل من المسلمين لم يجز له أن يشهد كافرين وهذا الترل يروى عن
سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والشعبي وابراهيم وقتادة
ومنهم من قال أو ههنا للتخيير لأنها إنما هي وصية وقد يكون
الموصي يرى أو يسند وصيته إلى كافرين أو أجنبيين
وهذا القول أن أو للتخيير هو القول البين الظاهر إن أنتم ضربتم فى الأرض
قال ابن زيد أي سافرتم وكذلك هو في اللغة وفي الكلام حذف مستدل عليه أي ان
أنتم سافرتم فأصابتكم مصيبة الموت وقد أسندتم وصيتكم إلى اثنين ذوي عدل
منكم أوآخرين من غيركم فإن ارتبتم أي اتهمتم الوصيين والتقدير أو آخرين من
غيركم إن ارتبتم تحبسونهما من بعدالصلاة واختلف العلماء في هذه الصلاة
فقال أكثرهم هي العصر فممن قال هذا عبدالله بن قيس الأشعري واستعمله وقضى
به وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة ومنهم من قال هي
صلاة من صلواتهم في دينهم وهذا قول السدي وهو يروي عن ابن عباس والقول
الأول أولى لقوله عز و جل من بعد الصلاة فجاءت
معرفة بالألف واللام واذا كان بعد صلاة من صلواتهم كانت نكره
وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لاعن بين العجلانين بعد العصر
فخصها بهذا
لأثم ويقال إن أهل الكتاب أيضا يعظمون ذلك الوقت
فيقسمان بالله وهما الوصيان ولا نشتري به ثمنا أي لا نشتري بقسمنا شيئا
نأخده مما أوصى به ولا ندفعه إلى أحد ولو كان ذا قربى 1 ولا نكتم شهادة
الله أي ولا نكتم شهادة الله عندنا إنا إذا لمن الأثمين أي إن فعلنا ذلك
فإن عثر على أنهما استحقا اثما أصله من عثرت بالشيء أي وقعت عليه أي قد
وقع على أنهما استحقا اثما بكذبهما في أيمانهما وأخذهما ما ليس لهما
فأخران يقومان مقامهما أي في الأيمان من الذين استحق عليهم الأولين
تقدير هذا في العربية مختلف عند جماعة من العلماء فمنهم من قال التقدير من
الذين استحق منهم الأوليان وعليهم بمعنى منهم مثل إذا اكتالوا علىالناس
يستوفون ومنهم من قال عليهم بمعنى فيهم أي من الذين استحق فيهم اثم
الأوليين ثم حذف إثم مثل وسئل القرية وهذا قول محمد بن جرير
وقال ابراهيم بن السري التقدير من الذين استحق عليهم الإيصاء والأوليان
بدل من قوله عز و جل فأخران
قال أبوجعفر وهذا من أحسن ماقيل فيه لأنه لا يجعل حرفا بدلا من
حرف وأيضا فإن التفسير عليه لأن المعنى عند أهل التفسير من الذين أستحقت
عليهم الوصية والأوليان قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كثير من
القراء
وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة الأولين وفيها من البعد ما لا خفاء به
والأولين بدل من الذين
فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما أي لقسمنا فصح أن معنى الشهادة
ههنا القسم وما اعتدينا أي وما تجاوزنا الحق في قسمنا إنا إذا لمن
الظالمين أي ان كنا حلفنا على باطل وأخذنا ما ليس لنا
وصح من هذا كله أن الآية غير منسوخة
ودل الحديث على ذلك لأنه إذا أوصى رجل إلى آخر فاتهم ع الورثة الموصي إليه
حلف الموصي اليه وبرىء فإن اطلع على أن الموصي إليه خان وذلك أن يشهد شاهد
أو يوجد شيء يعلم أنه للميت فيقول الموصي إليه قد اشتريته منه فيحلف
الوارث ويستحقه
فقد بين الحديث أن المعنى على هذا
وإن كان العلماء قد تكلموا في استحلاف الشاهدين ههنا لمن وجب
فمنهم من قال لأنهم ادعيا وصية من الميت وهذا قول يحيى بن يعمر
وهذا لا يعرف في حكم الإسلام أن يدعي رجل وصية فيحلف ويأخذها
ومنهم من قال إنما يحلفان إذا شهدا أن الميت أوصى بما لا يجوز أو بماله
كله أو لبعض الورثة
هي وهذا أيضا لا يعرف في الأحكام أن يحلف الشاهد إذا شهد أن الموصى أوصى
بما لا يجوز
ومنهم من قال إنما يحلفان إذا اتهما ثم ينقل اليمين عنهما إذا اطلع
علىالخيانة كما ذكرنا
ثم قال جل وعز ذلك أدنى أي أقرب أن يأتوا بالشهادة على وجهها وهما الموصي
إليهما أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم وهي أيمان الأولين أي الأوليين
باليمين لما ظهرت خيانة الموصى إليهما وقد قيل هما الأوليان بالميت
واتقوا الله واسمعوا أي واسمعوا ما يقال لكم قابلين له متبعين أمر الله عز
و جل فيه والله لا يهدي القوم الفاسقين أي الخارجين عن طاعته عز و جل وقال
ابن زيد كل فاسق مذكور في القرآن فمعناه الكاذب
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنعام
قال أبو جعفر حدثني يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد
السجستاني قال حدثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي قال حدثنا يونس بن
حبيب قال سمعت أبا عمرو بن العلاء رحمه الله يقول سألت مجاهدا عن تلخيص آي
القرآن المدني من المكي فقال سالت ابن عباس عن ذلك فقال نزلت سورةالأنعام
بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت في المدينة فهي مدنية
قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم الأنعام إلى تمام الآيات الثلاث
قال أبو جعفر إذا كانت سورة الأنعام مكية لم يصح قول من قال ومعنى وءاتوا
حقه يوم حصاده الزكاة المفروضة لأن الزكاة إنما فرضت بالمدينة وهذا يشرح
في موضعه وإذا كانت السورة مكية فلا تكاد تكون فيها آية ناسخة
وما تقدم من السور فهن مدنيات أعني سورة البقرة وآل عمران
والنساء والمائدة
حدثني يموت بذلك الإسناد بعينه وفي سورة الأنعام آيات قد ذكرت في الناسخ
والمنسوخ
فالأيه الأولى منها قوله عز و جل قل لست عليكم بوكيل
قال أبو جعفر حدثنا أبوالحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام بن أبي
خيرة قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عز
و جل قل لست عليكم بوكيل قال نسخ هذا آية السيف فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم
قال أبو جعفر هذا خبر لا يجوز أن ينسخ ومعنى وكيل حفيظ ورقيب والنبي صلى
الله عليه و سلم ليس هو عليهم بحفيظ إنما عليه أن ينذرهم وعقابهم إلى الله
عز و جل
والآية الثانية نظيرها باب
باب ذر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء
حدثناأبوالحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن
سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قول الله عز و جل وما على الذين
يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون قال هذه مكية نسخت بالمدينة
بقوله عز و جل وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها
ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم فنسخ
هذا ما قبله وأمر المؤمنين أن لا يقعدوا مع من يكفر بالقرآن ويستهزىء به
قال أبو جعفر وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء خبر ومحال نسخه
والمعنى فيه بين ليس على من اتقى الله عز و جل إذا نهى انسانا عن منكر من
حسابه شيء الله جل وعز مطالبه ومعاقبه وعليه أن لا ينهاه ولا يقعد معه
راضيا بقوله وفعله وإلا كان مثله وهذان الحديثان وان كانا عن ابن عباس
فانهما من حديث جويبر والآية الثالثة قريب منها باب
باب ذكر الآية
الثالثة من هذه السورة قال عزوجل وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال
أخبرنا معمر عن قتادة وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا قال نسختها
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم
قال أبو جعفر ليس هذا بخبر وهو يحتمل النسخ غير أن البين فيه أنه ليس
بمنسوخ وأنه على ومعنى التهديد لمن فعل هذا أي ذز فإن الله عز و جل مطالبه
ومعاقبه ومثله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
والصحيح في الآية الرابعة أنها منسوخة
باب ذكر الآية الرابعة من هذه الصورة
قال الله عز و جل وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع
مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره وءاتوا
حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين
للصحابة والتابعين والفقهاء في هذه الآية خمسة أقوال فمنهم من قال هي
منسوخة بالزكاة المفروضة ومنهم من قال هي منسوخة بالسنة العشر ونصف العشر
ومنهم من قال يعني بهذه الزكاة المفروضة ومنهم من قال هي محكمة واجبة يراد
بها غير الزكاة ومنهم من قال هي على ا لندب
فممن قال هي منسوخة بالزكاة المفروضة سعيد بن جبير حدثنا أبو جعفر كما
حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا ابراهيم بن اسحاق قال حدثنا الوليد بن صالح
قال أخبرنا شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قول الله عز و جل
وءاتوا حقه يوم حصاده قال كان هذا قبل أن تنزل الزكاة كان الرجل يبدأ بعلف
الدابة وبالشيء
وهذا قول أبي جعفر محمد بن علي وعكرمة وقال الضحاك نسخت الزكاة
كل صدقة في القرآن
وممن قال نسخت الآية بقول النبي بالعشر ونصف العشر ابن عباس فيما روى عنه
كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن سعيد قال
حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في قوله عز و جل وآتوا حقه يوم
حصاده قال نسخها العشر ونصف العشر
وقرىء على عبدالله بن أحمد بن عبدالسلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح قال
أخبرنا الثوري عن مغيرة عن شباك عن
إبراهيم وءاتوا حقه يوم حصاده قال نسخها العشر ونصف العشر
قال أبوجعفر وهذا قول محمد بن الحنفية والسدي
وممن قال إنها الزكاة المفروضة أنس بن مالك وكما حدثنا جعفر بن مجاشع قال
حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا أبو حفص قال حدثنا عبدالصمد قال حدثنا
يزيد بن درهم عن أنس بن مالك وءاتوا حقه يوم حصاده قال الزكاة
وقرىء على عبدالله بن أحمد بن عبدالسلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح عن
عبادة قال أخبرنا شعبة عن أبي رجاء قال سألت لا الحسن عن قول الله عز و جل
وءاتوا حقه يوم حصاده قال الزكاة المفروضة
قال أبو جعفر وهذا قول سعيد بن المسيب وجابر بن لم زيد وعطاء
وقتادة وزيد بن أسلم قال وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال
أخبرنا مالك في قول الله عز و جل وءاتوا حقه يوم حصاده أن ذلك الزكاة
والله جل ثناؤه أعلم وقد سمعت من يقول ذلك
قال أبو جعفر وقد قيل إن هذا أيضا قول الشافعي على التأويل لأنة لا يقول
في معنى وءاتوا حقه يوم حصاده لايخلو من أن يكون ذلك في وقت الحصاد أو
بعده وتثبت السنة أنه بعده
وقد قيل بل يجب على قول الشافعي أن تكون منسوخة لأنه يقول ليس في الزمان
زكاة ولا في شيء من الثمار إلا في النخل والكرم وفي نص الآية ذكر الرمان
والزيتون وقد قال بمصر ليس في الزيتون زكاة لأنه أدم
قال أبو جعفر فهذه ثلاثة
وأقوال الرابع أن في المال حقا سوى الزكاة وأن معنى وءاتوا حقه يوم حصاده
أن يعطى منه شيئا سوى الزكاة وأن يخلى بين المساكين وبين ما سقط كما حدثنا
جعفر بن محمد الأنباري قال حدثنا الحسن بن عفان قال حدثنا يحيى بن اليمان
عن سفيان قال يدع المساكين يتبعون أثرالحصادين فما سقط عن المنجل أخذوه
هذا قول جماعة من العلماء منهم جعفر بن محمد وقد روي وصح عن علي بن الحسين
رضي الله عنه أنه أنكر حصاد الليل من أجل هذا
وقرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا حفص قال
حدثنا أشعث عن نافع عن ابن عمر وءاتوا حقه يوم حصاده قال كانوا يعطون من
اعتر بهم وهذا أيضا قول
مجاهد ومحمد بن كعب وعطية وهذا قول أبي عبيد واحتج بحديث النبي
أنه نهى عن حصاد الليل
والقول الخامس أن يكون وءاتوا حقه يوم حصاده على الندب وهذا القول لا نعرف
أحدا من المتقدمين قاله وإذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن
قد تقدم كلام المتقدمين فيها فخرج عن قولهم لم يلتفت الى قوله ولم يعد
خلافا فبطل هذا
وأما القول بأنها الصدقة المفروضة فيعارض بأشياء منها أن هذه السورة مكية
والزكاة فرضت بالمدينة لا تنازع بين أهل العلم في ذلك
ومنها أن قوله تعالى يوم حصاده لو كان للزكاة المفروضة وجب ان يعطى وقت
الحصاد وقد جاءت السنة وصحت أن الزكاة لا تعطي إلا بعد الكيل
وأيضا فإن في الآية ولاتسرفوا فكيف يكون هذا في الزكاة وهي معلومة
وأيضا فلو كان هذا في الزكاة لوجب أن تكون الزكاة في كل الثمر وفي كل ما
أنبتت الأرض وهذا لا يقوله أحد نعلمه من الصحابة ولا التابعين ولا الفقهاء
إلا بعض المتأخرين ممن خرج عن الإجماع
وأكثر ما قيل في هذا من قول من يحتج بقوله قول أبي حينفة أن في
كل هذا الزكاة إلا في الحطب والحشيش والقصب فقد أخرج شيئا مما في الآية
ولم يختلف العلماء أن في أربعة أشياء منها الزكاة الحنطة والشعير والتمر
والزبيب فهذا اجماع
وجماعة من العلماء يقولون لا يجب الزكاة فيما أخرجت الأرض إلا في أربعة
أشياء الحنطة والشعهير والتمر والزبيب
فممن قال هذا الحسن ومحمد بن سيرين والشعبي وابن أبي ليلى
وسفيان الثوري والحسن بن صالح وعبدالله بن المبارك ويحيى بن ادم
وابو عبيد
واحتج أبو عبيد بحديث الثوري عن طلحة عن يحيى بن أبي بردة ثم أن معاذا
وأبا موسى لما بعثا ليعلما الناس أمر دينهم لم يأخذا الزكاة فيما أخرجت
الأرض إلا من هذه الأربعة
واحتج غيره أن أموال المسلمين محظورة فلما أجمع على هذه الأشياء وجبت
بالإجماع ولما وقع الاختلاف في غيرها لم يجب فيها شيء
وزاد ابن عباس على هذه الأربعة الزيتون والحبوب كلها السلت والزيتون
وزاد الزهيري على هذه الأربعة الأشياء وهذا قول عطاء وعمر بن عبدالعزيز
ومكحول ومالك بن أنس وهو قول الأوزاعي والليث أن في الزيتون الزكاة
قال أبو جعفر رهذا القول كله كان قول الشافعي بالعراق ثم قال بمصر في
الزيتون لا أرى أنه يجب فيه الزكاة لأنه أدم لا أنه يؤكل بنفسه وقال يعقوب
ومحمد فيما بعد الأربعة كل ما يؤكل ويبقى ففيه
الزكاة
فهذه الأقوال كلها تدل على أن الآية منسوخة لأنه ليس أحد منهم أوجب الزكاة
في كل ما ذكر في الآية وأكثرهم اعتماده على الأشياء الأربعة فمن ضم إليها
الحبوب وما يقتات فإنما قاسه عليها ومن ضم إليها الزيتون فإنما قاسه على
النخل والعنب
هكذا قول الشافعي بالعراق
قال أبو جعفر وقد يحتج بعض من يذهب إلى أن الآية محكمة وأن ذلك حق في
المال سوى الزكاة بما حدثنا أبو علي الحسن بن غليب قال جدثنا عمران بن أبي
عمران قال حدثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن
النبي في قول الله عز و جل وءاتوا حقه يوم حصاده قال ما سقط من السنبل
قال أبو جعفر وهذا الحديث لو كان مما تقوم به حجة لجاز أن يكون
منسوخا كالآية وقد قامت الحجة بأنه لا فرض في المال سوى الزكاة إلا لمن
تجب نفقته وثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثنا بكر بن
سهل قال حذثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك
عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيدالله يقول جاء رجل إلى رسول الله من أهل نجد
ثائر الرأس نسمع لصوته دويا ولا نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن
الإسلام فقال رسول الله خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل على غيرها قال
لا إلا أن تطوع فقال رسول الله وصيام رمضان فقال هل على غيره قال لا إلا
أن تطوع وذكر له رسول الله الزكاة فقال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع
فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله
أفلح ان صدق
فتبين بهذا الحديث مع صحة اسناده واستقامة طريقه أنه لا فرض على المسلمين
من الصلاة إلا الخمس ولا من الصدقة إلا الزكاة فلما ثبت أنه لا يجب بالآية
فرض سوى الزكاة وأنها ليست الزكاة وأنها ليست
ندبا لم يبق الا أن تكون منسوخة
فأما ولا تسرفوا فقد تكلم العلماء في معناه فقال سعيد بن المسيب ومعنى ولا
تسرفوا لا تمنعوا من الزكاة الواجبة وقال أبو العالية كانوا اذا حصدوا
أعطوا ثم تباروا في ذلك حتى أجحفوا فأنزل الله تعالى ولا تسرفوا وقال
السدي لا تعطوا أموالكم فتقعدوا
فقرآء وقال ابن جريج نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جد نخلا له
فخلف أن لا يأتيه أحد الا أعطاه فأمسى ليست له ثمرة فأنزل الله عز و جل
ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين
وقال ابن زيد بن أسلم ولاتسرفوا للولاة أي ولا تأخذوا ما لا يجب على الناس
قال أبو جعفر وهذه الأقوال كلها غير متناقضة لأن الإسراف في اللغة فعل ما
لا ينبغي فهذا كله داخل في أصل اللغة فواجب اجتنابه ومعنى انه لا يحب
المسرفين لا يثيبهم ولا يقبل أعمالهم مجازا وتقدير والزيتون والرمان وشجر
الزيتون وشجر الرمان مثل وسئل القرية
قال قتادة متشابها وغير متشابه يتشابه ورقه ويختلف ثمره وقال غير يتشابه
لونه ويختلف طعمه
وقرأ يحيى بن وثاب كلوا من ثمره وهي قراءة حسنه لانه قد ذكرت أشياء كثيرة
فثمر جمع ثمار وثما جمع ثمرة
قال محمد بن جرير أصل الإسراف في كلام العرب الإخطاء في إصابة
غير الحق اما بزيادة وإما بنقصان من الحد الواجب وأنشد ... أعطوا هنيدة
يحدوها ثمانية ... ما في عطائهم من ولا سرف ... أي خطأ
واختلفوا في الآية الخامسة اختلافا كثيرا
باب ذكر الآية الخامسة من هذه السورة
قال الله تعالى قل لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن
يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به
في هذه الآية خمسة أقوال قالت طائفة هي منسوخة لأنه وجب منها ألا يحرم الا
ما فيها فلما حرم رسول الله الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع وكل ذي
مخلب من الطير نسخت هذه الأشياء منها
وقالت طائفة الآية محكمة ولا حرام من الحيوان إلا ما فيها وأحلوا ما ذكرنا
وغيره من الحيوان
وقالت طائفة الآية محكمة وكل ما حرمه رسول الله داخل فيها
وقالت طائفة هي محكمة وكل ما حرمه رسول الله مضموم إليها داخل في
الاستثناء
والقول الخامس أن هذه الاية جواب لما سألوا عنه فأجيبوا عما سألوا وقد حرم
الله عز و جل ورسوله صلى الله عليه و سلم غير ما في الآية
قال أبو جعفر القول الأول أنها منسوخة غير جائز لأن الأخبار لا تنسخ
والقول الثاني أنها جامعة لكل ما حرم وإحلال الحمر الانسية وغيرها قول
جماعة من العلماء منهم سعيد بن جبير والشعبى ويقال إنه قول عائشة وابن
عباس وثم أحاديث مسندة بندائها
فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد قال حدثنا
أبو نعيم قال حدثنا شعبة عن عبيد بن حسن عن عبدالرحمن بن معقل عن
عبدالرحمن بن بشر عن رجال من مزينة من أصحاب النبي عليه السلام من الظاهرة
عن أبجر أو ابن أبجر أنه قال يا رسول الله لم يبق لي شيء أستطيع أن أطعمه
أهلي إلا حمر لي قال أطعم أهلك من سمين مالك فإنما كرهت لكم جوال القرية
فاحتجوا بهذا الحديث في إحلال الحمر الأهلية وقالوا إنما كرهها رسول الله
صلى الله عليه و سلم لأنها كانت تاكل القذر كما كره الجلالة
وحدثنا أحمد بن محمد بن أزدي قال حدثني إسماعيل بن يحيى المزني قال حدثنا
الشافعي قال أخبرنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد عن أيوب السختياني عن محمد بن
سيرين عن أنس بن مالك أن رسول الله جاءه جاء
فقال أكلت الحمر ثم جاءه جاء فقال فنيت الحمر فأمر رسول الله
مناديا فنادى إن الله عز و جل ورسوله عليه السلام ينهيانكم عن لحوم الحمر
الأهلية فإنها رجس فكفئت القدور وانها لتفور
قال أبوجعفر فهذا ما فيه من المسند
وأما ما جاء عن الصحابة فحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال
حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد كانت
عائشة رضي اللة عنها إذا ذكر لها النهى عن كل ذي ناب من السباع قالت إن
الله عز و جل يقول قل لا أجد في ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن
يكون ميتة الآية
قال أبوجعفر وهذا اسناد صحيح لا مطعن فيه
قال وحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا شبابة عن
ورقاء عن عمرو بن دينار قال كان جابر بن عبدالله ينهى عن لحوم الحمر ويأمر
بلحوم الخيل وأبي ذلك ابن عباس وتلا قل لا أجد في ما أوحى إلي محرما على
طاعم يطعمه حكى ذلك عمرو عن طاووس عن ابن عباس
وأما ما فيه عن التابعين فحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا المزني قال
حدثنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي
اسحاق قال ذكرت لسعيد بن جبير حديث بن أبي أوفى في النهي عن
لحوم الجمر فقال إنما كانت تلك الحمر تأكل القذر
قال وحدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا يحيى بن
عباد عن يونس قال قلت للشعبي ما تقول في لحم الفيل فقال قال الله عز و جل
قل لا أجد في ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الآية
قال أبو جعفر وهذه الأحاديث كلها تعارض بسنة رسول الله الثابتة عنه فأما
معارضتها فإن الحديث المسند الذي فيه قول الرجل للنبي صلى الله عليه و سلم
لم يبق لي شيء أطعمه أهلي إلا حمر لي قد يجوز أن تكون الحمر وحشية ويكون
أكلها جائزا وقد يجوز أن يكون أحلها له على الضروزة كالميتة
وأما الحديث الثاني حديث أنس الذي فيه من أمر النبي صلى الله عليه و سلم
مناديا ينادي بما نادى به ففيه دليل على تحريمها وهو قوله فإنها رجس
فالرجس بالحرام أشبه منه بالحلال وفيه فكفيت القدور والحلال لا ينبغي أن
يقلب
والذي تأوله سعيد بن جبير يخالف فيه
والذي روي عن عائشه وابن عباس يقال إن ابن عباس رجع عنه لما قال له
علي بن أي طالب إنك امرؤ تائه قد حرم رسول الله صلى الله عليه و
سلم المتعة ولحوم الحمر الأهلية فرجع عن قوله وقال بتحريم المتعة وأكل
الحمر الأهلية
ومع هذا فليس لأحد مع الرسول صلى الله عليه و سلم حجة
ومع هذا فإن ابن عباس يقول لا يحل أكل لحوم الخيل فقد أخرج الخيل من الآية
والحمر أولى وقوله في الخيل قول مالك
وأبي حنيفة
والقول الثالث في أن الآية محكمة وأن المحرمات داخلة فيها قول نظرى لأن
التذكية إنما تؤخذ توقيفا فكل ما لم توجد تذكيته بالتوقيف فهو ميتة داخل
في الآية
والقول الرابع أن نضم إلى الآية ما صح عن النبي قول حسن فيكون داخلا في
الاستثناء الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو كذا أو كذا
وهذا قول الزهري ومالك بن أنس ألا ترى أن الزهري كان يقول بتحليل كل ذي
ناب من السباع حتى قدم الشام فلقى أبا إدريس الخولاني فحدثه عن أبي ثعلبة
الخشني عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه حرم كل ذي ناب من السباع فرجع
إلى قوله وكذا صح قال مالك لما سئل عن كل ذي مخلب من الطير فقال ما أعلم
فيه نهيا وهو عندي حلال
وقد صح عن النبي تحريم كل ذي مخلب من الطير غيرأن الحديث لم يقع
إلى مالك رحمه الله فعذر بذلك
والقول الخامس أن الاية جواب قول حسن صحيح وهو قريب من القول الذي قبله
لأنها إذا كانت جوابا فقد اجيبوا عما سألوا عنه وثم محرمات لم يسئلوا عنها
فهي محرمة بحالها
والدليل على أنها جواب أن قبلها قل الذكرين حرم أم الأنثين وما معه من
الاحتجاج عليهم
وهذا القول الخامس مذهب الشافعي
وفي هذه السورة شيء قد ذكره قوم هو من الناسخ والمنسوخ بمعزل ولكنا نذكره
ليكون الكتاب عام الفائدة
قال الله عز و جل ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق ففي هذا
أربعة أقوال فمن الناس من قال هي منسوخة بقوله
جل وعز وطعام الذين أوتوأ الكتاب حل لكم المائدة 5 وهم يذكرون
غير اسم الله جل وعز على ذبائحهم ومنهم من قال هي محكمة لا يحل أكل ذبيحة
الا أن يذكر اسم الله عز و جل عليها فإن تركه تارك عامدا أو ناسيا لم تؤكل
ذبيحته والقول الثالث أن تؤكل إذا نسي أن يسمي
والقول الرابع أن تؤكل ذبيحة المسلم وإن ترك التسمية عامدا أو ناسيا
وفلقول الأول قول عكرمة قال في قول الله عز و جل ولا تأكلوا مما لم
يذكراسم الله عليه قال فنسخ ذلك واستثنى منه فقال اليوم أحل لكم الطيبات
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم المائدة 5 واحتج بعضهم لهذا القول بأن
القاسم بن مخيمرة سئل عن ذبيحة النصارى هل تؤكل إذا سموا عليها بغير اسم
الله عز و جل فقال نعم تؤكل ولو قالوا عليها باسم جرجس
قال أبو جعفر وهو قول مكحول وعطاء قال قد علم الله عز و جل ذلك منهم وأباح
ذبائحهم وهو قول ربيعة وهو يروى عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وهذا
القول لو كان إجماعا لما وجب أن يكون فيه دليل على نسخ الآية ولكان
استثناء
على أنه قد صح عن جماعة من الصحابة كراهة ذلك منهم علي بن أبي ا طالب قال
إذا سمعته يقول باسم المسيح فلا تأكله فإنه مما أهل لغير الله به
وإذا لم تسمع فكل لأنه قد أحل لك ذلك ا وهو قول عائشة وابن عمر
رضي الله عنهما وكره ذلك مالك رحمه الله ولم يحرمه
والقول الثاني أنه لا يحل أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عز و جل في العمد
والنسيان قول الحسن وابن سيرين والشعبي وعارضه محمد بن جرير وقال لو لم
يكن من فساده إلا أن العلماء على غيره والجماعة لكان ذلك كافيا من فساده
قال أبو جعفر وقد ذكرنا من قال به من العلماء حدثنا أحمد بن محمد الأزدي
قال حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال حدثنا حماد عن داود عن الشعبي
قال لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
قال أبو جعفر وهذا أيضا مذهب أبي ثور
والقول الثالث أنه إذا ذبح فنسى التسمية أكلت ذبيحته قول سعيد بن جبير
والنخعي ومالك وأبي حنيفة ويعقوب ومحمد والحجة لهم أن ظاهر الآية يوجب أن
لا تؤكل ذبيحة من ترك ذكر اسم الله عامدا ولا ناسيا ألا ترى أن فيها وإنه
لفسق فخرج بهذا النسيان لأنه لايقال لمن نسي فسق
والقول الرابع أنه تؤكل ذبيحة المسلم وإن ترك التسمية عامدا غير متهاون قول ابن عباس كما قرىء على أحمد بن شعيب بن علي عن عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال حدثنا سفيان قال حدثنا هارون بن أبي وكيع عن أبيه عن ابن عباس في قول الله ولا يأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال خاصمهم المشركون فقالوا ما ذبح لا تأكلونه وما ذبحتم أكلتموه فهذا من أصح ما مر وهو داخل في المسند وخبر ابن عباس بسبب نزول الآية فوجب أن يكون ما لم يذكر اسم الله عليه يعني به الميتة وما ذبحه المشركون غير أهل الكتاب وما ذبحه المسلمون وأهل الكتاب مأكول وإن لم يذكر اسم الله عليه واحتج ابن عباس فقال اسم الله مع المسلم وهذا القول هو الصحيح من قول الشافعي وقد حكى حيوة بن شريح عن عقبةبن مسلم أنه قال يؤكل ما ذبحوا لكنائسهم لأنه من طعامهم الذي
أحله الله لنا قال فقلت له فقد قال الله عز و جل وما أهل لغير
لله به فقال إنما ذلك ذبائح أهل الأوثان والمجوس
وفي هذه السورة وأعرض عن المشركين روى عن ابن عباس قال نسخ هذا قاتلوا
الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر
وقال غيره ليس هذا بنسخ وأنما هذا من قولهم أعرضت عنه أي لم أبسط إليه
واشتقاقه من أوليته عرض وجهي وهذا واجب أن يستعمل مع المشركين وأهل
المعاصي قال الله عز و جل أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
وفي هذه السورة إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم شيء الآية
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام
قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله
عز و جل ا إن الذين فرقوا دينهم قال اليهود والنصارى تركوا الإسلام والدين
الذي أمروا به وكانوا شيعا فرقا أحزابا مختلفة لست منهم في شيء نزلت بمكة
ثم نسخها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر الآية
قال أبو جعفر وقال غيره ليس في هذا نسخ لأنه معروف في اللغة أن يقال لست من فلان ولا هو مني إذا كنت مخالفا له منكرا عليه ما هو فيه وحكى سيبويه أنت مني فرسخا أي ما دمنا نسير فرسخا على أنه قد روى أبو غالب عن أبي أمامة عن النبي في قول الله عز و جل إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا قال هم الخوارج وإن بني اسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وتزيد هذه الأمة واحدة كلها في النار الا فرقة واحدة وهي الجماعة والسواد الأعظم فتبين بهذا الحديث وبظاهر الآية أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم أهل البدع لأنهم إذا ابتدعوا تجادلوا وتخاصموا وتفرقوا فليس النبي صلى الله عليه و سلم ولا الفرقة الناجية وهي الجماعةالظاهرة منهم في شيء لأنهم منكرون عليهم ما هم فيه مخالفون لهم فهذا من الناسخ والمنسوخ بمعزل
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الاعراف
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا
أبو عبيدة قال حدثنا يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن
عباس قال وسورة الأعراف نزلت بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر لم نجد فيها مما يدخل في الناسخ والمنسوخ الا آية
واحدة مختلفا فيها قال الله جل وعز خذ العفو الأعراف 119
فيها خمسة أقوال من العلماء من قال هي منسوخة بالزكاة المفروضة ومنهم من
قال هي منسوخة بالأمر بالغلطة على الكفار ومنهم من قال خذ العفو أي الزكاة
المفروضة ومنهم من قال هو حق في المال سوى الزكاة ومنهم من قال هو أمر
بالاحتمال وترك الغلظة والفظاظة غير منسوخ
فممن روى عنه أنها منسوخة بالزكاة ابن عباس قال خذ العفو يقول خذ ما عفا
وما أتوك به قال وكان هذا قبل أن تنزل برآءة بفرض الزكاة وتفصيلها وجعلها
في مواضعها
وقال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن وحدثنا جعفر بن مجاشع قال
حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا حسين
ابن الاسود عن عمر وعن أسباط عن السدي خذ العفو قال الفضل من
المال نسخته الزكاة
والقول الثاني أنها منسوخة بالغلظة قول ابن زيد قال خذ لأ العفو فأقام
النبي بمكة عشر سنين لا يعرض أحد ولا يقابله ثم لم أمره الله عزوجل أن
يقعد لهم كل مرصد وأن لا يقبل منهم إلا الإسلام وأنزل يا أيها النبي جاهد
الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وقال جل وعز قاتلوا الذين يلونكم من الكفار
وليجدوا فيكم غلطة
فنسخ هذا العفو
والقول الثالث أن العفو الزكاة قول مجاهد وكان إبراهيم بن محمد بن عرفة
يميل إلى هذا القول قال لأن الزكاة يسير من كثير
والقول الرابع أن العفو شيء في المال سوى الزكاة قول القاسم وسالم قالا هو
فضل المال ما كان عن ظهر غنى
والقول الخامس قول عبدالله وعروة ابني الزبير كما قرىء على أحمد
بن شعيب عن هاررن بن إسحاق قال حدثنا عبدة عن هشام بن عروة صح عن أبيه عن
ابن الزبير قال إنما أنزل الله عز و جل خذ العفو من أخلاق الناس
وهذا أولى ما قيل في الآية لصحة إسناده وأنه عن صحابي يخبر بنزول الاية
وإذا جاء الشيء هذا المجيء لم يسع أحدا مخالفته والمعنى عليه خذ العفو أي
السهل من أخلاق الناس رلا تغلظ عليهم ولا تعنف بهم وكذا كانت أخلاقه صلى
الله عليه و سلم أنه ما لقى أحدا قط بمكروه في وجهه ولا ضرب أحدا بيده
وقيل لعاثشة رضوان الله عليها ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم
الذي مدحه الله عز و جل به فقال تعالى وإنك لعلى خلق عظيم فقالت رضي الله
عنها كان خلقه ا لقرآن
وقال محمد بن جرير إن هذا أمر النبي صلى الله عليه و سلم في الكفار أمره
بالرفق بهم ؤاستدل على أن في المشركين أن ما قبله وما بعده فيهم قال لأن
قبله احتجاجا عليهم قل أدعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون وبعده وإخونهم
يمدونهم في الغي
وخالفه غيره فقال أمر النبي بالأخلاق السهلة اللينة لجميع
الناس بل هذا للمسلمين أولى وقد قال ابن الزبير وهو الذي فسر
الآية والله لأستعملن الأخلاق السهلة ما بقيت كما أمر الله عز و جل
وفي الآية وأمر بالعرف قال عروة والسدي العرف المعروف قال أبو جعفر والذي
قالا معروف في اللغة يقال أولاني معروفا وعرفا وعارفة وفي الحديث العرف أن
تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك وهذا من كلام العرب ومن اختصار
القرآن المعجز لأنه قد اجتمع في قوله وامر بالعرف هذه الخصال الثلاث ويدخل
فيه الأمر بالمعروف والقبول عن الله عز و جل ما أمر به وما ندب إليه هذا
كله من العرف
وفيها وأعرض عن الجاهلين وزعم ابن زيد أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال وقال
غيره ليست بمنسوخة وإنما أمر باحتمال من ظلم وما بعد هذه الآية أيضا يدل
على أن القول كما قال ابن الزبير وأنه صلى الله عليه و سلم امر بالسهل من
الأخلاق وترك الغلطة لأن بعدها وأما ينزعنك من الشيطان نزع وإي يغضبنك من
الشيطان وسوسة وتحميل على ترك الاحتمال فاستعذ بالله أي فاستجر به مما عرض
لك انه سميع لاستجارتك وغيرها عليم بما يزيل لك ما عرض لك
وبعدها أيضا ما يدل على ما قال عز و جل إن الذين اتقوا أي اتقوا الله عز و جل بادآء فرائضه وترك معاصيه إذا مسهم طائف من الشيطان أي عارض ووسواس منه تذكروا وعد الله تعالى ووعيده وعقابه فإذا هم مبصرون الحق آخذون بما أمرهم الله عز و جل به من التحامل عند الغضب والغلظة على من قد نهوا عن الغلظة عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الانفال
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بن المزرع بإسناده عن ابن عباس قال ونزلت
سورة الأنفال بالمدينة فهي مدنية قال جل وعز يسئلونك عن الانفال الآية
للعلماء في هذه الآية خمسة أقوال فأكثرهم على أنها منسوخة بقول الله عز و
جل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه
واحتج بعضهم بأنها لما كانت من أول ما نزل بالمدينة من قبل أن يؤمر بتخميس
الغنائم وكان الأمر في الغنائم كلها إلى النبي صلى الله عليه و سلم وجب أن
تكون منسوخة بجعل الغنائم حيث جعلها الله عزوجل
وقائلوا هذا القول يقولون الأنفال ههنا الغنائم ويجعل بعضهم اشتقاقه من
النافلة وهي الزيادة قال فالغنائم أنفال لأن الله عز و جل نفلها أمة محمد
صلى الله عليه و سلم خصهم بذلك
وقال بعضهم ليست بمنسوخة وهي محكمة وللأئمة أن يعملوا بها
فينقلوا من شاءوا اذا كان في ذلك صلاح المسلمين
واحتجوا أن هذا هي الأنفال على الحقيقة لا الغنائم لأنها زيادات يزاد بها
الرجل على غنيمته أو يزيدها الإمام من رأى
والقول الثالث أن الأنفال ما شذ من العدو من عبد أو دابة فللإمام أن ينفل
ذلك من شاء إذا كان صلاحا
والقول الرابع أن الأنفال أنفال السرايا خاصة
والقول الخامس أن الأنفال الخمس خاصة سألوا لمن هو فأجيبوا بهذا
قال أبو جعفر فممن روي عنه القول الأول ابن عباس من رواية ابن أبي طلحة
قال الأنفال الغنائم التي كانت خالصة للنبي صلى الله عليه و سلم ليس لأحد
فيها شيء ثم أنزل الله عز و جل واعلموا أنما غنمتم من شيء وهو قول مجاهد
كما حدثني علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن
جريج قال أخبرني سليم مولى أبي علي عن مجاهد قال نسخت نسخها واعلموا أنما
غنمتم من شيء فأن لله خمسة وهو قول عكرمة كما قرىء على
إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب بن ابراهيم قال حدثنا وكيع قال
حدثنا اسرائيل عن جابر عن مجاهد وعكرمة قالا كانت الأنفال لله عزوجل
وللرسول صلى الله عليه و سلم ثم نسخ ذلك قوله تعالى واعلموا انما غنمتم من
شىء فان لله خمسه وهو أيضا قول الضحاك والشعبي والسدي وأكثر الفقهاء لأن
أكثرهم يقول لا يجوز للإمام أن ينفل أحدا شيئا عن الغنيمة إلا من سهم
النبي صلى الله عليه و سلم لأن الأسهم الأربعة قد صارت لمن شهد من الجيش
الحرب وكذا قال الشافعي رحمه الله في السهم الخامس سهم النبي صلى الله
عليه و سلم يكون للأئمة والمؤذنين أي لما فيه صلاح المسلمين وكذا التنفيل
منه
والقول على هذا أن الاية منسوخة إذ صارت الأنفال تقسم خمسة أقسام وإذ كان
بعض الفقهاء يقول تقسم ثلاثة أقسام وكان بعضهم يقول إنما ذكرت الأصناف
التي يجب أن يقسم السهم فيها فإن دفع الى بعضها جاز فهذا كله يوجب أن
الأية منسوخة لأنهم قد أجمعوا على أن الأربعة
الأسهم لمن شهد الحرب وإنما الاختلاف في السهم الخامس
ومما يحقق أنها نسخها حديث سعد بن أبي وقاص في سبب نزولها كما قرىء على
محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا سماك بن
حرب قال حدثني مصعب بن سعد عن أبيه قال إني أنزل في القرآن في أيات وذكر
الحديث فقال فيه وأصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم غنيمه عظيمة فإذا
فيها سيف فأخذته فأتيت به رسول الله فقلت نفلنيه فانا من قد علمته قال رده
من حيث أخذته فانطلقت به حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتنى نفسي
فرجعت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقلت أعطنيه قال فشد صوته وقال رده
من حيث أخذته فأنزل الله عز و جل يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله
والرسول
وحكى أبو جعفر بن رشدين عن عمرو بن خالد قال القبض الموضع الذي
تجمع الغزاة فيه ما غنموا
وقرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني عبدالله بن
وهب قال أخبرني أبو صخر عن القرظي قال أبو صخر وحدثنى أبو معاوية البجلي
عن سعيد بن جبير أن سعدا ورجلا من الأنصار خرجا يتنفلان فوجدا سيفا ملقى
فخرا عليه جميعا فقال سعد هو لي وقال الأنصاري هو لي قال لا أسلمه حتى آتي
رسول الله صلى الله عليه و سلم فقصا عليه القصة فقال رسول الله ليس لك يا
سعد ولا للأنصاري ولكنه لي فنزلت
يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوأ الله وأصلحوا
ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين
يقول سلما السيف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نسخت هذه الآية
فقال عز و جل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه و للرسول ولذى
القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إلى آخر الآية
قال أبو جعفر هذه الزيادة حسنة وإن كانت غير متصلة فإنها عن سعد في سبب
نزول الآية ثم ذكر نسخها وقد سمعت أحمد بن محمد بن سلامة يقول قال لي أحمد
بن شعيب نظرت في حديث يحيى بن سليمان عن ابن وهب فما رأيت شيئا أنكره إلا
حديثا واحدا ثم دف بيحيى في الحديث
والقول الثاني أنها غير منسوخة وأن للإمام أن يزيد من حضر الحرب على سهمه
لبلاء أبلاه أو لغناء أتاه وأن له أن يرضخ لمن لم يقاتل إذا كان في ذلك
صلاح للمسلمين يتأول قائل هذا ما صح عن ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال
حدثنا عبدالله بن يوسف قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن القسام بن محمد قال
سمعت رجلا يسال عبدالله بن عباس عن الأنفال فقال
الفرس من النفل والسلب من النفل ثم عاد يسأله فقال ابن عباس ذلك
أيضا ثم عاد فقال ما الأنفال التي قال الله عز و جل في كتابه فلم يزل
يسأله حتى كاد يخرجه فقال ابن عباس ما مثل هذا أمثله مثل صبيغ الذي ضربه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية قبل نجد فيها عبدالله بن عمر
فغنموا إبلا كثيرة فطارت سهمانهم اثنى عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا
بعيرا بعيرا
قال أبوجعفر ففي هذا التنفيل ولم يقل فيه من الخمس
واحتج قائل هذا أيضا باللغة وأن معنى التنفيل في اللغه الزيادة وكان محمد
بن جرير يميل إلى هذا القول
والقول الثالث أن الأنفال ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال قول
عطاء والحسن كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال
حدثنا ابن نمير وأسباط عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قل
الأنفال لله والرسول قال الأنفال ما شذ من المشركين إلى
المسلمين من عبد أو امة أو متاع أو دابة فهو النفل كان للنبي صلى الله
عليه و سلم أن يصنع به ما شاء قال يحيى بن سليمان وحدثنا حفص بن غياث عن
عاصم بن سليمان عن الحسن قال فذلك الى الإمام يصنع به ما شاء
والقول الرابع أن الأنفال أنفال السرايا قول علي بن صالح بن حي
والقول الخامس أن الأنفال الخمس قول مجاهد رواه عنه ابن أبي نجيح قال قال
المهاجرون لم يخرج منا هذا الخمس فقال الله عز و جل هو لله وللرسول
فهذه خمسة أقوال وإن كان بعضها يدخل في بعض لأن قول من قال هو ما شذ من
المشركين إلى المسلمين يدخل في قول من قال للإمام أن ينفل وكذا قول من قال
هي أنفال السرايا وقول مجاهد هي الخمس ترجع إلى قول من قال التنفيل من
الخمس
واختلفوا أيضا في الآية الثانية من هذه السورة
باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى
فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير الأنفال 16
للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال منهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي
مخصوصة لأهل بدر لأنها فيهم نزلت ومنهم من قال هي محكمة وحكمها باق إلى
يوم القيامة
فممن قال هي منسوخة عطاء بن أبي رباح قال نسخها يا أيها النبي حرض
المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا
مائتين الى تمام الآيتين أي فنسخ التخفيف عنهم والإطلاق لهم أن
يولوا ممن هو أكثر من هذا العدد
والقول الثاني أنها مخصوصة قول الحسن كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري
بالأنبار قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح عن
الحسن قال ليس الفرار من الزحف من الكبائر إنما كان في أهل يدر خاصة هذه
الآية ومن يولهم يومئذ دبره
وقرىء على أحمد بن شعيب عن أبي داود قال حدثنا أبو زيد الهروى قال حدثنا
شعبة قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري قال نزلت
ومن يولهم يومئذ دبره
في أهل بدر
والقول الثالث أن حكمها باق إلى يوم القيامة قول ابن عباس كما حدثنا بكر
بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس وذكرالكبائر قال والفرار من الزحف لأن الله عز و جل قال
ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآء بغضب من
الله
قال أبو جعفر وهذا أولى ما قيل في الآية ولا يجوز أن تكون منسوخة لأنه خبر
ووعيد ولا ينسخ الوعيد كما لا ينسخ الوعد فإن قيل فحديث ابي سعيد الخدري
متصل الإسناد وقد خبر بنزول الآية في أهل بدر تجلهر فكيف يجوز خلافه
فالجواب إنه لعمري لا يجوز خلافه في مثل هذا والقول كما قال نزلت في أهل
بدر وحكمها باق الى يوم القيامة وأهل بدر كان رسول الله فئتهم فكان لهم أن
ينحازوا إليه وكذا كل إمام
والدليل على أن حكمها باق بما حدثناه علي بن الحسين كان حدثنا الحسن بن
محمد قال حدثنا عفان قاذ حدثنا أبر عوانة
قال حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن ابن
عمر قال كنت في غزوة مسالح رسول الله فلقينا العدو فحاص الناس حيصة ويقال
حاض الناس حيضة فكنت ممن حاص فرجعنا إلى أنفسنا فقلنا كيف يرانا المسلمون
وقد بؤنا بالغضب قال ثم قرأ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو
متحيزا إلى فئه فقد باء بغضب من الله فقلنا نأتي المدينة فنبيت بها ثم
نخرج فلا يرانا أحد فلما أتينا المدينة قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول
الله فرصدنا حتى خرج الى صلاة الفجر ققلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال
لا بل أنتم العكارون قلنا إنا قد هممنا بكذا وكذا قال لا أنا فئة للمسلمين
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئه
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث بيان معنى الآية لمن كان من أهل
العلم وذلك أن ابن عمر لم يقبله رسول الله للحرب إلا بعد يوم
بدر فتبين بهذا أن حكم الآية باق وتبين أن لمن حارب العدو إذا خاف على
نفسه أن ينحاز إلى فئة يتقوى بها
والعكارون الكرارون الراجعون يقال عكر وعكر واعتكر إذا كر ورجع فلما رجع
ابن عمر ومن معه إلى النبي صلى الله عليه و سلم قابلين منه كانوا هم
العاكرين الراجعين إلى ما كانوا عليه من بذل أنفسهم الى الجهاد والقبول من
الرسول صلى الله عليه و سلم ما يأمرهم به
واختلفوا أيضا في الآية الثالثة اختلافا كثيرا لأنها مشكلة
باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم
يستغفرون
للعلماء في هذه الآية خمسة أقوال قال الحسن نسخ وما كان الله معذبهم وهم
يستغفرون قوله عز و جل وما لهم الا يعذبهم الله
قال أبو جعفر النسخ ههنا محال لأنه خبر خبر الله به ولانعلم أحدا روي عنه
هذا إلا الحسن وسائر العلماء على أنها محكمة وقالوا فيها أربعة اقوال فمن
ذلك ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح عن معاوية بن صالح عن
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم قال يقول
سبحانه وما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم وماكان
الله معذبهم وهم يستغفرون قال يقول وفيهم من قد سبق له منه الدخول في
الإيمان وهو الاستغفار وما لهم ألا يعذبهم الله فعذبهم يوم بدر بالسيف
قال أبو جعفر شرح هذا وما كان الله معذبهم يعني الكفار جميعا
وقد علم أن فيهم من يسلم فيكون لهم يراد بهم البعض مثل قول العرب قتلنا
بني فلان وانما قتلوا بعضهم وما لهم ألا يعذبهم الله إذا سلم منهم من قد
سبق في علمه أنه يسلم فهذا القول يجوز إلا أن فيه هذا التعسف
وقال مجاهد وهم يستغفرون أي يسلمون وهذا كالأول
وروى أبو زميل عن ابن عباس وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون أي وما كان
معذبهم في الدنيا وهم يستغفرون وكانوا يقولون غفرانك وما لهم أن لا يعذبهم
الله في الآخرة
قال أبو جعفر وهذا القول ظاهره حسن إلا أن فيه أنهم انما استعجلوا بعذاب
الدنيا لا بعذاب الآخرة وأيضا فقد علم أنهم يعذبون في الآخره إن ماتوا على
الكفر
فهذان قولان لمن قال إنها محكمة
والقول الثالث قول الضحاك كما قرىء على ابراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب
بن إبراهيم قال حدثني وكيع قال حدثنا سلمة بن نبيط عن الضحاك في قوله وما
كان الله معذبهم وهم
يستغفرون قال المؤمنون من أهل مكة وما لهم ألا يعذبهم الله قال
الكفار من أهل مكة
قال أبو جعفر جعل الضميرين مختلفين وهو قول حسن وإن كان محمد بن جرير قد
أنكره لأنه زعم أنه لم يتقدم للمؤمنين ذكر فيكنى عنهم
وهذا غلط بين لأنه قد تقدم ذكر المؤمنين في غير موضع من السورة
فإن قيل لم يتقدم ذكرهم في هذا الموضع فالجواب أن في المعنى دليلا على
ذكرهم في هذا الموضع وذلك أن من قال من الكفار اللهم إن كان هذا هو الحق
من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء إنما قال هذا مستهزئا ومتعنتا ولو
قصد الحق لقال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ولكنه كفر
وأنكر أن يكون الله عز و جل يبعث رسولا يوحى إليه من السماء أي اللهم إن
كان هذا هو الحق من عندك فأهلك الجماعة من الكفار والمسلمين
فهذا معنى ذكر المسلمين فيكون المعنى كيف يهلك الله عز و جل المسلمين فهذا
معنى وما كان الله معذبهم يعني المؤمنين
قال وما لهم أن لا يعذبهم الله يعني الكافرين
وقول ابن أبزي كقول الضحاك وما كان الله معذبهم وهم
يستغفرون يعني الفئة المسلمة التي كانت بمكة فلما خرجوا قال
الله عز و جل وما لهم ألا يعذبهم يعني الكفار
والقول الخامس قول قتادة والسدي وابن زيد قالوا وهم يستغفرون أي لو
استغفروا
قال أبو جعفر وهذا أبين ما قيل في الآية ولا تعسف فيه كما أقول لا أسيء
إليك وأنت تحسن إلي أي لو أحسنت الي ما أسات إليك فيكون المعنى وما كان
الله معذبهم وهذه حالهم أي لو استغفروا من الكفر وتابوا وما لهم ألا
يعذبهم الله أي وما شأنهم وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم مصرون على الكفر
والمعاصي فقد استحقوا العذاب
واختلفوا أيضا في الآية الرابعة
باب ذكر الاية الرابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل وإن جنحوا للسلم فاجنح لها
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق عن معمر
عن قتادة وإن جنحوا للسلم قال للصلح فاجنح لها قال نسخها فاقتلوا المشركين
حيث وجدتموهم
وروي عن ابن عباس أن الناسخ لها فلا تهنوا وتدعوا إلىالسلم
قال أبو جعفر القول في أنها منسوخة لا يمتنع لأنه أمر بالإجابه الى الصلح
والهدنه بغير شرط فلما قال الله عز و جل فلاتهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم
الأعلون حظر الصلح والهدنة مع قوة اليد والاستعلاء على المشركين
والبين في باب النظر أن لا تكون منسوخة وأن تكون الثانية مبينة
للأولى
ومن العلماء من يقول في الآية الخامسة أنها منسوخة
باب ذكر الآية الخامسة من هذه السورة
قال الله عز و جل يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم
عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا
وفي رواية ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس قال نسخها الأن
خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا الأية
وقرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا يزيد بن هارون
قال أخبرنا جرير بن حازم عن الزبير بن خريت عن عكرمة عن ابن عباس قال كان
فرض على المسلمين أن يقاتل الرجل منهم العشرة من المشركين قال الله عز و
جل إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا
من الذين كفروا فشق ذلك عليهم فأنزل الله عز و جل التخفيف فجعل على الرجل
أن يقاتل الرجلين فخفف عنهم ونقصوا من النصر بقدر ذلك
قال أبو جعفر وهذا شرح بين حسن أن يكون هذا تخفيفا لا نسخنا لأن معنى
النسخ دفع حكم المنسوخ ولم يرفع حكم الأول لأنه لم يقل
فيه لا يقاتل الرجل عشرة بل إن قدر على ذلك فهو الاختيار له
ونظير هذا إفطار الصائم في السفر لا يقال إنه نسخ الصوم وإنما هو تخفيف
ورخصة والصيام له
أفضل قال ابن شبرمة وكذا النهي عن المنكر لا يحل له أن يفر من اثنين اذا
كانا على منكر وله أن يفر من أكثر منهما
ومن العلماء من ادخل الآية السادسة في الناسخ والمنسوخ
ذكر الآية السادسة من هذه السورة
قال الله عز و جل ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض حدثنا بكر
بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ما كان
لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض قال وذلك والمسلمون قليل يومئذ
قال فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله عز و جل بعد هذا في الأسرى فإما
منا بعد وإما فداء فجعل الله عز و جل النبي والمؤمنين في أمر الأسرى
بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وان شاءوا فادوهم
قال أبو جعفر وهذا كله من الناسخ والمنسوخ بمعزل لأنه قال جل وعز ما كان
لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض فاخبر بهذا فلما أثخن في الأرض
كان له أسرى واختلف في الحكم وسنذكر ذلك في لا موضعه إن شاء الله
وقد أدخلت الآية السابعة في الناسخ والمنسوخ
باب ذكر الآية السابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا الأنفال 69 فكان هذا ناسخا
لما تقدم من حكم الله عز و جل في حظر الغنائم لأنها لم تحل لأحد قبل أمة
محمد وإنما كانت تنزل نار من السماء فتأكلها
والدليل على صحة هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم لم تحل الغنائم لأحد
قبلنا وفي الحديث أنهم لما أسرعوا إليها أنزل الله عز و جل لولا كتاب من
الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم قيل المعنى لولا أن الله عز و جل سبق
منه أنه لا يعذب أحدا إلا بعد التقدم إليه لعاقبكم قبل وأكثر ما قيل لولا
أنه سبق من الله عز و جل أنه لا يعذب أحدا على صغيرة إذا اجتنب الكبائر
لعاقبكم
وفيه غير هذا قد ذكرته العلماء تقول في الآية الثامنة إنها منسوخة
باب ذكر الآية الثامنة من هذه السورة
قال الله عز و جل والذين ءامنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى
يهاجروا الأنفال 72
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أخبرنا عبدالرزاق قال
أخبرنا معمر عن قتادة في قوله عز و جل والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من
ولايتهم من شيء قال كان المسلمون يتوارثون بالهجرة كان الرجل إذا أسلم فلم
يهاجر لم يرث أخاه فنسخ ذلك قوله عز و جل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
في كتاب الله من المومنين والمهاجرين
وقرىء على علي بن سعيد بن بشير عن محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال
حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله آخى بين
أصحابه فكانوا يتوارثون
بذلك حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فتوارثوا بالنسب
قال أبو جعفر فتكلم العلماء على أن هذه الاية ناسخة التي قبلها وأن
التوارث كان بالهجرة والمؤاخاة فنسخ ذلك قال عكرمة فأقام الناس برهة من
الدهر لا يرث الأعرابي المهاجر ولا المهاجر الأعرابي حتى أنزل الله عز و
جل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين إلا أن
تفعلوا إلى أوليائكم معروفا الأحزاب 6 قال قتادة أي بالوصية
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة براءة
قال أبو جعفر لا أعلم اختلافا أنها من آخر ما نزل بالمدينة ولذلك قل
المنسوخ فيها ويدلك على ذلك ما حدثنا به أحمد بن عمر بن عبدالخالق قال
حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قالا حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا عوف
الأعرابي عن يزيد الفارسي قال حدثنا ابن عباس قال قلنا لعثمان بن عفان رضي
الله عنه ما حملكم على أن همدتم الى الأنفال وهي من المثاني وإلى برآءة
وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم
ووضعتهما في السبع الطول ما حملكم على هذا فقال كان رسول الله
تنزل عليه السور ذوات العدد فإذا نزلت عليه الآية قال اجعلوها في سورة كذا
وكذا فكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل
وكانت قصتها تشبه قصتها ولم يبين لنا رسول الله في ذلك شيئا فلذلك قرنت
بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم
قال وقريء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا أبو لو
أسامة قال حدثنا عوف وذكر بإسناده نحوه غير أنه زاد فيه قال عثمان رحمه
الله ورضي عنه فظننت أنها منها قال وكانتا تدعيان في زمان رسول الله
القرينتين فلذلك جعلتهما في السبع الطول
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث ظن عثمان أن الأنفال من براءة وتحتيق ابن
عباس أنها ليست منها وفيه البيان أن تأليف القرآن عن الله عز و جل وعن
رسول الله لا مدخل لأحد فيه ولو لم تكن في ذلك إلا كل الأحاديث المتواترة
أن رسول الله ط ذكر البقرة وآل عمران وسائر السور وأنة كان يقرأ في صلاة
كذا بكذا وأنه قرأ في ركعة بالبقرة وآل عمران وأنه
قال صلى الله عليه و سلم يأتيان يوم القيامة كانهما غمامتان أو
غيايتان وصح أن أربعة من أصحاب رسول الله كانوا يحفظون القرآن في وقته ولا
يجوز أن يحفظوا ما ليس مؤلفا
كما حدثنا أبو علي محمد بن جعفر بن محمد الأنباري قال حدثنا الحسن بن محمد
قال حدثنا شبابة قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال جمع القرآن على عهد
رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد
ومعاذ بن جبل
قال قتادة قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي
قال أبو جعفر وهؤلاء الأربعة من الأنصار هم الذين كانوا يقرءون أبو زيد
سعد بن عبيد من بني عمرو بن عوف من الأنصار وقال إلشعبي وأبو اللرداء احفظ
القرآن على عهد رسول الله ومجمع بن جارية بقيت عليه سورتان أو ثلاث قال
ولم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان وسالم مولى أبي حذيفة وكان بقي
عليه منه شيء
فإن قيل فقد أمر النبي بأخذ القرآن عنه قيل ليس في هذا دليل على
حفظه إياه كله ولكن فيه دليل على أمانته
ومما يدلك على أن القرآن كان مؤلفا في عهد رسول الله ما حدثنا أحمد بن
محمد الأزدي قال حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمران
القطان عن قتادة عن أبي بكر الهذلي عن أبي رافع قال قال رسول الله أعطيت
السبع مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الزبور وأعطيت المثاني مكان
الإنجيل وفضلت بالمفصل
قال أبو جعفر فهذا التأليف من لفظ رسول الله وهذا أصل من أصول
المسلمين لا يسعهم جهله لأن تأليف القرآن من إعجازه ولو كان التأليف عن
غير الله عز و جل ورسوله عليه السلام لسوعد بعض الملحدين على طعنهم
وقد أشكل على بعض أصحاب الحديث ما طعن به بعض أهل الأهواء بالحديث أن
عثمان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يجمع القرآن وضم إليه جماعة فتوهم
أن هذا هو التأليف وهذا غلط غظيم
وقد تكلم العلماء في معنى هذا بأجوبة فمنهم من قال إنه أنما أمر بجمعه وإن
كان مجموعا لأنهم كانوا يقرءونه على سبعة أحرف فوقع بينهم الشر والخلاف
فأراد عثمان رضي الله عنه أن يختار من السبعة حرفا واحدا هو أفصحها ويزيل
الستة
قال أبو جعفر وهذا من أصح ما قيل فيه لأنه مروي عن زيد بن ثابت أنه قال
هذا
ويدلك على صحته أن زيد بن ثابت كان يحفظ القرآن فلا معنى لجمعه اياه على
هذا أو ما أشبهه
وقد قيل إنما جمعه وان كان يحفظه لتقوم حجته عند أمير المؤمنين عثمان رضي
الله عنه أنه لم يستبد برأيه
وقد عارض بعض الناس في هذا فقال لم خص زيد بن ثابت بهذا وفي
الصحابة من هو أكثر منه منهم عبدالله بن مسعود وأبو موسى الأشعرى وغيرهما
واحتج بما حدثناه إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا شعيب بن أيوب قال
حدثنا يحيى بن ادم قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن ذر عن عبدالله أن
أبا بكر وعمر زضي الله عنهما بشراه بأن رسول الله قال من أراد أن يقرأ
القرآن غضا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد
قال فالجواب عن هذا أن زيد بن ثابت قدم لأشياء لم تجتمع لغيره منها أنه
كان يكتب الوحي لرسول الله نض ومنها أنه كان يحفظ
القرآن في عهد رسول الله ومنها أن قراءته كانت على آخر عرضة
عرضها النبي على جبريل عليه السلام
وقول النبي في عبدالله بن مسعود ما قال قد تأوله هذا المعارض على غير
تأويله وليس التأويل على ما ذهب إليه ولو كان على ما ذهب إليه ما وسع أحدا
أن يقرأ إلا بحرف عبدالله والتأويل عند أهل العلم منهم الحسين بن علي
الجعفي أن عبدالله بن مسعود كان يرتل القرآن فحضر النبي على ترتيل مثل
ترتيله لاغير
ويدلك على ذلك الحديث أنه سئل عن طسم فقال لا أحفظها سل خبابا عنها
فإن قيل فقد حضر ابن مسعود العرضة الأخيرة
قيل له قد ذكرنا ما لزيد بن ثابت سوى هذا
على أن حرف عبدالله الصحيح أنه موافق لمصحفنا يدلك على ذلك أن أبا بكر بن
عياش قال قرأت على عاصم وقرأ عاصم على ذر وقرأ ذر على عبدالله وقرىء على
أحمد بن شعيب بن علي عن محمد بن بشار قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن
أبي اسحاق قال
سمعت البراء بن عازب يقول آخر آية نزلت آية الكلالة وآخر سورة
نزلت برآءة
قال أبو جعفر وقد ذكرنا أنه لا يكاد يوجد فيها منسوخ لهذا فأما الناسخ
فيها فكثير
وقد اختلف في الآية الأولى منها
باب ذكر الآية الأولى من هذه السوره
قال الله عز و جل براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر
للعلماء في هذه الآية سبعة أقوال منها ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا
محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس
قال كان لقوم عهود فأمر الله جل وعز النبي أن يؤجلهم أربعة أشهر يسيحون
فيها فلا عهد لهم بعدها وأبطل ما بعدها وكان قوم لا عهود لهم فأجلهم خمسين
يوما عشرين من ذي الحجة والمحرم كله فذلك قوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فهذا فهذا قول
والقول الثاني رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أجل من له عهد أربعة أشهر
ولم يقل فيه أكثر وبهذه الرواية فيمن لا عهد له كالأولي
والقول الثالث أنهم صنفان صنف عاهده النبي صلى الله عليه و سلم أقل من
أربعة أشهر وصنف عاهده إلى غير أجل فرد الجميع إلى أربعة أشهر
والقول الرابع أنهم صنفان أيضا صنف عوهد إلى أقل من أربعة اشهر
فأتمت له اربعه اشهر وصنف عوهد الى أربعة أشهر فأمر بالوفاء له قال عز و
جل فأتموا إليهم عهدهم الى مدتهم
والقول الخامسن أنه رد الجميع الى أربعة أشهر من عوهد إلى أقل منها أو
أكثر
قال أبو جعفر وهذا قول مجاهد والسدي قالا أول هذه الأشهر التي هي أشهر
السياحة يوم الحج الأكبر الى عشر يخلون من شهر ربيع الاخر وسميت الحرم لأن
القتال كان فيها محرما
قال أبوجعفر وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا
عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري فسيحوا في الأرض أربعة أشهر قال شوال
وذو القعدة وذو الحجةوالمحرم
قال أبو جعفر ولا أعلم أحدا قال هذا إلا الزهري والدليل على غير قوله صحة
الرواية أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنما قرأ عليهم هذا ونبذ العهد
اليهم يأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذي الحجة يوم الحج الأكبر
فيجب أن يكون هذا أول الشهور
وقال من احتج للزهري إنما حمل هذا على نزول برآءة
قال أبو جعفر وهذا غلط كيف ينبذ العهد إليهم وهم لا يعلمون وأيضا فإن
النبي صلىالله عليه وسلم وجه أبا بكر رضي الله عنه يحج بالناس سنة تسع ثم
اتبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه الآيات ليقرأها في الموسم ودل
هذا على أنه قد نسخ بها ما كان النبي صلى الله عليه و سلم أقر المشركين
عليه من حجهم البيت وطوافهم به عراة وسنذكر الحديث بهذا
والقول السابع أن الذين نبذ إليهم العهد وأحلوا أربعة أشهر هم الذين نقضوا
العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بنبذ العهد
إليهم وتأجيلهم أربعة أشهر فأما من لم ينقض العهد فكان مقيما على عهده قال
الله عز و جل فما أستقاموا لكم فاستقيموالهم ومن لم يكن له عهد أجل خمسين
يوما كما قال ابن عباس وهذا أحسن ما قيل في الآية وهو معنى قول قتادة
والدليل على صحته ما حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال
حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر بن اسحاق الهمداني عن زيد بن يثيع عن علي
بن أبي طالب رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بأربع
لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا نفس مؤمنة
وأن يتم لكل ذي عهد عهده
قال أبو جعفر فإن قيل فقد روى في الرابعة وأن ينبذ إلي كل ذي
عهد عهده فالجواب أنه يجوز أن يكون هذا لمن نقض العهد على أن الرواية
الأولى أولى وأكثر وأشبه والله أعلم
وقد حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان
عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال لم يعاهد رسول الله بعد هذا أحدا وقال
السدي لم يعاهد رسول الله بعد هذا إلا من كان له عهد قبل
قال أبو جعفر هذا وإن كان قد روى فالصحيح غيره وقد عاهد النبي بعد الآن
جماعة منهم أهل نجران قال الواقدي عاهدهم وكتب لهم سثة عشر قبل وفاته
بيسير
وقد اعترض قوم من أهل الأهواء فقالوا قد أجلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أهل نجران إلى الشام بعد أن أمنهم رسول الله وكتب لهم كتابا أن لا يحشروا
وأرادوا بهذا الطعن على عمر رضي الله عنه وهذا جهل ممن قاله أو عناد لأن
الأعمش روى عن سالم بن أبي الجعد قال أمن رسول الله أهل نجران وكتب لهم أن
لا يحشروا ثم كتب
لهم بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد رسول الله ثم كتب لهم
ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكثروا حتى صاروا أربعين ألف مقاتل فكره
عمرأن يميلوا على المسلمين فيفرقوا بينهم وقالوا لعمر رضي الله عنه نريد
أن نتفرق ونخرج إلى الشام فاغتنم ذلك منهم وقال نعم ثم ندموا فلم يقلهم
فلما ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتوه فقالوا كتابك بيمينك وشفاعتك
بلسانك فقال إن عمر رضي الله عنه كان رشيدا
وفي غير رواية سالم فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه اني ما قعدت هذا
المقعد لأحل عقدا عقده عمر رضي الله عنه إن عمر كان رجلا موفقا
وقريء على عمران بن موسى يعرف بابن الطبيب عن أبي يعقوب إسحاق
بن ابراهيم بن يزيد بن ميمون قال حدثنا أبو دارد الحفري قال حدثنا سفيان
الثوري عن الأعمش عن أبي وائل قال عبد الله بن مسعود لو وضع علم عمر رضي
الله عنه في كفة ووضع علم أحياء العرب في كفة لرجح علم عمر ولقد كنا نقول
ذهب عمر بتسعة أعشار العلم
وقرىء على عمران بن موسى عن أبي إسحاق قال حدثنا الهيثم بن جميل قال حدثنا
عيسىبن يونس عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن عبدالله بن أبي مليكة عن ابن
عباس قال كنت فيمن يزدحم على عمر رضي الله عنه حين وضع على سريره فجاء
رجل من خلفي فوضع يده على منكبي فترحم وقال ما من أحد لقي الله
في عز و جل بعلمه أحب الى من هذا أن كنت أظن ليجمعنه الله عز و جل مع
صاحبيه كنت أسمع رسول الله يقول كنت أنا وأبو بكروعمر وقلت أنا وأبو بكر
وعمر وكنت أظن ليجمعنك الله معهما فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب رضي
الله عنه
فهذا قول علي بن أبي طالب بالأسانيد الصحاح فلا مطعن لمن طعن على شيء
بغيره من ينتحل محبته
وقد قرىء على أحمد بن شعيب عن عمرو بن منصور قال حدثنا عبد الله بن مسلمة
قال حدثنا نافع عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن
الله عز و جل جعل الحق على لسان عمر و وقلبه
والروايات بمثل هذا كثيرة ولم نقصد جمعها وإنما قصدنا بعضها لأن منه كفاية
وبيانا عما أردناه
وقد اختلف العلماء في الآية الثانية من هذه السورة
باب ذكر الاية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
الآية للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال فمنهم من قال هي منسوخة وقال لا
يحل قتل أسير صبرا وإنما يمن عليه أو يفادى وقالوا الناسخ لها قوله عز و
جل فأما منا بعد وإما فداء
فممن قال هذا الحسن رواه عنه أشعث أنه كان يكره قتل الأسير صبرا قال فأما
منا بعد وإما فداء وهذا قول الضحاك والسدى قالا نسخ فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم قوله عز و جل فأما منا بعد وإما فداء وهذا قول عطاء كما قرىء على
أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني
ابن جريج عن عطاء في قوله عز و جل فأما منا بعد وإما فداء قال هذا في
الأساري إما المن وإما الفداء وكان ينكر القتل صبرا
قال أبو جعفر فهذا قول ومن العلماء من قال لا يجوز في الأسارى
من المشركين إلا القتل ولا يجوز أن يؤخذ منهم فداء ولا يمن عليهم وجعلوا
قوله عز و جل فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ناسخا لقوله فأما منا بعد
وإما فداء
هذا قول قتادة ومروي عن مجاهد كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن
يحيى بن سليمان قال حدثنا عبدالله بن ادريس قال سمعت ليثا يحدث عن مجاهد
قال نسخت هذه الآية فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قوله عز و جل فإما منا
بعد وإما فداء فإما السيف والقتل وإما الإسلام
والقول الثالث أن الآيتين جميعا محكمتان وهو قول ابن زيد وهو صحيح جيد بين
لأن إحداهما لا تنفي الأخرى قال الله عز و جل فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم وخذوهم أي خذوهم أسرى للقتل أو المن أو الفداء فيكون الإمام ينظر
في أمور الأسارى على ما فيه الصلاح من القتل أو المن أو الفداء
وقد فعل هذا كله رسول الله في حروبه فقتل عقبة بن أبي معيط
والنضر بن الحارث أسيرين يوم بدر ومن على قوم وفادي بقوم
وحدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب
عن أنس أن رسول الله دخل مكة وعليه المغفر فقيل له ان بن خطل متعلق بأستار
الكعبة فقال اقتلوه قال أبو جعفر وهذا في أعداد الأسارى وقد أمر النبي
بقتله
وحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا فهد بن سليمان قال حدثنا يوسف بن
بهلول قال حدثنا عبدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس بن عبد المطلب
حمل أبا سفيان على عجز بغلته في الليلة التي كان صبيحتها ما كان من دخول
رسول الله مكة قال العباس فكنت إذا مررت بنارالمسلمين قالوا من هذا فإذا
نظروا قالوا عم رسول الله حتى مررت
بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا وقام إلي ورآه في عجز البغلة
فقال أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منك ومر يشتد إلى رسول الله فركضت
البغلة فسبقت كما تسبق الدابة الرجل البطيء ثم اقتحمت فدخلت على رسول الله
ثم جاء عمر فدخل فقال يا رسول الله صلى الله عليك هذا أبو سفيان قد أمكن
الله منه بلا عهد ولا ميثاق فدعني فأضرب عنقه فقلت يا رسول الله اني قد
أمنته
قال أبو جعفر فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد قتل أبي سفيان وهوأسير
فلم يقل له رسول الله لا يجوز قتل الأسير ولا أنكرعليه ما قاله من همه
بقتله
ففي هذا بيان أن الآية محكمة
وقد أدخلت الآية الثالثة في الناسخ والمنسوخ
ذكر الآية باب الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم
هذا فكانت هذه الآية ناسخة لما كان رسول الله صالح عليه المشركين أن لا
يمنع من البيت أحد وقد قال الله عز و جل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام
حتى يقاتلوكم فيه ومعنى فلا يقربوا المسجد الحرام من دخوله فإنهم إذا
دخلوه فقد قربوه والمسجد الحرام الحرم كله كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي
قال حدثنا عبد الملك ابن مروان الرقي قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج
عن عطاء قال قوله عزوجل فلا يقربوا المسجد الحرام يريدالحرم كله قال أبو
جعفر بعد عامهم هذا يعني سنة تسع وإن خفتم عيلة قال ابن عباس قالوا إذا لم
يحج الكفار خفنا الفقر إذا قل من نبايعه
واختلف العلماء في حكم هذه الأية وفي دخول المشركين الحرم وسائر المساجد
فقال عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس يمنع المشركرن كلهم
من أهل الكتاب وغيرهم من دخول الحرم ومن دخول كل المساجد
وهو قول قتادة قال لأنهم نجس قال وقيل لهم نجس لأنهم لا يستحمون من جنابة
وكذا لا يدخل المسجد جنب فهذا قول
وقال الشافعي رحمه الله يمنع المشركون جميعا من دخول الحرم ولا يمنعون من
دخول سائر المساجد
وقال أبو حنيفة ويعقوب ومحمد وزفر لا يمنع اليهود ولا النصارى من دخول
المسجد الحرام ولا من سائر المساجد لأن المشركين هم أهل الأوثان فجعلوا
قول الله إنما المشركون نجس مخصوصا به من لا كتاب له
قال أبو جعفر وهذا القول في كتاب الله نصا ما يدل على خلافه قال
الله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون
ما حرم الله ورسوله إلى قوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون
الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحدا لا إله إلا هو
سبحانه عما يشركون
فهذا شيء قاطع وإن أشكل على أحد أنهم لم يجعلوا لله عز وجك شريكا فكيف
يقال لهم المشركون
قيل له لهذا نظائر من أصول الدين يعرفها أهل اللغة وتحتاج الناس جميعا الى
معرفتها وهي الأسماء الديانية وذلك أنه يقال آمن بكذا إذا صدق ثم قيل مؤمن
لمن صدق بمحمد وهو اسم دياني وكذا منافق اسم وقع بعد الإسلام وكذا لكل ما
أسكر كثيره خمر اسم إسلامي كما صح عن رسول الله كل مسكر خمر وكذا كل من
كفر بمحمد مشرك وفي هذا قول آخر كان أبو اسحاق الزجاج يخرجه على أصول
الاشتقاق المعروفة قال لما كان محمد رسول الله قد جاء من البراهين من عند
الله عزوجل وكان من كفر به قد نسب ما لا يكون إلا من عند الله إلى غيرالله
عزوجل كان مشركا
وقد أدخلت الآية الرابعة في الناسخ والمنسوخ
باب ذكر الاية الرابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية
فمن العلماء من يقول هذه الآية ناسخة للعفو عن المشركين لأنه كان قتالهم
ممنوعا منه فنسخ الله عزوجل ذلك
كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون
بالله ولا باليوم الآخر فنسخ بهذا بالعفو عن المشركين
وقيل هذا ناسخ لقوله عزرجل فاقتلوا المشركين
وقيل بل هو تبيين لما قال الله جل وعز فاقتلوا المشركين وأمر في أهل
الكتاب بأخذ الجزية علم أنه يراد بالمشركين غيرأهل الكتاب
وقيل لما قال الله تعالى فاقتلوا المشركين وجب قتل كل مشرك إلا من نص الله
عليه من أهل الكتاب ومن قامت بترك قتله الحجة من النساء والصبيان ومن قامت
يأخذ الجزية منه الحجة وهم المجوس وقائل هذا يقول بقتل الرهبان إذا لم
يؤدوا الجزية لقول الله عز و جل فاقتلوا المشركين ولم تقم الحجة بتركهم
إلا بعد أداء الجزية بالآية الأخرى
ومن الفقهاء من يقول لا يقتل الرهبان إلا لم يؤدوا الجزية لأن
في نص القرآن ما يدل على ذلك يعرفه أهل اللسان الذين نزل القرآن بلغنهم
قال الله عز و جل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر وقاتلوا
في اللغه لا تكون الا من اثنين فخرج من هذا الرهبان والنساء والصبيان لأنه
ليست سبيلهم أن يقاتلوا ومعنى لا يؤمنون بالله لا يؤمنون بأنه لا معبود
إلا الله
قال سيبويه الأصل إله وقال الفراء الأصل الإله ثم ألقيت حركة الهمزة على
ابلام ثم ادغم فالتقدير قاتلوا الذين لا يؤمنون بالإله الذى لا تصلح
الألوهة إلا له لأنه ابتدع الأشياء ولا باليوم الآخر لأنهم لا يقرون بنعيم
أهل الجنة ولا بالنار لمن أعدها الله له حتى يعطوا الجزية وهي فعلة من جزى
فلان فلانا يجزيه إذا قضاه أي لايؤدون ما عليهم مما يحفظ رقابهم ويذلون به
عن يد
وقد تكلم العلماء في معناه فما حفظ فيه عن صحابي أن معنى عن يد أن يؤديها
وهو قائم والأخذ منه قاعد هذا عن المغيرة بن شعبة
وهوقول عكرمة
وقيل عن يد عن إنعام عليهم وقيل عن يد أي يؤديها بيده ولايوجه بها مع رسول
قال أبو جعفر ومعنى عن يد في كلام العرب وهو ذليل يقال أدى ذلك عن يده وعن
يد وحكى سيبويه بايعته يدا بيد وهم ضاغرون قال عكرمة إعطاؤه إياها صغا 4 ر
له وقال غيره وأحكام المسلمين جارية عليهم
وقد أدخلت الآية الخامسة في الناسخ والمنسوخ
باب ذكر الآية الخامسة من هذه السورة
قال الله عزوجل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما
حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما قال نسختها
وما كان المؤمنون لينفروا كافة الآية وكذا قال الحسن وعكرمة وقال
غيرهم الآيتان محكمتان لأن قوله عز و جل إلا تنفروا يعذبكم
عذابا أليما معناه إذا احتيج إليكم وإذا استنفرتم فهذا مما لا ينسخ لأنه
خبر ووعيد وقوله جل وعز وما كان المؤمنون لينفروا كافة محكمة لأنه لا بد
من أن يبقى بعض المؤمنين لئلا يخلوا دار الإسلام من المؤمنين فيلحقهم
مكيدة
وهذا قول جماعة من الصحابة ومن التابعين
وقد أدخلت الآية السادسة في الناسخ والمنسوخ
باب ذكر الاية السادسة من هذه السورة
قال أبو جعفر حدثنا عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم
بن سليمان عن جوبير عن الضحاك عن ابن عباس عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى
بتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله
واليوم الأخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما
يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم
يترددون نسخ هذه الآيات الثلاث فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت
منهم
وقال الحسن وعكرمة لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الأخر نسخت الآية
التي في سورة النور فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم
قال أبو جعفر وحدثني جعفربن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن اسحاق قال حدثنا
عبيدالله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله
واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ثم نزل في النور فأذن لمن شئت
منهم
ومن العلماء من يقول هذه الأيات كلها محكمات
كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله عز و جل إنما يسئذنك الذين لا
يؤمنون بالله واليوم الاخر فهذا تعبير للمنافقين حين استأذنوا في القعود
عن الجهاد بغير عذر وعذر الله عز و جل المؤمنين فقال فإذا أستئذنوك لبغض
شأنهم فأذن لمن شئت منهم
قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما قيل في الآ 2 يات لأن قوله تعالى إنما
يستئذنك الذين لايؤمنون بالله واليوم الاخر صفات المنافقين لأنهم لا
يؤمنون بوحدانية الله عز و جل ولا بعقابه أهل معصيته ولا بثوابه أهل طاعته
ثم قال جل وعز وأرتابت قلوبهم أي شككوا لأنهم على غير بصيرة من دينهم فهم
في ريبهم يترددون متحيرين لا يعملون على حقيقة
وقد أدخلت الآية السابعة في الناسخ والمنسوخ
باب ذكر الآية السابعة من هذه السورة قال الله جل وعز إنما
الصدقات للفقراء والمساكين
أدخلت في الناسخ والمنسوخ لأنها نسخت كل صدقة من القرآن كما حدثنا جعفر بن
مجاشع قال حدثنا ابراهيم بن اسحاق الحربي قال حدثنا علي بن مسلم قال حدثنا
عبيدالله عن سفيان عن جابر عن عكرمة إنما الصدقات للفقراء والمسكين قال
نسخت هذه كل صدقة في القرآن
قال أبو جعفر من هذه الآية الناسخة ما هو مختلف فيه وما هو مجمع عليه فمما
اختلف فيه منها الفرق بين الفقراء والمساكين اختلف في ذلك أهل التأويل
والفقهاء وأهل اللغة وأهل النظر فقالوا في ذلك أحد عشر قولا
فحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال
أخبرنا معمر عن قتادة إنما الصدقات للفقراء
والمساكين قال الفقراء الذين بهم زمانة والمساكين الأصحاء
المحتاجون فهذا قول في الفرق بين الفقير والمسكين
وقال الضحاك الفقراء فقراء المهاجرين والمساكين من لم يهاجر
قال عكرمة الفقراء من اليهود والنصارى والمساكين من المسلمين
وقال عبيد الله بن الحسن المساكين الذين عليهم الذلة والخضوع والفقراء
الذين يتجملون ويأخذون في السر وقال محمد بن مسلمة المسكين الذي لا شيء له
والفقير الذي له المسكن والحادم فهذه
خمسة أقوال
وعن جماعة من الفقهاء قال المسكين الذي له شيء والفقير الذي لاشيء له
قال الشافعي رحمه الله الفقير والله أعلم من لا مال له ولا حرفة تقع منه
موقعا زمنا كان أو غير زمن سائلا كان أو متعففا والمسكين من له مال أو
حرفة لا تقع منه موقعا ولا تغنيه سائلا كان أو غير سائل فهذه ستة أقوال
وقال أبو ثور الفقير الذي له شيء والمسكين الذي لا يصيب من كسبه ما يقوته
وقال أهل اللغة منهم يعقوب بن إسحاق في جماعة معه المسكين الذي لا شيء له
والفقير الذي له شيء لا يكفيه قال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل
مسكين وأنشد أهل اللغة ... أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال
فلم يترك له سبد
ومن أجل ما روى فيه ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال
المساكين الطوافون والفقراء فقراء المسلمين
واكثر أهل التأويل على هذا القول قال مجاهد والحسن والزهري وجابر بن زيد
وعكرمة والضحاك في اختلاف عنهما المسكين السائل والفقير الذي لا يسأل فهذه
تسعة أقوال
ومن أهل النظر من يقول الفقير هو الفقير إلى الشيء وان كان يملك مالا فقد
يكون غائبا عنه ويكون فقيرا الى أخذ الصدقه والمسكين الذي عليه الخضوع
والذلة
والقول الحادي عشر أن الفقير هو الذي يعطى بفقره فقط والمسكين الذي يكون
عليه مع فقره خضوع وذلة السؤال
وكان محمد بن جرير يذهب إلى هذا القول وان كان لم يذكر كثيرا مما ذكرناه
وهو قول حسن وهو مستخرج من قول ابن عباس والجماعة الذين ذكرناهم معه لأن
المسكين مشتق من المسكنة وهي الخضوع والذلة قال الله عز و جل وضربت عليهم
الذلة
والمسكنة
قال أبو جعفر فهذه الأقوال وإن كثرت فإذا جمعت بعضها إلى بعض ونظرت فيها
قرب بعضها من بعض
وذلك أن قول من قال المسكين كذا والفقير كذا لم يقل إنه لا يقال لغيره
مسكين ولافقير
وقد الشافعي رحمه الله فيما روى عنه إذا وصى رجل بشيء للفقراء جاز ان يدفع
إلى المساكين واذا اوصى بشيء للمساكين جاز أن يدفع للفقراء واذا أوصى
للفقراء والمساكين لم يجز أن يدفع الى أحدهما
قال أبو جعفر فلما اجتمعت هذه الأقوال وقد قلنا إن بعضها يقرب من بعض وجب
أن ترجع إلى ما هو أجمعها وهو أن المسكين هر الذي يسأل الناس والفقير الذي
لا يسأل الناس ولا سيما وهذا قول ابن عباس ولا يعرف له مخالف من الصحابة
فيه ثم تابعه على ذلك أهل التأويل الذين يرجع إلى قولهم في تفسير كتاب
الله تعالى وأيضا فإن الأسماء إنما يرجع فيها إلى التعارف والتعارف بين
الناس اذا قيل ادفع لا هذا الى المساكين أنهم الذين يسألون واذا قيل ادفع
هذا إلى الفقراء فهم الذين لا يسألون وقد دل على هذا كتاب الله عز و جل
قال تعالى لا يسئلون الناس إلحافا
قال أبو جعفر وسمعت علي بن سليمان يقول محتجا لأهل اللغة
بأنهم أعلم بالأسماء وبموضوعاتها وقد أجمعوا أن المسكين الذي لا
شيء له قال وهو مشتق من السكون والسكون ذهاب الحركة حتى لا يبقى منها شيء
وهذه صفة من لايملك شيئا
قال والدليل على أن الفقير هو الذي يملك شيئا أنه مشتق من قولهم فقرته أي
كسرت فقاره فهذا قد بقي له شيء
فأما قول الله عز و جل فكانت لمساكين يعملون فى البحر فإذا صح أن المسكين
هو الذي لا شيء له فالكلام على هذا سهل لأنه يجوز أن تنسب إليهم لأنهم
كانوا يعملون فيها كما يقال قصدت فلانا في داره وإن كان مكتريا لها وكما
يقال سرج الدابة
وقد يجوز أن تكون نسبوا إلى المسكنة وهي الخضوع كما قال النبي يا مسكينة
عليك السكينة وقال صلى الله عليه و سلم مسكين مسكين من لا امرأة له
ومسكينة مسكينة من لا زوج لها
فإن قيل فما معنى حديث أبي هريرة كما حدثنا بكر بن سهل قال
حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة أن رسول الله قال ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة
والتمرتان قالوا يا رسول الله فمن المسكين قال الذي لايجد غنى يغنيه
ولايفطن له فيعطى ولايقوم فيسأل الناس
فقيل معنى هذا أن الذي يسأل يجيئه الشيء بعد الشيء وقيل المعنى ليس
المسكين الذي هو في نهاية المسكنة
على أن هذا الحديث يدل على القول الذي اخترناه من أن المسكين السائل ويكون
المعنى ليس المسكين الذي تعدونه فيكم مسكينا هذا كما قال صلى الله عليه و
سلم ليس الغني عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس ولهذا نظائر منها قول
رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما المحروب من حرب
دينه أي المحروب على الحقيقة هو هذا وقال صلى الله عليه و سلم
ما تعدون الرقوب فيكم قالوا الذي لا يعيش له ولد قال بل الرقوب الذي لم
يمت له ولد أي هذا الذي لم يمت له ولد هو أولى بهذا الاسم أي أولى بأن
يكون قد لحقته المصيبة
واختلفوا من هذه الآية في قسم الزكاة فمنهم من قال في أي صنف قسمتها من
هذه الأصناف الثمانية أجزى عنك ومنهم من قال بل تقسم في الأصناف الثمانية
كما سماها الله عز و جل ومنهم من قال تقسم على سته يسقط منها سهم المؤلفة
قلوبهم لأنهم إنما كانوا في وقت النبي صلى الله عليه و سلم وسهم العاملين
إذا فرق الإنسان زكاته
قال أبو جعفر والقول الأول يروى عن ثلاثة من الصحابة عمر رضي الله عنه
وحذيفة وابن عباس أن الصدقات جائز أن تدفع الى بعض هذه الأصناف دون بعض
ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف لهذا وهو مع ذلك قول سعيد بن
جبير وعطاء وإبراهيم وأبو العالية وميمون بن مهران ومالك بن أنس رحمه الله
وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
والقول بأنها تقسم فيمن سمى الله عز و جل قول الشافعي رحمه الله وحجته
ظاهر الآية وأن ذلك بمنزلة الوصية إذا وصى رجل لجماعة لم يخرج منهم أحد
وحجة من ذكرنا غيره أن هذا مخالف للوصية لأن الوصية لا يجوز أن تقسم إلا
فيمن سميت له فإن فقد بعضهم لم يرجع سهمه إلى من بقي وقد
أجمع الجميع على أنه إذا فقد من ذكر في الآية رجع سهمه إلى من
بقي وأيضا وفاته فإنه لا يجوز ولا توصل إلى أن يعم كل من ذكر في الآية لأن
الفقراء والمساكين لا يحاط بهم
واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه و سلم حين قال لسلمة بن صخر حين وطىء
في شهر رمضان نهارا أطعم ستين مسكينا فقال ما بتنا ليلتنا إلا وحشاء لا
نصل الى شيء فقال امض إلى بني زريق فخذ صدقتهم فتصدق بوسق على ستين مسكينا
وكل أنت وعيالك ما بقي فأعطاه النبي صلى الله عليه و سلم صدقة هذه القبيلة
ولم يقسمها على ثمانية فلما احتمل قوله جل وعز إنما الصدقات للفقراء
والمساكين الآية أن يقسم على هذا واحتمل أن يكون المعنى يقسم في هذا الجنس
ولايخرج عنهم ثم جاء عن ثلاثة من الصحابة أحد المعنيين كان أولى مع حجة من
ذكرناه
وأما والعاملين عليها فقال الزهري هم السعاة قال الحسن يعطون بمقدار عملهم
وقال مجاهد والضحاك لهم الثمن
وأما المؤلفة قلوبهم فهم عند الشافعي على ضربين أحدهما أنهم قوم
أسلموا ولم يكن إسلامهم قويا فللإمام أن يستميلهم ويعطيهم من الصدقات وإن
كانوا أغنياء
وأما وفى الرقاب فأكثر العلماء على أنهم المكاتبون وهو قول أبي موسى
الأشعري والحسن وا بن زيد والشافعي
ومن العلماء من يقول يجوز أن يعتق من الزكاة لعموم الآية وهو قول مالك
رحمه الله
وأمآ والغرمين فهم على ضربين عند الشافعي أحدهما أن يدان الرجل في مصلحة
نفسه من غير معصية فيقضى دينه والاخر أن يدان الرجل في حمالات وفي معروف
وفي ما فيه صلاح للمسلمين فيقضى دينه
وأما وفي سببل الله فأكثر الفقهاء تقول للغزاة ومنهم من يجيز أن
يعطى في الحج وهو قول الكوفيين
واما وابن السبيل فهو المنقطع به الذي ليس ببلده يعطى ما يتحمل به وإن كان
له في بلده مال ولا قضاء عليه
في هذه والاية أيضا ما قد اختلفوا فيه وهو من سبيله أن يعطي من الزكاة فمن
ذلك ما حدثناه الحسن بن غليب قال حدثنا مهدى بن جعفر قال حدثنا زيد بن أبي
الزرقاء عن سفيان الثوري قال إذا كان لرجل خمسون درهما فلا يدفع اليه من
الزكاة شيء ولا يدفع إلى أحد أكثر من خمسين درهما
قال أبو جعفر وهذا القول يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود
وهو قول الحسن بن صالح وعبدالله بن المبارك وعبيدالله بن الحسن وأحمد بن
محمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأكثر أصحاب الحديث لأن فيه حديثا عن النبي
كما قرىء على أحمد بن شعيب عن أحمد بن سليمان قال حدثنا يحيى بن
آدم قال حدثنا سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد
عن أبيه عن عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله من سأل وله مايغنيه جاءت
يعنى مسألته يوم القيامة في وجهه خموشا أو كدوحا قالوا يا رسول الله وماذا
يغنيه أو ماذا غناه قال خمسون درهما أو حسابها من الذهب
قال يحيى بن ادم قال سفيان وحدثنا زيد عن محمدبن بن عبد الرحمن بن يزيد
قال أبو عبد الرحمن حكيم بن جبير ضعفيف في الحديث وإنما ذكرناه لقول سفيان
حدثنا زبيد فهذا قول
وقال قوم لا يحل لمن يملك أربعين درهما أن يأخذ من الزكاه شيئا واحتجوا
بحديث عطاء بن يسار عن رجل من بي أسد سمع
النبي صلى الله عليه و سلم يقول من سأل وله أربعون درهما قد سأل
إلحافا
وهذا قول الحسن لا يحل لمن معه أربعون درهما أن يأخذ من الزكاه شيئا وهو
قول أبي عبيد القاسم بن سلام قال وهذان الحديثان أصلان فيمن يحل له أخذ
الزكاة
وقد روى مالك بن أنس القول بهذا الحديث غير أن الصحيح عنه أنه لم يجد في
ذلك حدا وقال على مقدار الحاجة
ومذهب الشافعي قريب من هذا إنه قد يكون للرجل الجملة من الدنانير والدراهم
وعليه عيال وهو محتاج إلى أكثر منها فلة أن يأخذ من الزكاة
ومن الفقهاء من يقول من كانت معه عشرون دينارا ومائتا درهم لم
يحل له أن يأخذ من الزكاة شيئا وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
وحجتهم قول النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ عرفهم أن عليهم صدقة تؤخذ من
اغنيائهم وتجعل في فقرائهم فقد صار من تجب عليه الزكاة غنيا من المال على
لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم
وفي الحديث الذي ذكرنا فيه الخموش تفسير ما فيه من الغريب وغيره والخموش
الخدوش واحدها خمش وقد خمش وجهه يخمشه ويخمشه خمشا وخموشا 4 والكدوح
الآثار من الخدش والعض ومنه حمار مكدح أي معضض
وقال أبو عبدالرحمن لم يقل أحد عن سفيان حدثنا زبيد الا يحيى بن آدم
وقال غيره لما قال سفيان حدثنا زبيد عن محمد بن عبدالرحمن لم يصل الحديث
فقال من يرد عليه لم يحتج أن تصله لأنه قد ذكره بدئيا وقد عمز يحيى بن
معين على يحيى بن آدم فقال قرأت على وكيع حديث يحيى بن آدم عن سفيان فقال
ليس هذا يورينا الذي نعرفه
فأما غير يحيى بن معين فمقدم كيحيى بن آدم حتى قال سفيان بن
عيينة بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله صلى الله عليه و
سلم رجل من العلماء يقوي الله به الدين وإن يحيى بن آدم عندي منهم
واختلفوا في الآية الثامنة فقالوا فيها قولين
باب ذكر الاية الثامنة من هذه السورة
قال الله عز و جل إستغفر لهم أولا تستغفر لهم الآية
من العلماء من قال هي منسوخة بقوله جل وعز ولا تصل على أحد منهم مات أبدا
الآبة وفي رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس استغفر لهم أولا تستغفر لهم
إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فقال لأزيدن على السبعين
فنسخها سواء عليهم أستغفرت لهم ام تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن اللة لا
يهدى القوم الفاسقين
من العلماء من قال ليست بمنسوخة وإنما هذا على التهديد لهم أي لواستغفر
لكم رسول الله ما غفر لكم
وقال قائل هذا القول لا يجوز أن يستغفر رسول الله صلى الله عليه و سلم
المنافق لأن المنافق كافر بنص كتاب الله عز و جل قال الله جل ثناؤه اذا
جاءك المنافقون إلى قوله ذلك بأنهم امنوا ثم كفروا
وقال من احتج بأنها منسوخة الآثار تدل على ذلك كما روى الزهري عن عبيدالله
بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا تصل
على احد منهم مات أبدا قال لما مات عبدالله بن أبي سلول أتى ابنه وقومه
رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلموه أن يصلي عليه ويقوم على قبره
فجاءرسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي عليه قال عمر رضي الله عنه فقمت
بينه وبين الجنازة فقلت يا رسول الله أتصلي عليه وهو الفاعل كذا وكذا يوم
كذا وكذا وهو الراجع بثلث الناس
يوم أحد وهو القائل كذا وكذا كذا وهو الذي يقول لا تنفقواعلى من
عند رسول الله حتى ينفضوا فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اخبر
عني يا عمر وجعل عمر رضي الله عنه يردد قوله فقال رسول الله صلى الله عليه
و سلم أخر عني يا عمر فلو أني أعلم أني لو استغفرت لهم أكثر من سبعين مرة
غفر لهم لاستغفرت لهم وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ووقف على
قبره حتى دفن فما لبثنا إلا ليالي حتى نزلت هذه الآية ولا تصل على احد
منهم مات ابدا ولا تقم على قبره انهم كفرروا بالله ورسوله وماتوا وهم
فاسقون لا تعجبك أموالهم وإنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق
انفسمهم وهم كافرون
قال فكان عمر رضي الله عنه يعجب من جرأته على رسول الله صلى الله عليه و
سلم في ذلك اليوم وما أنزل الله عزوجل في ذلك من القرآن
قال ابو جعفر فقالوا هذا الحديث إنه صلى الله عليه و سلم صلى عليه بعد
كلام عمر اياه وإن كان كلام عمر قد أحمد منه بعد ذلك حتى قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم ما بعث الله عز و جل قط نبيا إلا وفي أمته محدث فإن
يكن في أمتي فهو عمر فقيل معنى محدث ينطق على لسانه بالحق
وفي حديث عبيدالله بن عمر عن ناقع عن ابن عمر أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال لعمر ذلك اليوم إن الله عز و جل لم ينهني عن الصلاة
عليهم وانما خيرني
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث من التوقيف من رسول الله أن أو ههنا للتخيير
أعني من قوله استغفرلهم أو لا تستغفر لهم فإن قيل فكيف يجوز أن يستغفر صلى
الله عليه و سلم لمنافق فالجواب عن كذا أن يستغفر له على ظاهره على أنه
مسلم وباطنه إلى الله عز و جل
وقد قيل ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ناسخ لفعله لا للآية الأخرى
وقد توهم بعض الناس أن قوله تعالى ولاتصل على أحد منهم ناسخ لقوله عز و جل
وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم
قال أبو جعفر وهذا غلط عظيم ولهذا كره العلماء أن يجترىء أحد على تفسير
كتاب الله عز و جل حتى يكون عالما بأشياء منها الآثار والاختلاف بين أهل
الآثار إن قوله عز و جل وصل عليم ليس هم الذين قيل فيهم ولا تصل عل أحد
منهم مات أبدا
ويدلك على ذلك أن بعد وصل عليهم الم يعلموا ان الله هو يقبل
التوبة عن عباده فكيف لا يصلي على من تاب
وأهل التأويل يقولون نزلت وصل عليهم في أبي لبابه وجماعة معه ربطوا أنفسهم
في السواري لأنهم تخلفوا عن غزوة تبوك الى أن تاب الله عليهم
وقد ذكرت الآية التاسعة في الناسخ والمنسوخ
باب ذكر الاية التاسعة من هذه السورة
قال الله عز و جل ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن
رسول الله ولا ير غبوا بانفسهم عن نفسه
مذهب ابن زيد انه نسخها وما كان المؤمنون لينفروا كافة ومذهب غيره انه ليس
ههنا ناسخ ولا منسوخ وان الآية الأولى توجب إذا نفر النبي صلى الله عليه و
سلم او احتيج الى المسلمين فاستنفروا لم يسع احدا التخلف وإذا بعث النبي
صلى الله عليه و سلم سرية تخلفت طائفة وهذا مذهب ابن عباس
والضحاك وقتاده
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يونس صلى الله عليه و سلم
قال أبو جعفر حدثنا يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا أبو
عبيدة قال حدثنا يونس عن أبي عمرو عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت سورة
يونس بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب إلا موضعا واحدا قال
الله عز و جل واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحالكمين أي اصبر على أذاهم
ومكرهم حتى يقضي الله عز و جل وهو خير القاضين وأعدل الفاصلين
فمذهب ابن زيد أنها منسوخة وانما نسخ منها الصبر عليهم قال أنزل الله عز و
جل بعد هذا الأمر بالجهاد والغلظة عليهم
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود
قال أبو جعفر حدثنا يموت بن المزرع بإسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة هود
بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب إلا اية واحدة من رواية
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قوله عز و جل من كان يريد الحيوة الدنيا
وزينتها أي ثواب الحياة الدنيا قال وزينتها مالها نوف إليهم أعمالهم فيها
قال يوفي لهم ثواب أعمالهم بالصحة والسرور في الأهل والمال والولد وهم
فيها يبخسون قال لا ينقصون ثم نسختها من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها
ما نشاء لمن نريد
قال أبو جعفر محال أن يكون ههنا نسخ لأنه خبر والنسخ في الأخبار محال لو
جاز النسخ فيها ما عرف حق من باطل ولا صدق من كذب ولبطلت المعاني ولجاز
لرجل أن يقول لقيت فلانا ثم يقول نسخته مالقيته
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يوسف
قال أبو جعفر حدثنا يموت بن المزرع بإسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة
يوسف عليه السلام بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر رأيت بعض المتأخرين قد ذكر أن فيها آية منسوخة وهي قوله
تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام توفني مسلما وألحقني بالصالحين قال نسخه
قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به
قال أبو جعفر وهذا قول لا معنى له ولولا أنا أردنا أن يكون كتابنا متقصيا
لما ذكرناه لأنه ليس معنى توفني مسلما توفني الساعة وهذا بين جدا لا إشكال
فيه ولو صح أن قول يوسف صلى الله عليه و سلم توفني مسلما أنه يريد في ذلك
الوقت لما كان منسوخا لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما قال لا يتمنين
أحدكم الموت لضر نزل به فإذا تمناه إنسان لغير ضر فليس بمخالف النبي صلى
الله عليه و سلم وقد يجوزأن يتمنى الموت من له عمل صالح متخلصا به
من الكبائر فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استقامت أموره
وفتح الله على يديه الفتوح وأسلم ببركته من لا يحصى عدده تمنى الموت فقال
اللهم كبرت سني ورق عظمي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع
وعن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله
لقاءه فظاهر هذا الحديث أن السليم من الذنوب محب للقاء الله في كل الأحوال
وقد قيل هذا عند الموت
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الرعد
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة الرعد نزلت بمكة
فهي مكية وروى حميد عن مجاهد قال سورة الرعد مكية ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
وروى سعيد عن قتادة قال سورة الرعد مدنية إلا آية واحدة قوله ولا يزال
الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعه الآية
والقول الأول أولى لأنه المتعارف كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا
أحمد بن داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا
أبو عوانة عن أبي بشر قال قلت لسعيد بن جبير ومن عنده و علم الكتاب أهو عبدالله بن سلام قال كيف يكون عبدالله بن سلام والسورة مكية قال وكان سعيد بن جبير يقرأ ومن عنده علم الكتاب قال أبو جعفر أنكر هذا سعيد بن أبو جبير لأن السورة مكية وعبدالله بن سلام إنما أسلم بالمدينة
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ابراهيم
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة إبراهيم نزلت بمكة
فهي مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما قوله عز و جل ألم تر إلى
الذين بدلوا نعمت الله كفرا إلى آخر الآيتين نزلتا في قتلى بدر من
المشركين وروى سعيد عن قتادة قال سورة إبراهيبم مكية إلأ ايتين منها نزلتا
بالمدينة قوله جل وعز ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا إلى وبئس
القرار
قال أبو جعفر والذي قاله قتادة لا يمتنع قد تكون السورة مكية ثم ينزل
الشيء بالمدينة فيأمر رسول الله بجعله فيها ولا يكون هذا لأحد غير رسول
الله لما يأتيه من الوحي بذلك إذ كان تأليف القرآن معجزا لا يؤخذ إلا عن
الله عز و جل وعن رسوله عليه السلام وعن الجماعة الذين لا يلحقهم الغلط
ولا يتواطئون على الباطل
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحجر
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة الحجربمكة فهي
مكية
قال أبوجعفر لم نجد فيها مما يدخل في هذا الكتاب إلا حرفين قوله تعالى
فاصفح الصفح الجميل الحجر 85 قال سعيد عن قتادة نسخته واقتلوهم حيث
ثقفتموهم البقرة والحرف الاخر وأعرض عن المشركين الحجر وروى عن ابن عباس
نسخته براءة والأمر بالقتال
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النحل
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة النحل نزلت بمكة
فهي مكية سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف
رسول الله من أحد وذلك أنه قتل حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ومثل به
المشركون فقال رسول الله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بثلاثين منهم فقال
أصحاب رسول الله يا رسول الله لئن أظفرنا الله بهم لنمثلن بهم تمثيلا لم
يمثل أحد من العرب فأنزل الله عز و جل بين مكة والمدينة ثلاث آيات وهن
قوله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به النحل 126 128 وما نزل بين مكة
والمدينة فهو مدني
قال أبو جعفر في هذه السورة موضعان يصلحان في هذا الكتاب أحدهما
قوله ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا النحل 67
قال أبو جعفر حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا
عبدالرزاق قال أخبرنا الثوري عن الأسودا بن قيس عن عمرو بن سفيان عن ابن
عباس أنه سئل عن هذه الآية ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا
ورزقا حسنا النحل 167 قال السكر ما حرم من ثمراتها
قال عبدالرزاق وحدثنا معمر عن قتادة تتخذون منه سكرا قال خمور الأعاجم
ونسخت في سورة المائدة قال والرزق الحسن ما ينتبذون ويخللون ويأكلون
قال أبو جعفر والقول في أنها منسوخة يروى عن سعيد بن جبير
ومجاهد والشعبي وإبراهيم النخعي وبأي رزين
قال أبو جعفر الحق في هذا أنه خبر لا يجوز فيه نسخ ولكن يتكلم العلماء
بشيء فيتأول عليهم ما هو غلط لأن قول قتادة نسخت يعني الخمر أي نسخت
إباحتها والدليل على هذا أن سعيدا روى عن قتادة قال نزلت هذه الآية ومن
ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا النحل 67 والخمر يومئذ
حلال ثم أنزل الله بعد تحريمها في سورة المائدة
قال أبو جعفر وهذا قول حسن صحيح أخبر الله عز و جل أنهم يفعلون هذا ونزل
قبل تحريم الخمر على أن جماعة من أهل العلم والنظر قالوا غير ما تقدم منهم
أبو عبيدة قال السكر الطعم وقال غيره السكر ما سد الجوع مشتق من قولهم
سكرت النهر أي سددته فتتخذون منه سكرا على هذا ما كان من العجوة والرطب
وهو معنى قول أبي عبيدة إذا شرح
والموضع الآخر قوله تعالى وجادلهم بالتى هي أحسن النحل 25 من قال هو منسوخ
قال نسخه الأمر بالقتال في
سورة برآءة
ومن قال ليس بمنسوخ قال المجادلة بالتي هي أحسن هي الانتهاء إلى ما
أمرالله عزوجل وهذا لا ينسخ
سورة بني اسرائيل
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة بني إسرائيل
بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر فيها ثلاث آيات مما يصلح أن يكون في هذا الكتاب
ذكر الآية الأولى منهن قال الله عز و جل إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو
كلاهما فلا تقل لها أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح
الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا الإسراء 23 24 في هذه
ثلاثة أقوال للعلماء قوله وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا هو منسوخ بأن
هذا مجمل ولا يجوز لمن كان أبواه مشركين أن يترحم عليهما
ومنهم من قال يجوز هذا إذا كانا حيين فإذا ماتا لم يجز
ومنهم من قال لا يجوز أن يترحم على كافر ولا يستغفر له حيا كان أو ميتا
والآية محكمة مستثنى منها الكفار
قال أبو جعفر حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا
عبيدالله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة وقل رب ارحمهما كما ربياني
صغيرا نسخ منه حرف واحد لا يجوز لمسلم أن يستغفر لأبويه إذا كانا مشركين
لا يقول رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ولكن ليخفض لهما جناح الذل من الرحمة
وليقل لهما قولا معروفا قال الله عز و جل ما كان للنبي والذين آمنوا أن
يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى التوبة 113 فنسخ هذا وقل رب
ارحمهما كما ربياني صغيرا الاسراء 24
والقول الثاني قول جماعة من أصحاب الحديث واحتجوا بحديث سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات وتبين له أنه
عدو الله تبرأ منه واحتجوا بحديث الزهري عن
سهل بن سعد أن رسول الله قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
والقول الثالث يدل على صحته ظاهر القرآن قال الله عز و جل ما
كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى وأيضا
فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل من أول أمره يدعو إلى الله ويخبر أن
الله عز و جل لا يغفر الشرك ومع هذا فيقول صلى الله عليه و سلم في النصارى
وهم أهل كتاب لا تبدءوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى
أضيقه
فكيف يستغفر لمن هذه حاله أو يبجل أو يعظم بالدعاء له بالرحمة
وأيضا فإن الشرك أعظم الذنوب وأشدها فكيف يدعى لأهله بالمغفرة
ولم يصح أن الله أباح الاستغفار للمشركين ولا فرضه ولا ينسخ إلا ما أبيح
أو فرض
فأما قول الله عز و جل وما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها
أياه فقد قيل إن أباه وعده أن يظهر إسلامه فاستغفر له فلما لم يظهر إسلامه
ترك الاستغفار له
فإن قيل فما معنى ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين فهل
يكون هذا في العربية إلا بعد الاستغفار لهم فقد أجاب عن هذا بعض أهل النظر
فقال يجوز أن يكون بعض المسلمين ظن أن هذا جائز فاستغفر لأبويه وهما
مشركان فنزل هذا
قال أبو جعفر فهذا لا يحتاج أن يقال فيه يجوز لأن فيه حديثا قد غاب عن هذا
المجيب حدثناه أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا يزيد بن
سنان قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي
إسحاق عن أبي الخليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال سمعت رجلا
يستغفرلأبويه وهما مشركان فقلت له أتستغفرلأبويك وهما مشركان فقال أليس قد
استغفر إبراهيم فذكرت ذلك للنبي فنزلت وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا
عن موعدة وعدها إياه التوبة 114
قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما روي في الآية مع استقامة طريقه وصحة إسناده
على أن الزهري قد روى عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال دخل رسول الله على
أبي طالب عند موته وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة فقال يا
عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها يوم القيامة فقال له أبو جهل
وعبدالله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبدالمطلب فأقبل النبي وهما يعارضانه
فكان آخر كلمة قالها على ملة عبدالمطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال
رسول الله الأستغفرن لك ما لم أنه عنك فانزل الله عز و جل ما كان للنبي
والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى وأنزل في أبي
طالب إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
وحديث مسروق عن عبدالله على غير هذا في نزول الآية قال كنا مع
النبي فجلس على قبر بين القبور فبكى حتى ارتفع نحيبه ففزعنا لذلك فلما قام
قال له عمر رضي الله عنه مما بكيت يا رسول الله قال له على قبر آمنة بنت
وهب استأذنت ربي عز و جل في الاستغفار لها قال فأنزل علي ما كان للنبي
والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين الآية فدخلني ما يدخل الولد لوالديه
فبكيت
قال أبو جعفر وليست هذه الأحاديث متناقضة لأنه يجوز أن تكون الآية نزلت
بعد هذا كله وليس في شيء من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه و سلم استغفر
لمشرك
باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده
الإسراء 34
قال أبو جعفر حدثني جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا
عبيدالله قال حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادةا ولا تقربوا مال اليتيم إلا
بالتي هي أحسن فكانوا من هذا في جهد حتى نزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم
البقرة 220
قال أبو جعفر قال مجاهد أي لا تقربوا مال اليتيم فتستقرضوا منه إلا بالتي
هي أحسن التجارة لهم وقال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك الأشد الحلم
قال أبو جعفر وقد قال جماعة من أهل التفسير وبلغ أشده ثلاثا وثلاثين سنة
وليس هذا بمتناقض يكون أول الأشد بلوغ الحلم فعلى هذا يصح القولان فقد
ذكرنا أمر اليتامى في سورة البقرة باكثر من هذا
باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا
فيها ثلاثة أقوال
في رواية الضحاك عن ابن عباس نسختها الآية التي في سورة الأعراف واذكر ربك
في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول الأعراف 205 قال دون العلانية من
القراءة بالغدو والأصال قال بالغداة والعشي ولا تكن من الغافلين الأعراف
205 قال عن القراءة في الصلاة
وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس كان النبي يجهر بالقرآن فإذا جهر به
سب المشركون القرآن ومن جاء به فخفض صوته حتى لا يسمعه أحد فنزلت ولا تجهر
بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا الإسراء 110 أي أسمعهم القرآن
حتى يأخذوه عنك
والقول الثالث أن المعنى في الدعاء وأن الصلاة ههنا الدعاء وهذا
قول أبي هريرة وأبي موسى وعائشة رضي الله عنهم كما حدثنا أحمد بن محمد
الأزدي قال أخبرنا فهد قال ثنا معلى بن أسد قال حدثنا سلام بن أبي مطيع
قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي خالتي عائشة زوج النبي رضي
الله عنها يا بن أختي هل تدري فيما أنزلت هذه الآية ولا تجهر بصلاتك ولا
تخافت بها قلت لا قالت أنزلت في الدعاء
قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما قيل في الآية لأن فيه هذا التوقيف عن عائشة
والمعروف في كلام العرب أن الصلاة الدعاء ولا يقال للقراءة صلاة إلا على
مجاز وأيضا فإن العلماء مجمعون على كراهية رفع الصوت بالدعآء وقد قال الله
عز و جل ادعوا ربكم تضرعا وخفية
وأما أن تكون الآية منسوخة لقوله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية
الأعراف 205 فبعيد لأن هذا عقب قوله وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا
لعلكم ترحمون فإنما أمر الله عز و جل إذا أنصت أن يذكر ربه في نفسه تضرعا
وخيفة من عقابه ولهذا كان ههنا
وخيفة وثم وخفية ومع هذا فقد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم
في كراهة رفع الصوت بالدعاء ما يقوى هذا وقد قال ابن جريج في قول الله عز
و جل إنه لا يحب المعتدين الأعراف 55 قال من الاعتداء رفع الصوت بالدعاء
والنداء والصياح
قال أبو جعفر حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا محمد بن عمرو بن يونس
قال حدثنا أبو معاوية الضرير عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى قال كنت مع
النبي في سفر فنزلنا في وهدة من الأرض فرفع الناس أصواتهم بالتكبير فقال
رسول الله يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا
إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم ثم دعاني وكنت قريبا منه فقال يا عبدالله
بن قيس ألا أعلمك كلمة من كنز الجنة فقلت بلى يا رسول الله قال قل لا حول
ولا قوة إلا بالله
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف ومريم وطه والأنبياء عليهم السلام
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة ولم نجد فيهن
مما يدخل في هذا الكتاب إلا موضعا واحدا مختلفا فيه
قال الله عز و جل وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه
غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا ءاتينا حكما وعلما
الانبياء 79
جماعة من الكوفيين يذهبون إلى أن هذا الحكم منسوخ وأن البهائم إذا أفسدت
زرعا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء وإن كان رسول الله قد حكم
بغير هذا فخالفوا حكمه وزعموا أنه منسوخ بقوله العجماء جبار
ومنهم من يقول في الحديث العجماء جرحها جبار والعجماء
البهيمة وأصله أنه يقال رجل أعجم وامرأة عجماء إذا كانا لا
يفصحان با لكلام
ويقال إنه ما تقدم أبا حنيفة أحد بهذا القول حتى قال بعض العلماء هذا
الحكم أصله في كتاب الله عز و جل وقد حكم به ثلاثة من الأنبياء فلا يجوز
مخالفته بتأويل
قال أبو جعفر وسنبين ذلك من الآية ومن حكم الأنبياء عليهم السلام قال الله
عز و جل وداود وسليمان أي واذكر داود وسليمان إذ يحكمان في الحرث قال
قتادة كان نبتا وعن ابن مسعود كان الحرث كرما قد أنبتت عناقيده إذ نفشت
فيه غنم القوم والنفش في كلام العرب لا يكون إلا بالليل أي دخلت الغنم
بالليل في حرث القوم الذين ليسوا أصحابها فأفسدت العنب وأكلته وكنا لحكمهم
شاهدين أي لم يغب عنا ذلك ففهمناها سليمان أي القضية قال ابن عباس دخلت
الغنم فأفسدت الكرم فاختصموا إلى داود فقضى بالغنم لصاحب الكرم لأن ثمنها
كان قريبا منه فمروا على سليمان فأخبروه فقال كان غير هذا الحكم أرفق
بالجميع فدخل صاحب الغنم فأخبر داود فقال لسليمان كيف الحكم عندك قال يا
نبي الله تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فيصيب من ألبانها وأصوافها وأولادها
وتدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم به حتى يرجع إلى حاله فإذا رجع إلى حاله
سلمت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى صاحبها قال الله عز و جل
ففهمناها سليمان
قال أبو جعفر ثم رجعنا إلى ما حكم به رسول اللة كما قرىء على أبي
عبدالرحمن أحمد بن شعيب عن القاسم بن زكريا بن دينار قال حدثنا معاويةبن
هشام عن سفيان عن إسماعيل بن أمية وعبدالله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن
محيصة عن البراء أن ناقة لآل البراء أفسدت نبتا فقضى رسول الله أن على أهل
الثمار حفظها بالنهار وضمن أصحاب الماشية ما أصابته ماشيتهم بالليل
قال أبو عبدالرحمن وأخبرني عمرو بن عثمان قال حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن
الزهري عن حرام بن محيصة أن نبيين قبله عازب
أخبره أنه كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فكلم فيها
رسول الله فقضى رسول الله أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وعلى أهل
المواشي حفظها بالليل وأن على أهل الماشية ما أصابت بالليل
قال أبو جعفر وهذا حكم رسول الله بعد حكم نبيين قبله بالتضمين
وقال أبو حنيفة لا ضمان والحديث صحيح عن النبي فإن كان مالك قد رواه عن
الزهري عن حرام بن محيصة أن ناقة لآل البراء فصار مقطوعا فقد رواه من تقوم
به الحجة متصلا لأن إسماعيل بن أمية وعبدالله بن عيسى نبيلان جليلا
المقدار وقد تابعهما الأوزاعي فلا معنى لمعارضة الأئمة فيما رووا بغيره
وقد قال الله عز و جل إذ يحكمان في الحرث وعلى ذلك القول لاحكم فيه
وقول النبي في العجماء جرحها جبار ليس من هذا في شيء لأنه قد أجمع من تقوم
به الحجة من العلماء أن على راكب الدابة ما أصابت بيديها وقد صح أن المعنى
العجماء جبار إذا لم يكن على صاحبها حفظها فإذا كان عليه حفظها فليست
بجبار
وقد حكم رسول الله أن على أهل الماشية حفظها بالليل فليس ما أفسدته بالليل
إذن جبارا والجبار الهدر الذي لا شيء فيه وقد حكم داود وسليمان صلى الله
عليهما بما ذكرناه فمدحهما الله جل وعز فقال تعالى وكلا ءاتينا حكما وعلما
الأنبياء 79
كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان
قال حدثني عبدالله بن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن زيد بن
أسلم في قول الله جل وعز وكلا ءاتينا حكما وعلما قال زيد بن أسلم الحكم أو
الحكمة العقل قال مالك وإنه ليقع بقلبي أن الحكمة هوالفقه في دين الله
عزوجل
قال أبو جعفر والذي ذكرناه من تضمين أصحاب الماشية ما أصابت بالليل مع ما
صح عن النبي قول أكثر الفقهاء منهم مالك والشافعي رحمهما الله
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحج
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الحج نزلت بمكة
سوى ثلاث آيات منها فإنهن نزل بالمدينة في ستة نفر من قريش ثلاثة منهم
مؤمنون وثلاثة كافرون فأما المؤمنون فهم عبيدةا بن الحارث وحمزة بن
عبدالمطلب وعلي بن أبي طالب رحمة الله عليهم دعاهم للبراز عتبة وشيبة ابنا
ربيعة والوليد بن عتبة فأنزل الله عز و جل ثلاث آيات مدنيات هن هذان خصمان
اختصموا في ربهم إلى تمام الآيات الثلاث الحج 19
قال أبو جعفر وجدنا في هذه السورة أربعة مواضع تصلح في هذا الكتاب منهن
قول الله عز و جل فكلوا منها وأطعموا البائس
الفقير الحج 28 وقال تعالى فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر
الحج 36
فمن العلماء من قال ذبح الضحايا ناسخ لكل ذبح كان قبله حتى قال محمد بن
الحسن في إملائه كانت العقيقة تفعل في الجاهلية ثم فعلت في أول الإسلام ثم
نسخت بذبح الضحية فمن شاء فعلها ومن شاء تركها
واحتج بعض الكوفيين بقول محمد بن علي بن الحسين نسخ ذبح الضحية كل ما قبله
وقد خولف محمد بن الحسن في هذا واحتج عليه بفعل رسول الله وقوله
في العقيقة وسنذكر ذلك إن شاء الله
وقال بعض العلماء فكلوا منها ناسخ لفعلهم لأنهم كانوا يحرمون لحم الضحية
على أنفسهم ولا يأكلون منها شيئا فنسخ ذلك بقوله عز و جل فكلوا منهما
ويقول النبي من ضحى فليأكل من أضحيته إلا أن العلماء على أن هذا الأمر ندب
لا إيجاب وإن كانوا يستحبون الأكل منها كما قال مالك والليث يستحب أن يأكل
من لحم أضحيته لقول الله عز و جل فكلوا منها وقال الزهري من السنة أن يأكل
أولا من الكبد
وأكثر العلماء منهم ابن مسعود وابن عمر وعطاء والثوري يستحبون أن يتصدق
بالثلث ويطعم الثلث ويأكل هو وأهله الثلث
واختلف العلماء في الادخار منها على ثلاثة أقوال
فمنهم من قال لا يدخر منها بعد ثلاث وضعهم من قال يدخر منها إلى أي وقت
أحب ومنهم من قال إن كانت بالناس حاجة إليها فلا يدخر
فممن قال لا يدخر بعد ثلاث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن
عمر كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبدالله بن بكير قال
حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولىبن أزهر قال شهدت
علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلى بنا العيد وعثمان رضي الله عنه محصور ثم
خطبنا فقال لنا لا تدخروا شيئا من لحم أضاحيكم بعد ثلاث فإن رسول الله أمر
بذلك
قال وحدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس
قال حدثنا ليث عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال لا يأكل أحدكم من لحم
أضحيته فوق ثلاثة أيام
قال أبو جعفر وهذان الحديثان صحيحان من قول النبي إلا أنه قد تؤول حديث
ابن عمر رضي الله عنه أنه منسوخ كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله
بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي أن جابر بن عبدالله أخبره أن
رسول الله نهى أن تؤكل لحوم
الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا
قال أبو جعفر وهذا نسخ بين وبه قال أبو سعيد الخدري وبريدة الأسلمي قال
قال رسول الله إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ألا فكلوا وتزودوا
والقول الثالث أن نهى النبي عن أكل لحوم الضحايا إنما كان لعلة بينتها
عائشة رضي عنها قالت دفت دافة من البادية بحضرة الأضحى فقال رسول الله
كلوا وتصدقوا ولا تدخروا بعد ثلاث ثم قال إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا
وادخروا
قال أبوجعفر وهذا من أحسن ما قيل في هذا حتى تتفق الأحاديث ولا تتضاد
ويكون قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما محصور لأن الناس
كانوا في شدة محتاجين ففعل كما فعل رسول الله حين قدمت الدافة
والدليل على هذا ما حدثنا إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد قال حدثنا ليث
قال حدثني الحارث بن يعقوب عن يزيد بن أبي يزيد عن امرأته أنها سألت عائشة
رضي الله عنها عن لحوم الأضاحي
فقالت قدم علينا علي بن أبي طالب من سفر فقدمنا إليه منه فأبى
أن يأكله حتى سأل رسول الله فسأله فقال كل من ذي الحجة إلى ذي الحجة
قال أبو جعفر الدافة الجماعة بالدال غير معجمة ويقال ذففت على الجريج
بالذال معجمة إذا أجهزت عليه مشتق مما حكاه أبو زيد قال عن العرب ذف الأمر
واستذف إذا تهيأ ومنه يقال خفيف ذفيف
وقول محمد بن الحسن أن الضحية نسخت العقيقةقول لا دليل معه فيه والذي روي
عن محمد بن علي نسخت الضحية كل ذبح معناه كل ذبح مكروه فأما العقيقة فذبح
مندوب إليه كالضحية كما قرىء على أحمد بن شعيب عن الحسين بن حريث قال
حدثنا الفضل وهو ابن موسى عن الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة عن أبيه
أن النبي عق عن الحسن والحسين وفي حديث ابن عباس بكبشين كبشين
وقرىء على محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال حدثنا ابن
عيينة عن عمرو عن عطاء عن حبيبة ابنة ميسرة عن أم كرز أن رسول
الله قال عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة
قال أبو جعفر فهذا فعل رسول الله وقوله ثم الصحابة والتابعين فمن الصحابة
ابن عباس وابن عمر وعبدالله بن عمرو وسمرة وفاطمة وعائشة رضي الله عنهم
ومن التابعين القاسم وعروة ويحي الأنصاري وعطاء
قال مالك رحمه الله هو الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا وهو قول الشافعي
وأحمد واسحاق وأبي ثور إلا أن مالكا رحمه الله يقول شاة عن الغلام وشاة عن
الجارية والشافعي وأصحاب الحديث على حديث أم كرز والحجة لمالك رحمه الله
الحديث أن فاطمة رضي الله عنها عقت
عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبشين
وأما الحسن البصري فإنه قال العقيقة واجبة على الرجل إن لم يعق عنه عق عن
نفسه
وهي عند غيره بمنزلة الضحية مندوب إليها إلا أن أبا حنيفة قال الضحية
واجبة على كل من وجد إليها سبيلا وعلى الرجل أن يضحي عن ولده وخالفه أكثر
أهل العلم واحتجوا بأن الله عز و جل لم يوجبها في كتابه ولا أوجبها رسول
الله لأن حديث أبي بردة بن نيار يتأول فيه أنه أوجبها على نفسه
وقد احتج الشافعي بقول رسول الله من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن
يضحي فلا يحلق له شعرا ولا يقلم له ظفرا فقوله فأراد يدل على أنه مخير إن
شاء فعل وإن شاء لم يفعل
وفي الحديث أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكونا يضحيان مخافة أن
يتوهم الناس أن ذلك واجب وكذا قول ابن مسعود وبلال وابن عمر خمسة من
الصحابة لم يوجبوا الضحية
قال زيد بن أسلم متكافئتان مشتبهتان يذبحان جميعا وقال أحمد مكافأتان
متساويتان
وقال الأصمعي أصل العقيقة الشعر الذي يولد المولود وهو على رأسه وكذلك هو
في البهائم فقيل عقيقة لأنها إذا ذبحت حلق ذلك الشعر
وأنكر أحمد هذا القول وقال الذبيحة العقيقة قال أبو جعفر والذي قال أحمد
لا يمتنع في اللغة لأنه يقال عق إذا قطع ومنه عق فلان والديه
باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الحج 39
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال
أخبرنا سفيان الثوري عن مسلم البطين في سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا قال هي أول آية نزلت في القتال
قال أبوجعفر وكانت هذه الآية ناسخة للمنع من القتال
وقال ابن زيد نسخ قول الله عز و جل وذروا الذين يلحدون في أسماءه الأعراف
180 الأمر بالقتال
وخالفه غيره فقال لا معنى ههنا للناسخ والمنسوخ لأن قول الله عز و جل
وذروا الذين يلحدون في أسماءه الأعراف 180 تهديد لهم وهذا لاينسخ
باب ذكر الآية الثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى
الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان الحج 52
قال أبو جعفر حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني
معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فينسخ الله ما يلقي
الشيطان قال يبطل ما ألقاه الشيطان ثم يحكم الله ءاياته الحج 52
قال أبوجعفر هذا من قول العرب نسخت الشمس الظل أزالته
ويروى في هذا الذي نسخه الله مما ألقاه الشيطان أحاديث
فمنها ما رواه الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام قال قرأ
رسول الله والنجم إذا هوى النجم 11 فلما بلغ أفرءيتم اللات والعزى النجم
19 119 قال فإن شفاعتهم ترتجى فسها فلقيه المشركون فسلموا عليه فأنزل الله
تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في
أمنيته الآية
قال أبو جعفر وهذا حديث منقطع وفيه هذا الأمر العظيم وكذا حديث
قتادة وزاد فيه وإنهن لهن الغرانيق العلا
ولو صح هذا لكان له تأويل قد ذكرناه في أول هذا الكتاب
وأقطع من هذا ما ذكره الواقدي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبدالله قال
فسجد المشركون كلهم إلا الوليد بن المغيرة فإنه أخذ ترابا من الأرض فرفعه
إلى وجهه ويقال إنه أبو أحيحة سعيد بن العاص حتى نزل جبريل فقرأ عليه هذا
فقال له ما جئتك به وأنزل الله تبارك وتعالى لقد كدت تركن إليهم شيئا
قليلا الإسراء 74
قال أبو جعفر وهذا حديث منكر منقطع ولا سيما وهو من حديث الواقدي والدين
والعقل يمنعان من هذا لأنه إن كان قال هذا
متعمدا ومعاذ الله أن يكون ذلك لأن فيه مساعدة لهم على دينهم
لأن هذا قولهم وإن كان ناسيا فكيف صبر ولم يبين لهم ذلك حتى أتاه الوحي من
الله عز و جل
ثم رجعنا إلى الآية فوجدنا فيها قولين لمن يرجع إلى قوله وعلمه كما حدثنا
بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى
الشيطان في أمنيته الحج 52 قال إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه
قال أبو جعفر فالتأويل على هذا ألقى الشيطان فى سره وخاطره ما يوهمه به
أنه الصواب ثم ينبهه الله عزوجل على ذلك
وقد صح عنه أنه قال إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله عز و جل في اليوم
والليلة سبعين مرة
وفي السير أن كبراء قريش جاءوه فقالوا يا محمد قد استغويت
ضعفاءنا وسفهاءنا وذلك حين أظهر دعوته وتبينت براهينه فأمسك عنا حتى ننظر
في أمرك فإن تبين لنا اتبعناك وان لم يتبين لنا كنت على أمرك ونحن على
أمرنا فوقع له أن هذا إنصاف ثم نبهه الله عز و جل بالخاطر والتذكر لما
أمره الله به من إظهار الدعوة وأن يصدع بما أمر به ثم نزل عليه الوحي لقد
كدت تركن إليهم شيئا قليلا الإسراء 74 وما بعده فيكون على هذا ألقى
الشيطان في أمنيته أي في سره
والقول الآخر عليه أكثر أهل التأويل قال سعيد بن جبير في أمنيته في قراءته
وقال مجاهد في قوله وقال الضحاك الأمنية التلاوة قال أبو جعفر فهذا معروف
في اللغة منه لا يعلمون الكتاب
إلا أماني البقرة 78 ويكون التقدير على هذا ألقى الشيطان في تلاوة النبي إما شيطانا من الإنس وإما شيطانا من الجن ومتعارف في الآثار أن الشيطان كان يظهر كثيرا في وقت النبي قال الله عز و جل وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه الأنفال 48 فألقى الشيطان هذا في تلاوة النبي من غير أن ينطق به النبي والدليل على هذا أن ظاهر القرآن كذا وأن الثقات من أصحاب السير كذا يروون كما روى موسى بن عقبة عن الزهري ألقى الشيطان في تلاوة النبي فإن شفاعتهم ترتجى فوقرت في مسامع المشركين فاتبعوه جميعا وسجدوا وأنكر ذلك المسلمون ولم يسمعوه
واتصل الخبر بالله بالمهاجرين في أرض الحبشة وأن الجماعة قد
تبعت النبي فقدموا وقد نسخ الله عز و جل ما ألقاة الشيطان فلحقهم الأذى
والعنت
قال أبوجعفر فقد تبين معنى الآية بهذا وبغيره
وقال ابن جريج ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية
قلوبهم الحج 53 قال القاسية قلوبهم المشركون
قال أبو جعفر وهذا قول بين لأنهم لم تلن قلوبهم لاتباع الحق والذين في
قلوبهم مرض المنافقون
باب ذكر الآية الرابعة من هذه السورة
قال الله عز و جل وجاهدوا في الله حق جهاده الحج 78 من جعلها منسوخة قال
هي مثل قوله عز و جل اتقوا الله حق تقاته آل عمران 102 فنسخها عنده فاتقوا
الله ما استطعتم
قال أبوجعفر وهذا لا نسخ فيه وقد بيناه في سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون
قال أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة المؤمنين نزلت
بمكة فهي مكية
في رواية المعتمر عن خالد عن محمد بن سيرين قال كان النبي ينظر إلى السماء
في الصلاة فأنزل الله عز و جل هذه الآية الذين هم في صلاتهم خاشعون
المؤمنون 2 وجعل رسول الله وجهه حيث يسجد وفي رواية هشيم كان المسلمون
يلتفتون في الصلاة وينظرون حتى أنزل الله عز و جل قد أفلح المؤمنون الذين
في صلاتهم خاشعون فأقبلوا على صلاتهم ونظروا أمامهم وكانوا يستحبون أن لا
يجاوز أحدهم بصره موضع سجوده
قال أبو جعفر وأكثر العلماء على أن الخشوع في الصلاة أن ينظر إلى موضع سجوده إذا كان قائما ومنهم من قال إلا بمكة فإنه يستحب أن ينظرإلى البيت
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النور
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة النور نزلت
بالمدينة فهي مدنية
قال أبو جعفر قد ذكرنا قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما
مائة جلدة النور وأنه ناسخ لقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم
فاستشهدوا عليهن أربعة منكم النساء 115 الآيتين في سورة النساء
ووجدنا في هذه السورة آيات سوى هذه فأولاهن قوله عز و جل الزاني لا ينكح
إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على
المؤمنين النور 3
للعلماء في الآية أربعة أقوال منهم من قال هي منسوخة ومنهم من
قال النكاح ههنا الوطء ومنهم من قال الزاني هنا المجلود في الزنا لا ينكح
إلا زاينة مجلودة في الزنا أو مشركة وكذا الزانية ومنهم من قال هي الزانية
التي تتكسب برناها وتنفق على زوجها واحتج بأن الآية في ذلك أنزلت
فممن قال هي منسوخة سعيد بن المسيب كما حدثنا إسحاق بن إبراهيم القطان قال
حدثني يحيى بن عبدالله بن بكير قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثنا يحيى بن
سعيد بن قيس الأنصاري عن سعيد بن المسيب في قول الله عز و جل الزاني لا
ينكح إلا زانية أو مشركة الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك النور 3
قال ابن عمر إنها نسخت بالآية التي بعدها وأنكحوا الأيامى منكم النور 32
فدخلت الزانية في أيامى المسلمين
وهذا القول الذي عليه أكثر العلماء وأهل الفتيا يقولون إن من زنا بامرأة
فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها وهو قول ابن عمر وسالم وجابر بن زيد
وعطاء وطاووس ومالك بن أنس رحمهم الله وروى عنه ابن وهب أنه سئل عن الرجل
يزني بامرأة ثم يريد نكاحها قال ذلك له بعد أن تستبرىء من وطئها وهو قول
أبي حنيفة وأصحابه
وقال الشافعي رحمه الله في الآية القول فيها كما قال سعيد بن
المسيب إن شاء الله أنها منسوخة
وممن قال بالقول الثاني أن النكاح ههنا الوطء ابن عباس كما حدثنا بكر بن
سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس قال وقوله تعالى الزاني لاينكح إلازانية أو مشركة الآية قال
الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا مثله من أهل القبلة أو مشركة والزانية
من أهل القبلة لا تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك وحرم الزنا
على المؤمنين
واختار محمد بن جرير هذا القول وأؤما إلى أنه أولى الأقوال واحتج بأن
الزانية من المسلمين لا يجوز لها أن تتزوج مشركا بحال وأن الزاني من
المسلمين لا يجوز له أن يتزوج مشركة وثنية بحال فقد تبين أن المعنى الزاني
من المسلمين لا يزني إلا بزانية لا تستحل الزنا من المسلمين أو مشركة
تستحل الزنا والزانية لا تزني إلا بزان من المسلمين لا يستحل الزنا أو
مشرك يستحل الزنا قال وحرم ذلك الزنا وهو النكاح المذكور قبل هذا
والقول الثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو
مشركة وكذا الزانية قول الحسن كما قرىء على إبراهيم بن موسى الجوزي عن
يعقوب الدورقي قال حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال الزاني
المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة مثله أو مشركة والزانية المجلودة لا
ينكحها إلا زان مجلود مثلها أو مشرك
وحدثنا علي بن الحسين قال قال الحسين بن محمد الزعفراني قال حدثنا عفان
قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا حبيب المعلم قال جاء رجل من أهل الكوفة
إلى عمرو بن شعيب فقال ألا تعجب من الحسن يزعم أن الزاني المجلود لا ينكح
إلا مثله وتأول هذه الآية الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة فقال وما
تعجبك من هذا حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن رسول الله قال
الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله
قال أبو جعفر وهذا الحديث يجوز أن يكون منسوخا كما نسخت الآية في قول سعيد
بن المسيب
والقول الرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق
عليه مما تكسب من الزنا فحرم الله عز و جل نكاحهن قول مجاهد كما قرىء على
أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا أسباط بن محمد قال
حدثنا عبدالملك بن أبي
سليمان عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قول اللة عز و جل
الزاني لا ينكح إلازانية أو مشركة قال كن نساء بغايا وكانت منهن امرأة
تدعى أم مهزم فكان الرجل يتزوج إحداهن لتنفق عليه من كسبها فنهاهم الله عز
و جل عن ذلك أن يتزوجهن أحد من المسلمين
قرىء على أحمد بن شعيب عن عمرو بن علي قال حدثنا المعتمر عن أبيه عن
الحضرمي يعني ابن لاحق عن القاسم بن محمد عن عبدالله بن عمرو قال كانت
امرأة يقال لها أم مهزول وكانت بأجياد وكانت تسافح فأراد رجل من المسلمين
أن يتزوجها فأنزل الله عز و جل والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم
ذلك على المؤمنين النور 3
قال أبو جعفر وهذا الحديث من أحسن ما روي في هذه الآية ذكر فيه السيب الذي
نزلت فيه الآية فإذا صح جاز أن تكون الآية الناسخة بعده والله جل وعز أعلم
بحقيقة ذلك
باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة
قال الله جل وعز يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى
تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون النور 27 للعلماء
في هذه الآية قولان فمنهم من قال لما قال الله عز و جل لا تدخلوا بيوتا
غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها كان هذا عاما في جميع البيوت
ثم نسخ من هذا واستثني قال جل وعز ليس عليكم جناح أن يدخلوا بيوتا غير
مسكونة فيها متاع لكم النور 29
ومنهم من قال الآيتان محكمتان فقوله جل وعز لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم
حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها يعني به البيوت التي لها أرباب وسكان
والآية الأخرى في البيوت التي ليس لها أرباب يعرفون ولا سكان
فالقول الأول يروى عن ابن عباس وعكرمة كما حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد
قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان قال ثنا جويبر عن الضحاك
عن ابن عباس يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى
تستأذنوا قال حتى تسقالنرا وتسلموا على أهلها قال فيه تقديم وتأخير حتى
تسلموا على أهلها وتستأنسوا قال ثم استثنى البيوت التي على طرق الناس
والتي ينزلها المسافرون فقال جل وعز ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير
مسكونة النور 29 يقول ليس لها أهل ولا سكان بغير تسليم ولا استئذان فيها
متاع
لكم قال منافع من الحر والبرد
وروى يزيد عن عكرمة والحسن لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا
وتسلموا على أهلها النور 29 قالا ثم نسخ من ذلك واستثنى فقال ليس عليكم
جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم النور 29
والقول الثاني أنهما محكمتان قول أكثر أهل التأويل
فأما ما روى عن ابن عباس رحمه الله وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير أنه
قال أخطا الكاتب وإنما هو حتى تستأذنوا فعظيم محظور القول به لأن الله عز
و جل قال لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فصلت 42
ومعنى حتى تستأنسوا بين عند أهل التأويل وأهل العربية كما قرىء على
عبدالله بن أحمد بن عبدالسلام عن أبي الأزهر قال حدثنا روح عن عثمان بن
غياث عن عكرمة حتى تستأنسوا قال
تستأذنوا قال مجاهد هو التنحنح والتنحم قال وأهل العربية يشتقون
من جهتين
إحداهما حتى تستأنسوا حتى تستعلموا قال جل وعز ءانس من جانب الطور نارا
القصص 129
والجهة الأخرى حتى تستأنسوا بان الذي تريدون الدخول إليه قد رضي دخولكم
والذي ذكرناه عن ابن عباس من التقديم والتأخير حسن أي لا تدخلوا بيوتا غير
بيوتكم لها أرباب وفيها سكان حتى تسلموا وتستأذنوا فتقولوا السلام عليكم
أدخل أو ما كان في معنى هذا من التنحنح والتنخم والإذن ذلكم خير لكم من أن
تدخلوا بغير إذن فتروا ما لا تحبون أن تروه وتعصوا الله جل وعز لعلكم
تذكرون ما يجب لله عليكم من طاعته فتلزمونه فهذه محكمة في غير حكم الثانية
والثانية قد تكلم في معناها العلماء كما قرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج
عن يحيى بن سليمان قال حدثني أبو معاوية قال حدثنا الحجاج بن أرطاة عن
سالم المكي عن محمد بن علي بن الحنفية في قوله عز و جل ليس عليكم جناح أن
تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم قال هي بيوت الخانات وبيوت الأسواق
فاما قول عبدالرحمن بن زيد هي بيوت التجار والحوانيت في
القيساريات والأسواق فقول مرغوب عنه لأن الحوانيت التي فيها
متاع الناس لا يحل دخولها إلا بإذن صاحبها وإن فتحها وجلس لأن الناس أحق
بأملاكهم وأيضا فنص القرآن فيها متاع لكم وليس متاع التجار بمتاع
للمخاطبين
وقد قال مجاهد هي بيوت كانت في طريق المدينة يضع الناس فيها أمتعاتهم فأذن
لهم في دخولها بغير إذن
قال أبو جعفر فإذا كانت هذه البيوت إنما بنيت لهذا فهي مباحات لا يحتاج
فيها إلى إذن
ومن أجمع ما قيل في الآية قول جابر بن زيد كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي
قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن حبيب بن
أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد في قوله جل وعز ليس عليكم جناح أن
تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم قال ليس يعني بالمتاع الجهاز ولكن
ما سواه من الحاجة إما منزل ينزله قوم من ليل أو نهار أو خربة يدخلها
الرجل لقضاء حاجة أو دار ينظرإليها فهذا متاع وكل منافع الدنيا متاع
قال أبو جعفر وهذا شرح حسن من قول إمام من أئمة المسلمين وهو
موافق للغة والمتاع في كلام العرب المنفعة ومنه أمتع الله بك ومنه فمتعوهن
الأحزاب 49 فالمعنى على قوله ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة
فيها متاع لكم من قضاء حاجة أو دخول رجل إلى دار يقلبها لشري أوإجارة
وما تقدم من قول العلماء سوى ابن زيد داخل في هذا
باب في ذكرالآية لثالثة من هذه السورة
قال الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم
والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون
ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء النور 58 الآية
للعلماء في هذه الآية ست أقاويل منهم من قال هي منسوخة ومنهم من قال هي
ندب غير واجبة ومنهم من قال هي في النساء دون الرجال ومنهم من قال هي في
الرجال دون النساء ومنهم من قال كان العمل بها واجبا لأن القوم لم يكن لهم
أغلاق ولا ستور فإن عاد الأمر إلى ذلك كان العمل بها واجبا
ومنهم من قال هي محكمة واجبة على المسلمين أن يعملوا بها كما أمر الله عز
و جل لأن أمره حتم إلا أن يقع دليل على غيرذلك
فممن قال إنها منسوخة سعيد بن المسيب كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا
إبراهيم بن إسحاق الحربي قال بلغني عن داود عن سعيد بن المسيب يا أيها
الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم الآية قال هي منسوخة
قال الحربي وحدثنا بندار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة
عن أبي بشر عن سعيد وهو ابن جبير يا أيها الذين ءامنوا
ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم قال لا يعمل بها اليوم
قال أبو جعفر فهذا قول وروى أيوب عن أبي قلابة يا أيها الذين ءامنوا
ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم وأشهدوا إذا تبايعتم ا لبقرة 282
قال إنما أمر بهذا نظرا لهم
وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا عبيد اللة قال
حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان عن أبي حصين عن أبي عبدالرحمن يا أيها
الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم قال النساء عنى بهذا
فهذه ثلاثة أقاويل هذا القول منها بين الخطأ لأن الذين لا يكون
للنساء في كلام العرب وإنما يكون للنساء اللاتي أو اللائي
وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا أبو بكر قال
حدثنا يحيى بن يمان قال حدثنا سفيان عن ليث عن نافع عن ابن عمر ليستئذنكم
الذين ملكت أيمانكم قال هي في الرجال دون النساء 4 وهذا القول الرابع
يستحسنه أهل النظر لأن الذين في كلام العرب للرجال وإن كان يجوز أن يدخل
معهم النساء فإنما يقع ذلك بدليل والكلام على ظاهره غير أن في إسناده ليث
بن أبي سليم
وقرى على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبدالرحمن
بن زياد قال حدثنا الدراودي عن عمرو بن أبي عمر وعن عكرمة أن رجالا من أهل
العراق سألوا ابن
عباس كيف يرى في هذه الآية في كتاب الله عز و جل قوله عز و جل
يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم لا يعمل بها أحد فقال
ابن عباس إن الله رفيق حليم رحيم بالمؤمنين يحب السترة عليهم وكان القوم
ليست لهم سور ولا حجاب فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمه وهو مع أهله في
حال جماع فأمر الله عز و جل بالاستئذان في هذه الثلاث الحالات
قال أبو جعفر وحدثنا بهذا الحديث جعفر بن مجاشع قال حدثنا ابراهيم قال
حدثنا ابن الصباح قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال عن
عمرو عن عكرمة عن ابن عباس نحوه وزاد فيه ثم جاء الله جل ذكره باليسر وبسط
في الرزق فاتخذ الناس الستور والحجاب فرأي الناس ذلك قد كفاهم من
الاستئذان الذي أمروا به
وهذا القول الخامس متنه حسن وليس فيه دليل على نسخ الآية ولكن على أنها
كانت على حال ثم زالت فإن كان مثل تلك الحال فحكمها قائم كما كان
والقول السادس أنها محكمة واجبة ثابتة على الرجال والنساء قول أكثر أهل
العلم كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا عبدالله بن يحيى قال
حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا عبدالملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس
قال ثلاث آيات من القرآن قد ترك الناس العمل بهن قال عطاء حفظت اثنتين
ونسيت واحدة في قول الله عز و جل يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين
ملكت أيمانكم النور 58 حتى يختم الآية وفي الرجل أن يقول للآخر أنا أكرم
منك وليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى وهو قول الله عز و جل يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير الحجرات 13
قال أبو جعفر هذا القول بأن الآية محكمة هو قول القاسم بن محمد وجابر بن
زيد والشعبي كما قرىء على إبراهيم بن موسى الجوزي عن يعقوب الدورقي قال
حدثنا وكيع عن سفيان عن موسى بن أبي عاثشة عن الشعبي يا أيها الذين ءامنوا
ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم قال ليست بمنسوخة قلت إن الناس لا يعملون
بها قال الله عز و جل المستعان
باب ذكر الآية الرابعة من هذه السورة
قال الله جل وعز ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض
حرج الأية 61
للعلماء فيها ستة أقوال منهم من قال في قوله جل وعز ولا على أنفسكم إلى
آخر الآية أنه منسوخ ومنهم من قال في الآية أنها ناسخة لما قال الله جل
وعز ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام البقرة 188
فامتنع الناس من أن يأكلوا طعاما لأحد إذا دعاهم إليه حتى أنزل الله جل
وعز ولا على أنفسكم أن تأكلوأ الآية
واختلف الذين قالوا هذا على أربعة أقوال فمنهم من قال فأبيح للرجل أن يأكل
من هذه البيوت بغير إذن صاحبها
ومنهم من قال أبيح له إذا أذن له
ومنهم من قال كان الأعمى والأعرج والمريض لا يأكلون مع الناس لئلأ يكره
الناس ذلك فأزيل هذا
ومنهم من قال كان الإنسان يتوقى أن يأكل مع الأعمى لأنه يقصر في
الأكل وكذا الأعرج والمريض فاذيل ذلك
والقول السادس أن الآية محكمة
فممن قال القول الأول أنها منسوخة من قوله عز و جل ولا على أنفسكم إلى آخر
الآية عبدالرحمن بن زيد وقال هذا شيء قد انقطع كانوا في أول الإسلام ليست
على أبوابهم أغلاق فكانت الستور مرخاة فربما جاء الرجل فدخل البيت وهو
جائع وليس فيه أحد فسوغه الله أن ياكل ثم صارت الأغلاق على البيوت فلا يحل
لأحد أن يفتحها فذهب هذا وانقطع
قال أبو جعفر ومما يدل على حظر هذا ما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا
عبدالله بن يوسف قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ظ قال لا
يحتلبن أحدكم ماشية أخيه إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر
خزانته فينتقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحدكم
ماشية أخيه إلا بإذنه
قال أبو جعفر فكان في هذا الحديث حظر رسول الله هذا
والقول بأنها ناسخة قول جماعة كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن
صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس قال لما أنزل الله تعالى يا أيها الذين ءامنوا
لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل النساء 29 فقال المسلمون إن الله عز و جل
قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل وإن الطعام من أفضل الأموال فلا
يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله عز و جل بعد
ذلك ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج إلى أو ما
ملكتم مفاتحه النور 61 قال هو الرجل يوكل الرجل بضيعته والذي رخص الله جل
ثناؤه له أن يأكل الطعام والتمر ويشرب اللبن
فذهب أبو عبيد إلى أن هذا إنما هو بعد الإذن لأن الناس توقفوا أن يأكلوا
لأحد شيئا اذا لم يكن ذلك على سبيل التجارة أو عوض وان أذن لهم صاحب
الطعام فأباح الله تعالى إذا أذن فيه صاحبه
وتأويله غيره على الإذن فيه وإن لم يطلق ذلك صاحبه إذا علم أنه ليس ممن
يمنعه
واستدل على صحة هذا القول أنه ليس في الآية ذكر الإذن وإنما قال تعالى أن
تأكلوا من بيوتكم لأن منزل الرجل قد يكون فيه ما ليس له وما يكون لأهله أو
بيوت ءاباءكم إلى آخر الآية
ولم يذكر الابن فيها فتأول هذا بعض العلماء على أن منزل ابنه ومنزله واحد
فلذلك لم يذكره
وعارضه بعضهم فقال هذا تحكم على كتاب الله عز و جل بل الأولى في
الظاهر أن يكون الابن مخالفا لهؤلاء وليس الاحتجاج بما روى عن النبي أنت
ومالك لأبيك بقوي لوها هذا الحديث وأنه لو صح لم يكن فيه حجة اذ قد يجوز
أن يكون النبي علم أن مال ذلك المخاطب لأبيه وقد قيل إن معناه أنت لأبيك
ومالك مبتدأ أي و مالك لك
والقاطع لهذا التوارث بين الأب والابن
وممن قال ان الآية ناسخة لما كان محظورا عليهم من الأكل مع الأعمى ومن ذكر
معه مقسم كما روى سفيان عن قيس بن مسلم عن مقسم قال كانوا يتقون أن يأكلوا
مع الأعمى والأعرج والمريض حتى
أنزل الله ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج النور 61
الآية
قال أبو جعفر وهذا القول غلط لأن الآية ليس على الأعمى حرج فكيف يكون هذا
ناسخا للحظر عليهم الأكل معه ولو كان هذا كان يكون ليس للأكل مع الأعمى
حرج على أن بعض النحويين قد احتال لهذا القول فقال قد تكون على بمعنى في
وفي بمعنى على فيكون التقديرعلى هذا ليس في الأعمى حرج
وهذا القول بعيد لا ينبغي أن يحمل عليه كتاب الله عز و جل إلا بحجة قاطعة
وأما قول من قال كان الأعمى لا يأكل مع البصير وكذا الأعرج والمريض لئلا
يلحقه منه أذى فيقول يجوز ولكن أهل التأويل على غيره
والقول السادس أن الآية محكمة وأنها نزلت في شيء بعينه قول جماعة من أهل
العلم ممن يقتدي بقولهم منهم سعيد بن المسيب وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة
بن مسعود في جماعة من أهل العلم كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن
بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا أبو أويس عن الزهري عن سعيد بن المسيب
في هذه الآية لا جناح عليكم أن تأكلوا من بيوتكن النور 61 الآية نزلت في
أناس كانوا إذا خرجوا مع رسول الله وضعوا مفاتح بيوتهم عند أهل العلة ممن
يتخلف عن رسول الله عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم فكانوا
يأذنون لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك
وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون نخشى ألا تكون أنفسهم بذلك
طيبة فأنزل الله عز و جل في ذلك هذه الآية فأحله لهم
فقال عبيدالله بن عبدالله إن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا
مفاتحهم إلى الزمني وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون
ذلك ويتقون ويقولون إنما أطلقوا لنا هذا عن غير طيب نفس فأنزل الله تعالى
ليس على الأعمى حرج
حدثنا أحمد بن جعفر السمان الأنباري بالأنبار قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن
صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عاثشة رضي الله عنها قالت كان
المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم
ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنماأحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله
عز و جل ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت ءابائكم النور 61
الآية
قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي يقال أوعب بنو فلان
لبني فلان إذا جاءوا بأجمعهم ويقال بيت وعيب اذا كان
واسعا يستوعب كل ما جعل فيه والضمنى هم الزمنى واحدهم ضمن مثل
زمن
قال أبو جعفر وهذا القول من أجل ما روي في الآية لما فيه عن الصحابة
والتابعين من التوقيف أن الآية نزلت في شيء بعينه فيكون التقدير على هذا
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا عليكم أن
تأكلوا فإن تأكلوا خبر ليس ويكون هذا بعد الإذن
وقال ابن زيد المعنى ليس على الأعمى حرج في الغزو وإذا كان المعنى على هذا
فليست أن خبر ليس
فاما من بيوتكم فمعناه من بيوت أنفسكم كذا ظاهره وقد تاؤل ذلك بعض أهل
العلم على أنه بغير إذن كما ذكرنا
وروى معمر عن قتادة لا بأس أن تأكل من بيت صديقك وإن لم يأذن لك
وبتأول هذا على أنه إنما يكون مباحا إذا علمت أنه لا يمنعك وكان صديقك على
الحقيقة إلا أن الأحاديث التي ذكرناها على الإذن والله اعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفرقان
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الفرقان
نزلت بمكة فهي مكية
قال أبو جعفر قال الله تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما الفرقان 63
من العلماء من قال هذا منسوخ وإنما كان هذا قبل أن يؤمر المسلمون بحرب
المشركين وليس سلاما من التسليم إنما هو من التسلم تقول العرب سلاما أي
تسلما منك وهو منصوب على أحد أمرين يجوز أن يكون منصوبا بقالوا ويجوزأن
يكون مصدرا وهذا قول سيبويه وكلامه يدل على أن الآية عنده منسوخة
قال أبو جعفر ولا نعلم لسيبويه كلاما في معنى الناسخ والمنسوخ إلا
في هذه الآية قال سيبويه وزعم أبو الخطاب أن مثله مثل قولك
الحمد لله مما ينتصب على المصدر قولك للرجل سلاما تريد تسلما منك كماقلت
براءة منك أي لا ألتبس بشيء من أمرك
قال وزعم أن أبا ربيعة كان يقول إذا لقيت فلانا فقل سلاما فسأله ففسر له
معنى براءة منك قال وزعم أن هذه الآية وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
بمنزلة ذلك لأن الأية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا
على المشركين ولكنه على قوله لا خير بيننا ولا شر
قال أبو جعفر وزعم محمد بن يزيد أن سيبويه أخطأ في هذا وأساء العبارة لأنه
لا معنى لقوله ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين وانما كان
ينبغي أن يقول ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يحاربوا المشركين ثم أمروا
بحربهم
قال أبو جعفر كلام محمد بن يزيد يدل على أن الآية أيضا عنده منسوخة وإنما
جاء فيها أن تكون منسوخة لأن معناها معنى الأمر أي إذا خاطبكم الجاهلون
فقولوا سلاما فعلى هذا يكون النسخ فيها فأما كلام سيبويه فيحتمل أن يكون
معناه لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على
المشركين ولكنهم أمروا أن يتسلموا منهم ويتبرءوا ثم نسخ ذلك
بالأمر بالحرب
وقد ذكرنا قوله عز و جل والذين لا يدعون مع الله إلاها أخر الفرقان 68 إلى
قوله تعالى إلا من تاب الفرقان 70 وقول من قال هو منسوخ بقوله عز و جل ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه و جهنم خالدا فيها النساء 93 في سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشعراء
حدثنا أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الشعراء نزلت
بمكة فهي مكية سوى خمس آيات من آخرها نزلنا بالمدينة في ثلاثة نفر من
الأنصار وهم شعراء رسول الله حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة
وهو قوله عز و جل والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون
وأنهم يقولون مالا يفعلون إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله
كثيرا الشعراء 227224 استثنى هؤلاء الثلاثة من جملة الشعراء إلى آخرالسورة
قال أبو جعفر قد أدخل هذه الآيات بعض الناس في الناسخ والمنسوخ
حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن
سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس والشعراء يتبعهم الغاوون قال
نسختها الآية التي بعدها يعني إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات قال
وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن
ابن عباس والشعراء يتبعهم الغاوون قال هم الكفار بتبعهم ضلال الجن والإنس
قال ثم قال ألم تر أنهم في كل واد يهيمون يقول في كل لغو يخوضون وأنهم
يقولون مالايفعلون يقول أكثرقولهم يكذبون قال ثم استثنى المؤمنين منهم
فقال إلا الذين الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا في كلامهم
وانتصروا من بعد ما ظلموا ردوا على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في الآية ويزيده بيانا قوله
للكفار يدل على صحته الاستثناء الذي بعده وقوله ضلال الجن
والإنس يدل على صحته أن الكلام عام
وقد روى عكرمة عن ابن عباس يتبعهم الغاوون قال الرواة
والأول أولى لعموم الظاهر
ألم تر أنهم في كل واد يهيمون كما قال وهو تمثيل أي في كل وجه من الباطل
يفتنون فيمدحون بالباطل والتزيد وكذا يهجون بالكذب والزور
وقوله أكثر قولهم يكذبون تصحيحه في النحو أكثر قولهم الكذب ودل يكذبون على
الكذب
وقوله ثم استثنى المؤمنين منهم قول صحيح في العربية هذا الذي تسميه العرب
استثناء لا نسخا تقول جاءني القوم إلا عمرا لا يقال هذا نسخ والاستثناء
عند سيبويه بمنزلة التوكيد لأنك بينت به كما تبين بالتوكيد
وقوله وذكروا الله كثيرا في كلامهم قول حسن لعموم اللفظ وغيره تقول ذكروا
الله عز و جل في شعرهم والأول أولى لغمومه وانتصروا من بعد ما ظلموا كما
قال أي انتصروا من الكفار الذين ظلموا المؤمنين بهجائهم إياهم
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النمل والقصص والعنكبوت والروم
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة
قال أبو جعفر لم نجد فيهن إلا موضعين أحدهما في سورة القصص وهو
قوله تعالى وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم
سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين القصص 55
للعلماء فيه أربعة أقوال
منهم من قال هي منسوخة بالنهي في السلام على الكفار
ومنهم من قال هي منسوخة بالأمر بالقتال
ومنهم من تأولها فأباح السلام على الكفار
والقول الرابع أن هذا قول جميل ومخاطبة حسنة وليس من جهة السلام ولا نسخ
فيه
قال أبوجعفر فالقول الأول يحتج قائله بما صح عن رسول الله في الكفار لا
تبدؤوهم بالسلام قال ففي هذا نسخ
قال أبو جعفر وهذا القول وإن كان قد صح عن رسول الله لا تبدؤهم
بالسلام فهو غلط لأن الآية ليست من هذا في شيء وانما هي من المتاركة كما
يقول الرجل للرجل دعني بسلام تستعمله العرب للمتاركة
والقول الثاني أنها منسوخة بالأمر بالقتال قول جماعة من العلماء
قال أبو جعفر وقد بينا ذلك في قوله عز و جل وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا
سلاما
والقول الثالث قول من أباح السلام على الكفار غلط لأن هذه الآية ليست من
السلام في شيء فإنما هي من التسلم والمتاركة وحظر السلام على الكفار واجب
بكتاب الله عز و جل وسنة رسول الله قال الله تعالى والسلام على من اتبع
الهدى طه 47 وكذا كتب رسول الله إلى قيصر والسلام على من اتبع الهدى
والقول الرابع أنها مخاطبة حسنة قول حسن قال ابن زيد هؤلاء قوم من أهل
الكتاب أسلموا فكانوا يمرون على قوم من أهل الكتاب يقرءون شيئا قد بدلوه
من التوراة قد وقفوهم على ذلك فيعرضون عنهم
قال مجاهد أسلم قوم من أهل الكتاب فكان المشركون يؤذونهم
وكانوا يصفحون عنهم ويقولون سلام عليكم
قال أبو جعفر أصل اللغو في اللغة الباطل وما يجب أن يلغى ويطرح ومعنى
وأعرضوا عنه لم يصغوا إليه ولم يستمعوا
ويدلك على صحة قول مجاهد أن بعده لنا أعمالنا ولكم أعمالكم القصص 55 أي قد
رضينا بأعمالنا لأنفسنا ورضيتم بأعمالكم لأنفسكم سلام عليكم أي أمنة لكم
منا أنا لا نحاوركم ولا نسابكم لا نبتغي الجاهلين لا نطلب عمل أهل الجهل
والموضع الاخر في سورة العنكبوت قوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا
بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم العنكبوت 46
فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال هو منسوخ ومنهم من قال هو محكم يراد به
من آمن منهم ومنهم من قال هو محكم يراد به ذوو العهد منهم
فمن قال هو منسوخ احتج بأن الآية مكية فنسخ هذا الأمر بالقتال كما حدثنا
محمد بن جعفر الأنباري قال حدثني موسى بن هارون قال حدثنا حسين قال حدثنا
شيبان عن قتادة في قوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن
إلا الذين ظلموا منهم قال نسختها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الأخر التوبة 29
والقول الثاني قول ابن زيد قال لا يجادل المؤمنون منهم إذا
أسلموا لعلهم يحدثون بالشيء فيكون كما قالوا إلا الذين ظلموا منهم من أقام
على الكفر يجادل ويقال له الشر
والقول الثالث قول مجاهد ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا
الذين ظلموا منهم من قاتل لم يعط الجزية
قال أبوجعفر فمن قال هي منسوخة احتج بأنها مكية
وقول مجاهد حسن لأن أحكام الله عز و جل لا ينبغي أن يقال فيها إنها منسوخة
إلا بخبر يقطع العذرأو حجة من معقول
فيكون المعنى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالقول الجميل أي بالدعاء إلى
الله عز و جل والتنبيه على حججه وإذا حدثوكم بحديث يحتمل أن يكون كما
قالوا فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فهذا الذي هوأحسن
ويدل على صحته أنه قرىء على أحمد بن شعيب عن محمد بن
المثنى عن عثمان وهو ابن عمر قال حدثنا علي وهو ابن المبارك قال
حدثنا يحيى وهو ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب
يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول
الله لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا
وأنزل إليكم وإلاهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون
قال أبو جعفر ويكون الذين ظلموا كما قال مجاهد أهل الحرب وإن كان الكفار
كلهم ظالمين لأنفسهم وانما التقدير ههنا إلا الذين ظلموا منهم أهل الإيمان
وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا من القرآن وأنزل إليكم من التوراة والإنجيل
والزبور وإلاهنا وإلاهكم واحد أي معبودنا واحد لا ما اتخذتموه إلها ونحن
له مسلمون أي خاضعون متذللون لما أمرنا به ونهانا عنه
بسم الرحمن الرحيم
سورة لقمان وآلم السجدة
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة لقمان نزلت
بمكة فهي مكية سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة وذلك أنه لما هاجر رسول
الله إلى المدينة أتته أحبار اليهود فقالوا يا محمد بلغنا أنك تقول وما
أوتيتم من العلم إلا قليلا لإسراء 185 أفعنيتنا أم غنيت غيرنا فقال رسول
الله عنيت الجميع فقال له اليهود يا محمد أوما تعلم أن الله عز و جل أنزل
التوراة على موسى وخلفها موسى فينا ومعنا فقال النبي لليهود التوراة وما
فيها من أنباء قليل في علم الله عز و جل فأنزل الله عز و جل بالمدينة ثلاث
آيات وهن قوله ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة
أبحر ما نفدت كلمات الله لقمان 27 إلى تمام الثلاث آيا ت
قال وسورة آلم السجدة نزلت بمكة وهي مكية سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة في رجلين من قريش شجر بينهما كلام فقال أحدهما
للآخر أنا أذرب منك لسانا وأحد منك سنانا وأرد للكتيبة فقال له
الآخر اسكت فإنك فاسق فأنزل الله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا
يستوون السجدة 8 ا إلى تمام الثلاث آيات
قال أبو جعفر في سورة آلم السجدة موضع واحد قال جل وعز فأعرض عنهم وانتظر
إنهم منتظرون السجدة 30
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أبو الحسن عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام
قال حدثنا عاصم بن سليمان قال حدثنا جويبر عن
الضحاك عن ابن عباس فأعرض عنهم قال عن مشركي قريش بمكة وانتظر إنهم منتظرون قال نسختها آية السيف في براءة لقوله عز و جل فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحزاب
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال وسورة الأحزاب
نزلت بالمدينة فهي مدنية
باب ذكر الآية الأولى من هذه السورة
قال الله تعالى ادعوهم لأباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءاباءهم
فإخوانكم في الدين ومواليكم الأحزاب ه كان هذا ناسخا لما كانوا عليه من
التبني وكان رسول الله قد تبنى زيد بن حارثة فنسخ التبني وأمر أن يدعوا من
دعوا إلى أبيه المعروف فإن لم يكن له أب معروف نسبه إلى ولائه المعروف فإن
لم يكن له ولاء معروف قال بأخي يعني في الدين قال الله عز و جل إنما
المؤمنون اخوة الحجرات 10
وهذا من نسخ السنة بالقرآن كما حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا الحسن بن
محمد قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال حدثنا موسى بن عقبة أن سالم
بن عبدالله حدثه عن عبدالله بن عمر عن زيد بن حارثة قال ما كنا ندعوه إلا
زيد بن محمد حتى نزلت ادعوهم لأباءهم
قال أبو جعفر وقد ذكرنا وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من
المؤمنين والمهاجرين الأحزاب 6 وكذا يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها
فمتعوهن الأحزاب 49
باب ذكر الأية الثانية من هذه السورة
قال الله عز و جل لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو
أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك الأحزاب
للعلماء في هذه الآية ثمانية أقوال منهم من قال هي منسوخة بالسنة ومنهم من
قال هي منسوخة بآية أخرى وكان الله قد حظر عليه التزوج بعد من كان عنده ثم
أطلقه له وأباحه بقوله تعالى ترجى من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء
الأحزاب 51
ومن العلماء من قال الآية محكمة ولم يكن له صلى الله عليه و سلم أن يتزوج
سوى من كان عنده ثوابا من الله عز و جل لهن حين اخترن الله عز و جل ورسوله
والدار الآخرة
ومنهم من قال هي محكمة ولكن لما حظر عليهن أن يتزوجن بعد موته حظر عليه أن
يتزوج غيرهن
ومنهم من قال المعنى لا يحل لك النساء من بعد هذه القصة يعني إنا أحللنا
لك أزواجك اللاتي ءاتيت أجورهن الآية
ومنهم من قال لا يحل لك النساء بعد المسلمات ولا تتزوج بيهودية ولا
نصرانية
ومنهم من قال المعنى لا تبدل واحدة من أزواجك بيهودية ولا نصرانية
والقول الثامن أن النبي لما قال الله عز و جل ما كان على النبي
من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل الأحزاب 38 كان له
أن يتزوج من النساء من شاء بنير عدد محظور كماكان للأنبياء قبله صلى الله
عليه و سلم وعليهم أجمعين
فالقول الأول أن الآية منسوخة بالسنة يدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها
كما قرىء على علي بن سعيد بن بشير عن أبي كريب قال حدثنا ابن عيينة عن
عمرو عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت ما مات رسول الله حتى أحل له
النساء فدل هذا الحديث على أن عاثشة رضي الله عنها قد كان عندها أنه حظر
عليه التزوج ثم أطلق له وأبيح وكان هذا على قول من أجاز أن ينسخ القرآن
بالسنة
والقول الثاني عن جماعة من جلة الصحابة والتابعين كما حدثنا أحمد بن محمد
الأزدي قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا
عمر بن أبي بكر الموصلي قال
حدثنا المغيرة بن عبدالرحمن عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله
عن عبدالله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة قالت لم يمت رسول الله حتى أحل الله
له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات محرم وذلك قول الله تعالى ترجى من
تشآء منهن وتئوي إليك من تشاء الأحزاب 51
وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية وهو قول عائشة رضي الله عنها واحد
في النسخ
وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن
وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك
وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال محال أن تنسخ هذه الآية يعني ترجى من
تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء الأحزاب لا يحل لك النساء من بعد الاحزاب 52
وهي قبلها في المصحف الذي أجمع المسلمون عليه وقول من قال نسخت بالسنة
لأنه مذهب بعض الكوفيين
قال أبو جعفر وهذه المعارضة لا تلزم وقائلها غالط لأن القرآن
بمنزلة سورة واحدة كما صح عن ابن عباس أنزل القرآن جملة واحدة إلى االسماء
الدنيا في شهر رمضان ويبين لك أن اعتراض هذا لا يلزم قوله عز و جل والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج
البقرة 240 منسوخة على قول أهل التأويل لا نعلم بينهم خلافا بالآية التي
قبلها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا
البقرة 234
والقول الثالث أن المعنى أنه صلى الله عليه و سلم حظر عليه أن يتزوج على
نسائه لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة فعوضن هذا قول الحسن وابن
سيرين وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام
قال أبو جعفر وهذا القول يجوزأن يكون هكذا ثم نسخ
فإن قال كيف يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا قيل يجوز أن ينسخ ما كان ثوابا بما
هو أعظم منه في الثواب فيكون هذا نسخ وعوض منه أنهن أزواجه في الجنة فهذا
أعظم خطرا وأجل مقدارا كما قال حذيفة لامرأته لا تزوجي بعدي فان آخر أزواج
المرأة زوجها في الجنة
وكذلك حظر على نساء النبي أن يتزوجن بعده
والقول الرابع أنه لما حرم عليهن أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن
قول أبي أمامة بن سهل بن حنيف
والقول الخامس أن المعنى لا يحل لك النساء من بعد هذه قول ابن أبي رزين
وهو يروي عن أبي بن كعب وهو اختيار محمد بن جرير
والقول السادس أن المعنى لا تحل لك النساء من بعد المسلمات قول
مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة قال مجاهد لئلا تكون كافرة أما للمؤمنين وهذا
القول يبعد لأنه يقدره من بعد المسلمات ولم يجر للمسلمات ذكر
والقول السابع أنه حرم عليه أن يبدل بعض نسائه بيهودية أو نصرانية أبعد من
ذلك لأن نص القرآن ولا أن تبدل بهن أزواج الاحزاب 52 وليس في القرآن ولا
أن تبادل وحكى ابن زيد عن العرب أنها كانت تبادل بأزواجها يقول أحدهم خذ
زوجتي وأعطني زوجتك قال أبو جعفر وهذا غير معروف عند الناقلين لأفعال
العرب
والقول الثامن أن النبي كان له حلال أن يتزوج من شاء من النساء ثم نسخ ذلك قول محمد بن كعب القرظي قال وكذا كانت الأنبياء قبله تزوج سليمان سبعمائة امرأة حرة وكان له ثلاثمائة مملوكة فذلك ألف وكان لداود مائة امرأة منهن أم سليمان امرأة أوريا بن حنان
قال عمر بن غفرة لما قالت اليهود ما لمحمد شغل إلا التزوج فحسدوه على ذلك فأنزل الله عز و جل أم يحسدون الناس على ما ءاتاهم الله من فضله فقد ءاتينا ءال إبراهيم الكتاب والحكمة وءاتيناهم ملكا عظيما النساء 54 كان لسليمان صلى الله عليه و سلم ألف امرأة منها سبعمائة حرة وكان لداود مائة امرأة
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة سبأ وفاطر ويس والصافات
حدثناأبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة ولم يجد
فيهن إلا آية واحدة في والصافات قال جل ثناؤه فلما بلغ معه السعي قال
يابني إني أرى في المنام أني أذبحك الصافات 102 إلى تمام القصة
للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوال منهم من قال هي منسوخة واحتج بقوله عز و
جل قال يا أبت افعل ما تؤمر الصافات 102 وأن بعده وفديناه بذبح عظيم وأجاز
قائل هذا أن ينسخ الشيء قبل أن يعمل به واحتج بأن رسول الله فرضت عليه
خمسون صلاة ثم نقلت إلى خمس واحتج بقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا إذا
ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة المجادلة 13 وأن بعده فإذ لم
تفعلوا المجادلة 12 الآية وبقوله تعالى الآن خفف الله عنكم وعلم
أن فيكم ضعفا
واحتج بقول الشافعي إن الله عز و جل إذا فرض شيئا استعمل عباده منه بما
أحب ثم نقلهم اذا شاء
قال أبو جعفر فهذا قول والقول الثاني أن هذا مما لا يجوز فيه نسخ لأنه أمر
بشيء ليس بممتد ولا يجوز النسخ في مثل هذا ومثل هذا لو قال قائل لرجل قم
ثم قال له لا تقم لكان هذا بدآء ولا يجوز أن يكون هذا من صفات الله تعالى
أن يقال اذبح ثم يقال لا تذبح فهذا عظيم من القول لايقع فيه ناسخ ولا
منسوخ
وقال قائل هذا الذبح في اللغة القطع وقد فعل ذلك إبراهيم
والقول الثالث أن هذا أيضا لا يكون فيه نسخ وإنما أمر إبراهيم بالذبح
والذبح فعله وقد فعل ما يتهيأ له وليس منعه من ذلك بمنسوب إليه أنه لم
يفعل ما أمر به وهذا قول صحيح حسن عليه أهل التأويل
قال مجاهد لما أمر الله تعالى إبراهيم بذبح ابنه إسحاق عليه السلام قال له
يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي فلا أوذيك اذ وجدت حر السكين فلما وضع
الي السكين على حلقه وفي بعض الأخبار فلما أمر السكين على حلقه انقلبت
فقال له ما لك يابه قال انقلبت
قال فاطعن بها طعنا قال ففعل فانثنت فعلم الله عز و جل منه
الصدق ففداه بذبح عظيم
قال أبو جعفر فقد فعل إبراهيم عليه السلام ما أمر به والدليل على هذا قوله
عز و جل وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا الصافات 105 وهذا مما يجب
أن يقف عليه المسلمون لئلا ينسب إلى الله عزوجل البداء
وإنما أشكل على قائل ذلك القول الأول قوله عز و جل وفديناه بذبح عظيم
الصافات 107 لأنه جهل معناه ولم يدر من المفدي على الحقيقة وانما المفدي
ابنه وإبراهيم عليه السلام قد فعل ما أمر به فأما القول الثاني فلو صح عن
أهل التأويل لما امتنع القول به
والقول الأول عظيم من القول واحتجاج صاحبه بحديث النبي أنه أمر أن يأمر
أمته بخمسين صلاة ثم نقل ذلك إلى خمس لا حجة له فيه لأنه ليس فيه نسخ ولا
نعلم أن أحدا من العلماء قال نسخ الشيء من قبل أن ينزل من السماء إلى
الأرض إلا القاساني فإنه خرج عن قول الجماعة ليصح له قوله إن البيان لا
يتأخر
وإنما أمر النبي أن يأمر أمته بخمسين صلاة فمن قبل أن يأمرهم راجع
وانما مثل هذا أن يأمر الله عز و جل جبريل عليه السلام بشيء فيراجع فيه
فينقص منه أو يزال ولا يقال لهذا نسخ
وأما الاحتجاج بقوله عز و جل الأن خفف عنكم فمن أين لقائل هذا أن الآية
الأولى لم يعمل بها
وأما احتجاجه بقوله عز و جل فإذ لم تفعلوا فمن أين له أيضا أن
الآية الأولى لم يعمل بها
وقد حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال
حدثنا أبو نعيم عن موسى بن قيس عن سلمة بن كهيل يا أيها الذين ءامنوا إذا
ناجيتم الرسرل فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال أول من عمل بها علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ثم نسخت
وقد قال الله عز و جل علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم وإنما فعل هذا
واحد
واحتجاجه بقول الشافعي لا معنى له لأن قول الشافعي إذا فرض الله شيئا
استعمل عباده بما أحب منه لا دليل فيه على أن الشيء ينسخ قبل أن يستعمل بل
لو قال قائل بل فيه دليل على أن الشيء لا ينسخ حتى يستعمل أو يستعمل بعضه
لكان أولى بالصواب
والدليل على أن الشيء لا ينسخ قبل أن يستعمل أن احتجاج العلماء في النسخ
أن معناه إذا قلت افعل كذا وكذا في معناه إلى وقت كذا أو بشرط كذا فاذا
نسخ فانما أظهر ذلك الذي كان مضمرا
فاذا قيل صلوا الى بيت المقدس فمعناه إلى أن أزيل ذلك أو إلى
وقت كذا أو على أني أزيل ذلك وقت كذا وقد علم الله عز و جل حقيقة ذلك ولا
يجوز أن يقال صل الظهر بعد الزوال على أني أزيلها عنك مع الزوال
قال أبو جعفر وهذا بين وأقوال العلماء أن البيان يجوز أن يتأخر فخالفهم
قائل هذا وجعله نسخا ولو جاز أن يقال لهذا نسخ لجاز أن يقال في قول الله
عز و جل إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ثم بين ما هي فلا يقول أحد من
الأمة إن هذا نسخ
واحتجاجه بقول الشافعي مخالف فيه لأن أصحاب الشافعي الحذاق لا نعلم بينهم
خلافا أن البيان يتأخر
وممن احتج منهم لتأخره ابن سريج لقول الله تعالى فإذا قرأناه فاتبع قرءانه
ثم إن علينا بيانه وثم في اللغة تدل على أن الثاني بعد الأول
قال أبو جعفر والدليل على أن البيان خلاف النسخ أن البيان يكون في الأخبار
والنسخ لا يكون في الأخبار
وأيضا فإن البيان يكون معه دليل يدل على الخصوص إذا كان اللفظ عاما أو كان
خاصا يراد به العام كما قال جل ثناؤه إن أفي الإنسان لفي خسر فلما قال
إلاالذين ءامنوا دل على أن الإنسان بمعنى
الناس وقال جل وعز والملك على أرجاءها علم أن الملك يمعنى
الملائكة
فهكذا الخصوص والعموم وهكذا التخصيص في الاستثناء لا يسمى نسخا
وهذا الباب من اللغة يحتاج إليه كل من نظر في العلم وبالله التوفيق
بسم الله الرحمن الرحيم باب سورة ص والزمر
حدثناأبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بمكة سوى
ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه فإنه أسلم
فدخل المدينة فكان يثقل على رسول الله النظر إليه حتى ساء ظن وحشي وخاف أن
يكون الله عز و جل لم يقبل إسلامه فأنزل الله تعالى بالمدينة ثلاث آيات
وهي قوله عزوجل قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة
الله إلى تمام ا لثلاث آيات
قال أبو جعفر في ص ثلاث مواضع مما يصلح في هذا الكتاب فالموضع الأول قوله
تعالى اصبر على ما يقولون ثم أمر بعد ذلك بالمدينة بالقتال
وقد يجوزأن يكون هذا غير منسوخ ويكون هذا تأديبا من الله عز و جل له وأمرا
منه بالصبر على أذاهم لأن التقدير اصبر على ما يقولون مما يؤذونك به
والدليل على هذا أن قبله ذكر ما قد آذوه به قال الله عزوجل
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب لأنهم قالوا هذا استهزاء وإنكار
لما جاء به
كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قال العذاب
وقال قتادة نصيبا من العذاب قال ذلك أبو جهل اللهم إن كان ما جاء به محمد
حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم
وقال السدي قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم أرنا منازلنا من الجنة نتبعك
قال إسماعيل بن أبي خالد عجل لنا قطنا أي رزقنا
وقرىء على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال وحدثنا وكيع قال
حدثنا سفيان عن أبي المقدام عن سعيد بن جبير
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قال نصيبنا من الآخرة
قال أبو حعفر وهذا من أحسن ما روي فيه وأصل القظ في كلام العرب الكتاب
بالجائزة فهو النصيب وهو مشتق من قولك قط أي حسب أي يكفيك ويجوزأن يكون
مشتقا من قططت أي قطعت
قال أبو جعفر وقد ذكرنا قول أهل التأويل فيه وأهل اللغة في اشتقاته إلا
شيئا حكاه العتبي أنهم لما أنزل الله عز و جل فأما من أوتى كتابه بيمينه
الآية قالوا ربنا عجل لنا كتبنا حتى ننظر أيقع في أيماننا أم في شمائلنا
استهزاء فأنزل الله عز و جل وقالوا ربنا عجل لنا قطنا
قال أبو جعفر وهذا القول أصله عن الكلبي وكثير مما يعتمد عليه العتبي
والفداء وأهل الدين من أصحاب الحديث يحظرون ذكر شيء عن الكلبي ولا سيما في
كتاب الله عزوجل
والموضع الآخر قوله عز و جل فطفق مسحا بالسوق والأعناق فمن العلماء من قال
أبيح هذا ثم نسخ وحظر علينا قال الحسن قطع أسواقها وأعناقها فعوضه الله
مكانها خيرا منها وسخر له الريح
وأحسن من هذا القول ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال طفق
يمسح أعناقها وعراقيبها وهذا أولى التأويلين لأنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي
من الأنبياء أنه عاقب خيلا ولا سيما بغير جناية منها إنما شغل بالنظر
إليها ففرط في صلاة فلاذنب لها في ذلك
وروى الحارث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال الصلاة التي فرط فيها
سليمان صلى الله عليه و سلم العصر
والموضع الثالث قوله عز و جل وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث
فمن العلماء من قال هذا منسوخ في شريعتنا وإذا حلف رجل أن يضرب إنسانا عشر
ضربات ثم لم يضربه عشر مرات حنث
وقال قوم بل لا يحنث إذا ضربه بما فيه عشرة بعد أن تصيبه
العشرة فهذا قول الشافعي رحمه الله ومن قبله عطاء قال هي عامة
وقال مجاهد هي خاصة وأهل المدينة يميلون إلى هذا القول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحواميم السبع
حدثناأبو جعفر قال حدثناي يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة
قال أبو جعفر وانما نذكر ما نزل بمكة والمدينة لأن فيها أعظم
الفائدة في الناسخ والمنسوخ لأن الآية اذا كانت مكية وكان فيها حكم وكان
في غيرها مما نزل بالمدينة حكم غيره علم أن المدنية نسخت المكية
وجدنا في الحواميم ثمانية مواضع منها قي حمعسق خمسة مواضع
باب في ذكرالموضع الأول
قال الله عز و جل والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن فى الأرض
حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثناأحمد بن منصور قال
حدثنا إبراهيم بن خالد قال حدثنا داود بن قيس الصنعاني قال دخلت على وهب
بن منية مع ذي جولان فسألته عن قوله ويستغفرون لمن في الأرض قال نسختها
الآية التي في غافر ويستغفرون للذين ءامنوا
قال أبو جعفر هذا لا يقع في ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر من الله تعالى ولكن
يجوز أن يكون وهب بن منية أراد هذه الآية على نسخة تلك الآية لأنه لا فرق
بينهما وكذا يجب أن يتأول للعلماء ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم إذا كان
لما قالوه وجه
والدليل على ما قلناه ما حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال
ثنا عبدالرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ويستغفرون لمن في
الأرض قال للمؤمنين منهم
باب ذكر الموضع الثاني
قال الله تعالى إخبارا لنا أعملنا ولكم أعمالكم لاحجة بيننا وبينكم
فيها قولالن محتملان فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن
هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وقوله
تعالى لنا اعمالنا ولكم اعمالكم مخاطبة لليهود أي لنا ديننا ولكم دينكم
قال ثم نسخت بقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولاباليوم الأخر
الآية
وكذا قال مجاهد لنا أعملنا ولكم أعمالكم أي لنا ديننا ولكم دينكم لاحجة
بيننا وبينكم أي لا خصومة وهذا لليهود ثم نسخها قاتلوا الذين لا يؤمنون
بالله ولا باليوم الأخر فهذا قول
والقول الثاني أن تكون غير منسوخة أي لا حجة بيننا وبينكم لأن البراهين قد
ظهرت والحجج قد قامت
والقول الأول يجوز لأن معنى لا حجة بيننا وبينكم على ذلك القول لم نؤمر أن نحتج عليكم ونقاتلكم ثم نسخ هذا كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة لا نصلي إلى الكعبة ثم حول الناس بعد لجازأن يقال نسخ ذلك
باب ذكر الموضع الثالث
قال الله عز و جل من كان يريد حرث الاخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث
الدنيا نؤته منها وما له فى الاخرة من نصيب
فيه قولان فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال
حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وقوله تعالى من
كان يريد حرث الأخرة من كان من الأبرار يريد بعمله الصالح ثواب الأخرة نزد
له في حرئه أي في حسناته ومن كان يريد حرث الدنيا أي من كان من الفجاز
يريد بعمله الحسن الدنيا نؤتة منها ثم نسخ ذلك في سورة سبحان من كان يريد
العاجلة عجلنا له وفيها ما نشاء لمن نريد
والقول الآخر أنها غير منسوخة وهو الذي لا يجوز غيره لأن هذا خبر والأشياء
كلها بإرادة الله عز و جل ألا ترى أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و
سلم لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني ان شئت
قال أبو جعفر إلا أنه يجوز أن يتأول للقول الأول أن يكون معناه هذه على نسخة هذه فيصح ذلك وربما أغفل من لم ينعم النظر في مثل هذا فجعل في الأخبار ناسخا ومنسوخا فلحقه الغلط العظيم والدليل على أنها غير منسوخة أنه خبر وقد قال قتادة في الآية من آثر الدنيا على الآخرة وكدح لها لم يكن له في الآخرة إلا النار ولم يزدد منها شيئا إلا ما قسم الله عز و جل
باب ذكرالموضع ا لرابع
قال الله عز و جل قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
في هذه الآية أربعة أقوال
فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن
سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قل لآ أسئلكم عليه أجرا قال لا
أسألكم على الإيمان جعلا إلا أن تودوني لقرابتي وتصدقوني وتمنعوا مني ففعل
ذلك الأنصار ومنعوا منه منعهم عن أنفسهم وأولادهم ثم نسختها قل ماسألتكم
من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله
ومذهب عكرمة أنها ليست بمنسوخة قال كانوا يصلون أرحامهم فلما بعث النبي
صللى الله عليه وسلم قطعوه فقال قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني
وتحفظوني لقرابتي ولا تكذبوني
وفي رواية قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لما أنزل الله عز و
جل قل لا اسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا يا رسول الله من
هؤلاء الذين نود بهم قال
علي وفاطمة وولدهما صلوات الله عليهم
والقول الرابع من أجمعها وأبينها كما قرىء على عبدالله بن الصقر بن نصر عن
زياد بن أيوب قال حدثنا هشام قال حدثنا عوف ومنصور عن الحسن قل لا أسئلكم
عليه أجرا إلا المودة فى القربى قال التقرب إلى الله عز و جل والتودد إليه
بطاعته فهذا قول حسن
ويدل على صحته الحديث المسند عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كما
حدثناأحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال حدثنا
أسد بن موسى قال حدثنا قزعة وهو ابن أبي سويد البصري قال حدثنا عبدالله بن
أبي نجيج عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا
أسألكم على ما آتيتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن توآدوا الله عز و
جل وأن تتقربوا إليه بطاعته
فهذا المبين عن الله عز و جل قد قال هذا وكذا قالت الأنبياء صلوات الله عليهم قبله إن أجري إلا على الله
باب ذكر الموضع الخامس
قال الله عز و جل والذين إذآ أصابهم البغي هم ينتصرون
زعم ابن زيد أنها منسوخة قال المسلمون ينتصرون من المشركين ثم نسخها أمرهم
بالجهاد
وقال غيره هي محكمة والانتصار من الظالم بالحق تقويم له محمود ممدوح صاحبه
كان الظالم مسلمأ أو مشركا كما روى أسباط عن السدي والذين إذآ أصابهم
البغي هم ينتصرون قال ينتصرون ممن بغى عليهم من غيرأن يتعدوا
وهذا أولى من قول ابن زيد لأن الآية عامة
وجزاؤا سيئة سيئة مثلها أولى ما قيل فيه معاقبة المسيء بما يجب عليه وسميت
الثانية سيئة لأنها مساءة للمقتص منه والنحويون يقولون هذا على الازدواج
وأكثر العلماء على أن هذا في العقوبات والقصاص وأخذ المال لا في الكلام
إلا ابن أبي نجيح كما حدثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد عن ابن عليه
عن ابن أبي نجيح وجزاؤا سيئة سيئة مثلها قال
إذا قال له أخزاك الله قال له أخزاك الله
وقال ابن زيد هذا كله منسوخ بالجهاد وكذا عنده ولمن انتصر بعد ظلمه إنما
هو للمشركين خاصة
وقول قتادة أنه عام وكذا يدل ظاهر الكلام والله أعلم
باب ذكر الموضع الذي في الزخرف
قال الله عز و جل فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون
جماعة من العلماء يقولون إنها منسوخة بالأمر بالقتال فمن ذلك ما حدثناه
عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سليمان عن جويبر
عن الضحاك عن ابن عباس فاصفح عنهم أي أعرض عنهم وقل سلام أي معروفا أي قل
لمشركي أهل مكة فسوف يعلمون ثم نسخ هذا في سورة براءة بقوله جل وعز
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية
قال أبو جعفر وحدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا
أحمد بن نيزك عن الخفاف عن سعيد عن قتادة فاصفخ عنهم قال ثم نسخ ذلك وأمر
بالقتال
باب ذكر الموضع الذي في الجاثية
قال الله عز و جل قل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى
قوما بما كانوا يكسبون
قال جماعة من العلماء هي منسوخة
فمن ذلك ما حدثناه عليل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن
سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قل للذين ءامنوا يغفروا نزلت في
عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة فأراد
أن يبطش به فأنزل الله تعالى قل للذين ءامنوا يعني عمر بن الخطاب رضي الله
عنه يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ويعفوا ويتجاوزوا للذين لا يخافون
مثل عقوبات الأيام الخالية ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ثم نسخ
هذا في براءة بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبدالرزاق قال حدثنا
معمر عن قتادة في قوله عز و جل قل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون
أيام الله قال نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
باب ذكر الآية التي في الاحقاف
قال الله عز و جل قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم
قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا حسين بن علي
الجعفي عن سفيان وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قال يرون أنها نزلت قبل
الفتح وفي رواية الضحاك عن ابن عباس نسختها إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر
لك الله ماتقدم من ذنبك وما تأخر الآية
قال أبو جعفر فمحال أن يكون في هذا ناسخ ولا منسوخ من جهتين
إحداهما أنه خبر والآخر أن من أول السورة إلى هذا الموضع فيه خطاب
للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم فوجب أن يكون هذا أيضا خطابا للمشركين
كما كان ما قبله وما بعده وبحال أن يقول صلى الله عليه و سلم للمشركين وما
أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ولم يزل صلى الله عليه و سلم من أول
مبعثه إلى وفاته يخبر أن من مات على الكفر مخلد في النار ومن مات على
الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة فقد رأى صلى الله عليه و سلم ما يفعل
به وبهم في الآخرة وليس يجوز أن يقول لهم ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في
الآخرة فيقولوا كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير إلى خفض ودعة أم إلى عذاب
وعقاب
والصحيح في معنى الآية قول الحسن كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن
يوسف بن موسى قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن الحسن وما أدري
ما يفعل بي ولابكم في الدنيا
قال أبو جعفر وهذا أصح قول وأحسنه لا يدري رسول الله ما يلحقه وإياهم من مرض وصحة ورخص وغلاء وغنى وفقر ومثله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلآ نذير وبشير
بسم الله ا لرحمن الرحيم
سورة محمد صلى الله عليه و سلم
حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة محمد صلى الله عليه و سلم مدنية
قال أبو جعفر وجدنا فيها موضعين
باب ذكر الموضع ا لأول
قال الله عز و جل فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم
فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها
في هذه الآية خمسة أقوال من العلماء من قال إنها منسوخة وهي في أهل
الأوثان لا يجوز أن يفادوا ولا يمن لاعليهم والناسخ لها عندهم فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم
ومنهم من قال هي في الكفار جميعا وهي منسوخة
ومنهم من قال هي ناسخة ولا يجوز أن يقتل الأسير ولكن يمن عليه أو يفادى به
ومنهم من قال لا يجوز الأسر إلا بعد الإثخان والقتل فإذا أسر العدو بعد
ذلك فللإمام أن يحكم فيه بما يرى من قتل أو من أو مفاداة
والقول الخامس أنها محكمة غير ناسخة ولا منسوخة والإمام مخير أيضا
فممن قال بالقول الأول ابن جريج وجماعة معه فمن ذلك ما حدثنا الحسن بن
غليب عن يوسف بن عدي قال حدثنا بن المبارك عن ابن
جريج فإما منا بعد وإما فدآء قال نسختها فاقتلوأ المشركين حيث
وجدتموهم
قال أبو جعفر وهذا معروف من قول ابن جريج أن الآية منسوخة وأنها في كفار
العرب وهو قول السدي وكثير من الكوفيين
والقول الثاني أنها في جميع الكفار وأنها منسوخة قول جماعة من العلماء
وأهل النظر وقالوا إذا أسر المشرك لم يجز أن يمن عليه ولا أن يفادى به
فيرد إلى المشركين ولا يجوز عنده أن يفادى إلا بالمرأة لأنها لا تقتل
والناسخ لها فافتلوا المشركين حيث وجدتموهم إذ كانت براءة آخر ما نزلت
بالتوقيف فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء
والصبيان ومن يؤخذ منه الجزية قالوا والحجة لنا في قتل النبي صلى الله
عليه و سلم عقبة بن أبي معيط وأبا عزة فيل فإن هذين
وغيرهما أهل أوثان بعد هذا لأن عقبة قتل يوم بدر وأبا عزة يوم
أحد قالوا فليس في هذا حجة فقيل فإن ثبت في هذا حجة فهو القتل كما هو
فأما الاحتجاج بما فعله أبو بكر الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم من المن
فليس فيه حجة لأن أبا بكر رضي الله عنه إنما من على الأشعث لأنه مرتد
فحكمه أن يستتاب
وانما من عمر رضي الله عنه على الهرمزان لأنه احتال عليه بأن قال له اشرب
فلا بأس عليك فقال له قد أمنتني
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه إنما من على قوم مسلمين يشهدون
شهادة الحق ويصلون ويصومون قال أبو أمامة كنت معه بصفين فكان إذا جيء
بالأسير استحلفه أن لا يكثر عليه ودفع إليه أربعة دراهم وخلاه وكان هذا
مذهبه رحمة الله عليه أن لا يقتل الأسير من المسلمين ولا يغنم ماله ولا
يتبعه إذا وثن ولا يجهز على جريح فكانت هذه سنته في قتال من بغى من أهل
القبلة
وحدثناأبو جعفر قال وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا
عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة فإما منا بعد وإما فدآء قال نسختها
فشردبهم من خلفهم
وقال مجاهد نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وهو قول الحكم
والقول الثالث أنها ناسخة قول الضحاك وجماعة غيره كما روى
الثوري عن جويبر عن الضحاك فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال
نسخها فإما منا بعد وإما فداء
ومن ذلك ما حدثناه الحسن بن غليب عن يوسف بن عدي قال حدثنا ابن المبارك عن
ابن جريج عن عطاء فإما منا بعد وإما فداء قال فلا يقتل المشرك ولكن يمن
عليه ويفادى إذا أسر كما قال الله عز و جل
قال أشعث كان الحسن يكره أن يقتل الأسير ويتلو فإما منا بعد وإما فدآء
والقول الرابع رواه شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال لا يكون فداء
ولا أسر إلا بعد الأثخان والقتل بالسيف
والقول الخامس قاله كثير من العلماء كما حدثنا بكر بن سهل قال ثنا عبدالله
بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فإما
منا بعد وإما فدآء قال فجعل الله عز و جل النبي صلى الله عليه و سلم
والمؤمنين بالخيار في الأسارى إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا
استعبدوهم وإن شاءوا فادوا بهم
قال أبو جعفر وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما وهو قول حسن لأن
النسخ إنما يكون بشيء قاطع فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول
بالنسخ إذ كان يجوز أن يقع التعبد إذا لقينا الذين كفروا قبل الأسر
قتلناهم فإذا كان الأسر جاز القتل والمفاداة والمن على ما فيه الصلاح
للمسلمين
وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد وبالله التوفيق
باب ذكر الموضع الثاني
قال الله عز و جل فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون
قال أبو جعفر من قال هذه ناسخة لقوله تعالى وإن جنحوا للسلم فاجنح لها
احتج بأن في هذه المنع من الميل إلى الصلح اذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى
ذلك الصلح
وقد قيل هاتان الآيتان نزلتا في وقتين مختلفين
وقيل يجوز أن يكون وإن جنحوا للسلم في قوم بأعيانهم وتكون هذه الآية عامة
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفتح والحجرات
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بالمدينة
وقد ذكرنا قول من قال إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ماتقدم من
ذنبك وما تأخر ناسخ لقوله تعالى وما أدري ما يفعل بي ولا بكم وأن هذا لا
يكون فيه نسخ ولم نذكر معنى إنا فتحنا لك على استقصاء وهذا موضعه
فمن الناس من يتوهم أنه يعني بهذا فتح مكة وذلك غلط والذي عليه الصحابة
والتابعون غيره حتى كأنه إجماع كما روى أبو إسحاق عن
البراء إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال تعدون الفتح فتح مكة وإنما
نعده فتح الحديبية كنا أربع عشرة مائة
وكذا روى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال تعدون الفتح فتح مكة وإنما هو
الحديبية
وكذا قال أنس بن مالك وابن عباس وسهل بن حنيف والمسور بن مخرمة
وقال به من التابعين الحسن ومجاهد والزهري وقتادة وفي تسمية فتح الحديبية
فتحا أقوال العلماء بينة ولو لم يكن فيها إلا أن الله تعالى أنزل على نبيه
صلى الله عليه و سلم لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت
الشجرة بعد أن عرفه المغفرة له ثم لم ينزل بعد ذلك سخطا على من
رضي عنه وأيضا فإن الحديبية بئر ورد عليها المسلمون وقد غاض ماؤها فتفل
رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها فجاء بالماء حتى عمهم ولم يكن بين
المسلمين والكفار إلا ترام حتى كان الفتح
وقد كان بعض العلماء يتأول أنه إنما قيل ليوم الحديبية الفتح لأنه كان
سببا لفتح مكة وجعله مجازا كما يقال قد دخلنا المدينة إذا قاربنا دخولها
وأبين ما في هذا ما حدثناه أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى بن
سليمان قال حدثني الأجلح عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب بإسناده لم قال لم
يكن في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد حجرت بين الناس فلا يتكلم أحد
وإنما كان القتال فلما كانت الحديبية والصلح وضعت الحرب وأمن الناس
فتلاقوا ولم يكلم أحد بعقد الإسلام إلا دخل فيه ولقد دخل في تلك السنين
مثل من كان قبل ذلك أو أكثر
وهذا قول حسن بين
وقال جل وعز لا يستوى منكم من أنفق من مقبل الفتح وقتل أولئك أعظم درجه من الذين أنفقوا من بعد وقتلوا كان هذا في يوم الحديبية أيضا جاء بذلك التوقيف عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأصحابه هذا فرق ما بينكم وبين الناس وفي الحديث لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم ملء الأرض ما بلغ من أحدهم ولا نصيفه وهذا في الذين أنفقوا قبل الحديبية وقاتلوا
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ق والذرايات والنجم والقمر والرحمن والواقعة
حدثناأبو جعفر قال حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن
بمكة
قال أبو جعفر وجدنا فيهن خمسة مواضع في سورة ق موضع قال الله تعالى فاصبر
على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه
وأدبارالسجود يجوز أن يكون فاصبر على مايقولون منسوخا بقوله عز و جل
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر الآية ويجوز أن يكون محكما
أي اصبر على أذاهم فإن الله لهم بالمرصاد
وهذا نزل في اليهود جاء التوقيف بذلك لأنهم تكلموا بكلام لحق النبي صلى
الله عليه و سلم منه أذى كما قرىء على إسحاق بن إبراهيم بن يونس عن هناد
بن السري قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعد وهو سعيد بن المرزبان عن
عكرمة عن ابن عباس قال هناد قرأته على أبي بكر أن اليهود جاءت إلى النبي
صلى الله عليه و سلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال خلق الله الأرض
يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء
بما فيها من المنافع وخلق الشجر والماء والمدائن والعمارات
والخراب يوم الأربعاء قال الله تعالى قل أءنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في
يومين إلى سواء للسائلين قال لمن سأل وخلق السماء يوم الخميس وخلق النجوم
والشمس والقمر والملائكة يوم الجمعة إلى ثلاث ساعات بقين منه وخلق في أول
ساعة من هذه الثلاث الساعات الآجال حيث يموت من يموت وفي الثانية ألقى
الآفة على كل شيء ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم صلى الله عليه و سلم
وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود
ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو تممت ثم استراح
فغضب النبي صلى الله عليه و سلم غضبا شديدا فنزلت ولقد خلقنا السماوت
والأرض وما بينهما فى ستة أيام وما مسنا من لغوب
قال أبو جعفر ثم قال عز و جل فاصبر على ما يقولون فتأول هذا بعض العلماء
على أنه إذا حزب إنسانا أمر فينبغي أن يفزع إلى الصلاة قال حذيفة كان
النبي صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة
وعن ابن عباس أنه عرف وهو راحل بموت قتم أخيه فأمر بحط الراجلة ثم صلى
ركعتين وتلا واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين
ثم قال عز و جل وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب قال
أبو صالح الصبح والعصر وقد قيل الصبح والعصر والظهر ويكون ومن الليل
للمغرب والعشاء الآخرة
وأما أدبار السجود فبين العلماء فيه اختلاف فأكثرهم يقول الركعتان بعد
المغرب ومنهم من يقول بعد كل صلاة مكتوبة ركعتان
والظاهر يدل على هذا إلا أن الأولى اتباع الأكثر ولا سيما وهو صحيح عن علي
بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا أمر بما قد أجمع المسلمون عليه أنه نافلة
فيجوز أن يكون ندبا لا حتما ويجوز أن يكون منسوخا بما صح عن رسول الله صلى
الله عليه و سلم أنه لا يجب على أحد إلا خمس صلوات ونقل ذلك الجماعة وكان
التأذين فيها والإقامة في عهد رسول الله صلى اله عليه وسلم والخلفاء
الراشدين المهديين رضي الله عنهم ولا أحد منهم يوجب غيرها
وفي سورة الذاريات موضعان فالموضع الأول قوله عز و جل وفي أموالهم حق
للسائل والمحروم
من العلماء من قال هي محكمة كما قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي في
المال حق سوى الزكاة
ومن قال هي منسوخة قال هى وإن كانت خبرا ففي الكلام معنى الأمر
أي أعطو السائل والمحروم ويجعل هذا منسوخا بالزكاة المفروضة كما قرىء على
أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا مروان بن معاوية قال
حدثنا سلمة بن نبيط قال سمعت الضحاك بن مزاحم يقول نسخت الزكاة كل صدقة في
القرآن
قال أبو جعفر وللعلماء فى المحروم ثمانية أقوال وقرىء على أحمد بن محمد بن
الحجاج عن يحيى بن سليمان قال حدثنا عبدالرحيم بن سليمان قال حدثنا زكريا
بن أبي زائدة عن أبي إسحاق السبيعي عن قيس بن كرقز قال سألت ابن عباس عن
قول الله جل وعز للسائل والمحروم فقال السائل الذي يسأل والمحروم الذي لا
يبقى له مال
وفي رواية شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن قيس عن ابن
عباس قال المحروم المحارف وقال محمد بن الحنفية رضي الله عنه
المحروم الذي لم يشهد الحرب أي فيكون له سهم في الغنيمة
وقال زيد بن أسلم المحروم الذي لحقته جائحة وأتلفت زرعه
وقال الزهري المحروم الذي لا يسأل الناس واحتج بحديث أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه و سلم قيل له من المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد ما
يغنيه ولا يفطن له فيعطى ولا يسأل الناس وقال عكرمة المحروم الذي لايسمى
له شيء
والقول الثامن يروى عن عمر بن عبدالعزيز قال المحروم الكلب
قال أبو جعفر وإنما وقع الاختلاف في هذا لأنها صفة أقيمت مقام الموضوع
والمحروم هو الذي قد حرم الرزق فاحتاج فهذه الأقوال كلها داخلة في هذا غير
أنه ليس فيها أجل مما روى عن ابن عباس رضي الله عنه ولا أجمع أنه المحارف
والموضع الآخر قوله جل ثناؤه فتول عنهم فما أنت بملوم
في رواية الضحاك أن التولي عنهم منسوخ لأنه قد أمر بالإقبال
عليهم بالموعظة قال الله جل وعز يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته فأمر أن يبلغ كل ما أنزل إليه كما قالت عائشة
رضي الله عنها من زعم أن محمدا صلى الله عليه و سلم كتم شيئا من الوحي فقد
أعظم الفرية
قال مجاهد فتول عنهم فأعرض عنهم فمآ أنت بملوم أي ليس يلومك ربك جل وعز
على تقصير كان منك
وفي الطور وسبح بحمد ربك حين تقوم
للعلماء فيه أقوال فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا
يحيى الجعفي قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا أسامة بن زيد سمع محمد بن كعب
القرظي يقول في هذه الآية وسبح بحمد ربك حين تقوم قال حين تقوم إلى الصلاة
قال الجعفي وحدثني عمر بن هارون البلخي قال حدثني أبو مصلح عن الضحاك في
هذه الآية قال حين تقوم للصلاة أن تكبر
وتقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك
قال أبو جعفر وهذا قول أن هذه الآية في افتتاح الصلاة
ورد هذا بعض العلماء وقال قد أجمع المسلمون أنه من لم يستفتح الصلاة بهذا
فصلاته جائزة فلو كان هذا أمرا من الله لكان موجبا فإن قيل هو ندب قيل لو
صح أنه واجب بما تقوم به الحجة لجاز أن يكون ندبا أو منسوخا
وقال أبو الجوزاء وسبح بحمد ربك حين تقوم من النوم
واختار هذا القول محمد بن جرير قال يكون هذا فرضا ويكون هذا النوم للقائلة
ويعني به صلاة الظهر لأن صلاة الصبح مذكورة في الآية
والقول الثالث قول أبي الأحوص أن يكون كلما قام من مجلس قال
سبحانك اللهم وبحمدك
وهذا القول أولاها من جهات إنه أوكدها قد صح عن عبدالله بن مسعود رحمه
الله وإذا تكلم صحابي في آية لم يعلم أحد من الصحابة خالفه لم تسع مخالفته
لأنهم أعلم بالتنزيل والتأويل كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف
بن موسى قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص
عن عبدالله إوسبح بحمد ربك حين تقوم قال حين تقوم من المجلس تقول سبحان
الله وبحمده
قال أبوجعفر فيكون هذا ندبا لجميع الناس
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه رغب في ذلك وكان يقول كلما
قام من مجلس سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وفي
بعض الحديث يغفرله كل ما كان في ذلك المجلس
وقد يجوز أن يكون هذا لما كان مخاطبة للنبي صلى الله عليه و سلم
كان فرضا عليه وحده هذا على قول قوم
وحجة ثالثة أن الكلام عام فلا يخص به القيام من النوم إلا بحجة
ثم قال جل وعز ومن الليل فسبحه فيه ثلاثة أقوال من العلماء من قال يعني به
المغرب والعشاء قال ابن زيد يعني به المغرب وحدثنا على بن الحسين عن الحسن
بن محمد عن ابن علية قال حدثناابن جريج عن مجاهد قال قال ابن عباس ومن
الليل فسبحه هو التسبيح في أدبار الصلوات ثم قال جل وعز وإدبارالنجوم فيه
قولان قال الضحاك وابن زيد أدبار النجوم صلاة الصبح واختار محمد بن جرير
هذا القول لأنه صلاة الصب ومن رض فالأولى أن تحمل الآية عليها
قال أبو جعفر قلت وأولى من هذا القول لأنه جاء عن صحابي لا نعلم له مخالفا
كما قرىء على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا محمد بن فضيل
قال حدثنا العلاء بن المسيب عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي في قوله جل وعز
وإدبار النجوم قال الركعتان بعد الفجر
فإن قيل فالركعتان غير واجبتين والأمر من الله عز و جل على
الحتم إلا أن تكون حجة تدل على أنه على غير الحتم فالجواب عن هذا أنه يجوز
أن يكون حتما ثم نسخ لأنه لا فرض إلا الصلوات الخمس ويجوز أن يكون ندبا
ويدلك على ذلك ما أجمع العلماء عليه أن ركعتي الفجر ليستا بفرض ولكنهما
مندوب إليهما فلا ينبغي تركهما
وفي النجم قوله جل عز وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
للناس في هذا أقوال فمنهم من قال إنها منسوخة ومنهم من قال هي محكمة ولا
ينفع أحد أن يصدق عنه أحد ولا أن يجعل له ثواب شيء عمله قالوا وليس
للإنسان إلا ما سعى كما قال الله جل وعز
وقال قوم قد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم بأسانيد صحاح فهي
مضمومة إلى الآية وقال قوم الأحاديث لها تأويل وليس للإنسان على الحقيقة
إلا ما سعى فمن تؤول عليه أن الآية منسوخة ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل
قال حدثنا عبدالله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس قال وقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فانزل الله جل وعز
بعد ذلك والذين ءامنوا أتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم فأدخل الله
عز و جل الأباء الجنة بصلاح الأبناء وقال محمد بن جرير يذهب إلى أنها
منسوخة
قال أبو جعفر كذا عندي في الحديث وكان يجب أن يكون فأدخل الله
عز و جل الأبناء الجنة بصلاح الأباء إلا أنه يجوز أن يكون المعنى على أن
الآباء يلحقون الأبناء كما يلحق الأبناء بالآباء
قال أبو جعفر وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا
عبدالرزاق قال حدثنا الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجة الجنة وإن كانوا دونه في العمل
والذين ءامنوا وتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم أي
نقصناهم
وحدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا أحمد
بن شكيب الكوفي قال محمد بن بشر العبدي قال حدثنا سفيان الثوري عن سماعه
عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال إن الله جل وعز ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كان لم يبلغها
بعمله ليقر بهم عينه ثم قرأ والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا
بهم ذريتهم الآية
قال أبو جعفر فصار الحديث مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وكذا
يجب
أن يكون لأن ابن عباس رحمه الله لا يقول هذا إلا عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم لأنه إخبار عن الله عز و جل بما يفعله وبمعنى أنه
أنزلها عز و جل
وأما قول من قال لا ينفع أحدا أن يصدق عنه أحد ولم يتأول الأحاديث فقول
مرغوب عنه لأن ما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم لم يسع أحدا رده قال
الله جل وعز وما ءاتاكم الرسول فخذوه وقد صحت عن رسول الله صلى الله عليه
و سلم أحاديث سنذكر منها شيئا
قال أبو جعفر حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن
ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبدالله بن عباس قال كان الفضل بن عباس
رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل
الفضل بن عباس ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم
يصرف وجه الفضل إلى الشق الأخر فقالت يا رسول الله إن فريضة الله جل وعز
على عباده بالحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة
أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع
قال أبو جعفر وفي حديث ابن عيينة عن عمرو عن الزهري عن سليمان عن ابن عباس
زيادة وهي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها أرأيت لو
كان على أبيك دين أكنت تقضينه قالت نعم قال فدين الله أولى فقال
قوم لا يحج أحد عن أحد واحتج له بعض أصحابه فقال في الحج صلاة لا بد منها
وقد أجمع العلماء على أن لا يصلي أحد عن أحد قيل لهم فالحج مخالف للصلاة
مع ثبات السنة وسنذكر قول من تأول الحديث
وقد روى شعبة عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا
قال يا رسول الله إن أمي توفيت وعليها صيام قال فصم عنها
وقد قال من يقتدى بقوله من العلماء لا يصم أحد عن أحد فقال من احتج لهم
هذا الحديث وإن كان مستقيم الإسناد وسعيد بن جبير وإن كان له المحل الجليل
فقد وقع في أحاديثه غلط وقد خالفه عبيدالله بن عبدالله وعبيدالله من
الإتقان على ما لا خفاء به كما حدثنا بكر بن سهل
قال حدثنا عبدالله بن يوسف قال أنبانا مالك عن عبيدالله بن
عبدالله بن مسعود الهذلي عن عبدالله بن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول
الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ان أمي ماتت وعليها نذر لم
تقضه قال فاقضه عنها
وروى الزهري عن أبي عبدالله الأغر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال يلحق المسلم أو ينفع المسلم ثلاث ولد صالح يدعو له وعلم ينشره
وصدقة جارية
قال أبو جعفر ونذكر قول من تأول هذه الأحاديث فيها أقوال قال أبو جعفر من
العلماء من قال بالأحاديث كلها ولم يجز فيها الترك منهم أحمد بن محمد بن
حنبل وكان هذا مذهبه فقال يحج الإنسان عن الإنسان ويتصدق عنه كما قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم من مات وعليه صيام شهر رمضان أطعم عنه لكل يوم
مد ومن مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه كما أمر رسول الله صلى الله عليه
و سلم
ومن العلماء من قال ببعض الأحاديث فقال يحج الإنسان عن الإنسان
ولا يصوم عنه ولا يصلي وهذا مذهب الشافعي
ومنهم من قال لا يجوز في عمل الأبدان أن يعملها أحد عن أحد ولا يحج أحد عن
أحد وهذا قول مالك بن أنس
ومنهم من قال الأحاديث صحيحة ولكن هي محمولة على الآية وإنما يحج الإنسان
عن الإنسان إذا أمره أو أوصى بذلك أو كان له فيه
سعي حتى يكون موافقا لقوله عزوجل وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
ومنهم من قال لا يعمل أحد عن أحد شيئا فإن عمله فهو لنفسه كما قال جل وعز
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وقال في الأحاديث سبيل الأنبياء صلى الله
عليهم أجمعين ألا يمنعوا أحدا من فعل الخير
قال أبو جعفر وقول أحمد في هذا بين حسن وهو أصل مذهب الشافعي
فإن قال قائل كيف ترد إلى الآية ففي ذلك جوابان أحدهما أن ما قاله الرسول
صلى الله عليه و سلم وصح عنه فهو مضموم إلى القرآن كما حدثنا أحمد بن محمد
الأزدي قال حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي قال حدثنا ابن عيينة عن ابن
المنكدر وأبي النضر عن عبيدالله بن أبي رافع عن
أبيه أو غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا ألفين أحدكم
متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا
أدري ما وجدنا في كتاب الله عز و جل اتبعناه
قال أبو جعفر وهذا جواب جماعة من الفقهاء أن يضم الحديث إلى القرآن كما
قال الله جل وعز قل لآ أجد فى مآ أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن
يكون ميته أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ثم حرم رسول الله صلى الله عليه و
سلم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير فكان مضموما إلى الآية
وكان أحمد رحمه الله من أكثر الناس اتباعا لهذا حتى قال من احتجم وهو صائم
فقد أفطر هو وحاجمه كما قال رسول الله
وفي الأحاديث تأويل آخر فيه لطف ودقة وهو أن الله جل وعز إنما
قال وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ولام الخفض معناها في العربية الملك
والإيجاب فليس يجب للإنسان إلا ما سعى فإذا تصدق عنه غيره فليس يجب له شيء
إلا أن الله جل وعز يتفضل عليه بما لم يجب له كما يتفضل على الأطفال
بإدخالهم الجنة بغير عمل
قال أبوجعفر فعلى هذا يصح تأويل الأحاديث
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا قال يا رسول الله إن أمي
افتلتت نفسها فماتت ولم توص أفتصدق عنها قال نعم فيكون في هذا الحديث ما
ذكرنا من التأويلات
وفيه من الغريب قوله افتلتت نفسها معناه ماتت فجأة ومنه قول عمر رضي الله
عنه كانت بيعة أبي بكر فالتة فوقي الله عز و جل شرها أي فجأة وفي هذا من
المعنى أن عمر رضي الله عنه تواعد وفعل مثل ذلك وذلك أن أبا بكر رضي الله
عنه كان له من الفضائل الباهرة التي لا تدفع ما يستوجب به الخلافة وأن
يبايع فجأة وليس هذا لغيره وكان له استخلاف رسول الله صلى الله عليه و سلم
إياه على الصلاة قال محمد بن جرير استخلافه إياه على الصلاة بمعنى
استخلافه إياه على إمامة المسلمين والنظر في أمورهم لأنه استخلفه على
الصلوات التي لا يقيمها إلا الأئمة من الجمع والأعياد وروجع في ذلك فقال
يأبى الله جل وعز والمسلمون إلا أبا بكر
وقال غير محمد بن جرير روي شعبة والثوري عن الأعمش ومنصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن فلما استخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر على خير أعمالنا كان ما دونه تابعا له
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحديد والمجادلة
حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بالمدينة
قال أبو جعفر وجدنا في سورة المجادلة موضعين فأحدهما قوله جل وعز والذين
يظاهرون من نساءهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة
فمن العلماء من قال هذه ناسخة لما كانوا عليه لأن الظهار كان
عندهم طلاقا فنخ ذلك وجعل فيه الكفارة قال أبو قلابة الظهار
طلاق الجاهلية فكان الرجل إذا ظاهر من امرأته لم يرجع فيها أبدا
قال أبو جعفر وقرىء على أحمد بن عمر وابن عبدالخالق عن يوسف بن موسى قال
حدثنا عبيدالله بن موسى قال حدثني أبو حمزة الثمالي وهو ثابت بن أبي صفية
في عكرمة عن ابن عباس قال كان الرجل في الجاهلية إذا قال لامرأته أنت علي
كظهر أمي حرمت عليه وذكر الحديث وقال فيه فأنزل الله جل وعز قد سمع الله
المجادلة إلى آخر الآية
والموضع الآخر قوله جل وعز يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا
بين يدي نجواكم صدقة المجادلة 12
أكثر العلماء على أن هذه الآية منسوخة كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا
إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا موسى بن قيس عن سلمة بن
كهيل يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة
والمجادلة 12 قال أول من عمل بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم نسخت
وقرىء على علي بن سعيد بن بشير عن محمد بن عبدالله الموصلي قال حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي قال حدثنا سفيان الثوري عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن علي بن علقمة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما نزلت يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قلت يا رسول الله كم قال دينارا قلت لا يطيقونه قال كم قلت حبة شعير قال إنك لزهيد قال فنزلت ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات المجادلة 13 الآية
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحشر
أخبرنا أبو جعفر حدثنا يموت بإسناده عن ابن عباس أنها مدنية قال لم نجد
فيها إلا موضعا واحدا
قال الله جل وعز ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي
القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل الحشر 17
في هذه الآية ستة أقوال للعلماء منهم من قال هي منسوخة وقال الفيء
والغنيمة واحد وكان في بدء الإسلام تقسم الغنيمة على هذه الأصناف ولا يكون
لمن قاتل عليها شيء إلا أن يكون من هذه الأصناف ثم نسخ الله عز و جل ذلك
في سورة الأنفال فجعل لهؤلاء الخمس وجعل الأربعة الأخماس لمن حارب فقال جل
وعز واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الأنفال 41 الآية
وهذا قول قتادة رواه عنه سعيد
ومنهم من قال الفيء خلاف الغنيمة والغنيمة ما أخذ عنوة بالغلبة والحرب
يكون خمسه في هذه الأصناف وأربعة أخماسه للذين قاتلوا عليه والفيء ما صولح
أهل الحرب عليه فيكون مقسوما في هذه الأربعة الأصناف ولا يخمس
وهذا قول سفيان الثوري رواه عنه وكيع
وقال غيره من الفقهاء الفيء أيضا غيرالغنيمة وهوما صولحوا عليه أيضا إلا
أنه يخرج خمسه في هذه الأصناف ويكون أربعة أخماسه خارجة في صلاح المسلمين
ومنهم من قال هذه الآية تبيين لما قبلها من قوله عز و جل وما أفاء الله
على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب قال يزيدابن رومان الفيء
ما قوتل عليه وأوجب عليه بالخيل والركاب
والقول السادس حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال ثنا
عبدالرزاق قال أخبرنا معمر في قول الله جل وعز ما أفاء الله على رسوله من
أهل القرى الحشر 7 بلغني أنه الجزية والخراج خراج القرى يعني القرى التي
تؤدي الخراج
قال أبو جعفر أما القول الأول أنها منسوخة فلا معنى له لأنه ليست إحداهما
تنافي الأخرى فيكون النسخ
والقول الثاني أن الفيء خلاف الغنيمة قول مستقيم صحيح وذلك أن الفيء مشتق
من فاء يفيء إذا رجع فأموال الكفار المحاربين حلال للمسلمين فإذا امتنعوا
ثم صالحوا رجع إلى المسلمين منهم ما صولحوا عليه
وقول معمر إنها الجزية والخراج داخل في هذه الآية مما صولحوا عليه
وأما قول من قال إن الآية الثانية مبينة للأولى فغلط لأن الآية
الأولى جاء التوقيف أنها نزلت في بني النضر حين أجلوا عن بلادهم بغير حرب
وفيهم نزلت سورة الحشر هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم
لأول الحشر فجعل الله عز و جل أموالهم للنبي خاصة فلم يستأثر منها صلى
الله عليه و سلم وفرقها في المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا رجلين
سهل ا بن حنيف وأبي دجانة سماك بن خرشة ولم يأخذ منها صلى الله عليه و سلم
إلا ما يكفيه ويكفي أهله ففي هذا نزلت الآية الأولى
والآية الثانية لأصناف بعينهم فقد علم أن ما كان في أصناف بعينهم خلاف ما
كان للنبي وحده
ويبين ذلك هذا الحديث حين تخاصم علي والعباس رضي الله عنهما إلى عمر رضي
الله عنه في هذا بعينه كما قرىء على أحمد بن شعيب بن
علي عن عمرو بن علي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان قال أرسل إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالسا على سرير مفضيا إلى رمالة فقال حين دخلت إليه يا مال أما إنه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرت برضخ فخذه فأقسمه بينهم قلت له لو أمرت غيري بذلك قال خذه فجاء يرفأ فقال يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص قال نعم فأذن لهم فدخلوا ثم جاءه فقال يا أمير المؤمنين هل لك في العباس وعلي قال نعم فأذن لهما فدخلا فقال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا يعني عليا فقال بعضهم أجل يا أمير المؤمنين فاقض بينهم وارحمهما فقال مالك بن أوس خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك فقال عمر رضي الله عنه أنشدكم ثم أقبل على أولئك الرهط فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة قالوا نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله
الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة قالا نعم قال فإن الله عزوجل خص نبيه بخاصة لم يخص بها أحدا من الناس فقال وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير الحشر 6 فكان الله جل ثناؤه أفاء على رسوله بني النضير فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أخذها دونكم فكان رسول الله يأخذ منها نفقة سنة ويجعل ما بقي أسوة المال ثم أقبل على أولئك الرهط فقال أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك قالا نعم فلما توفى رسول الله قال أبو بكر أنا ولي رسول الله فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله لا نورث ما تركنا صدقة فوليها أبو بكر فلما توفى أبو بكر قلت أنا ولي رسول الله وولي أبي بكر فوليتها بما شاء الله أليها ثم جئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتما فيها فقلت إن شئتما أن أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله لتليانها بالذي كان رسول الله يليها به فأخذتماها على ذلك ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك فوالله لا أقضي بينكما بغيرذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فرءاها إلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق