الثلاثاء، 1 يونيو 2021

ج8. كتاب : البرهان في علوم القرآن المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي

كتاب : البرهان في علوم القرآن
المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي


مشاكلة اللفظ للفظ.
هي قسمان: أحدهما - وهو الأكثر - المشاكلة بالثاني للأول، نحو [ أخذه ما قدم وما حدث ]. وقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} على مذهب الجمهور وأن الجر للجوار: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا}.
وقد تقع المشاكلة بالأول للثاني كما في قراءة إبراهيم بن أبي عبيلة: {الْحَمْدِ لِلَّهِ} بكسر الدال، وهي أفصح من ضم اللام للدال.

مشاكلة اللفظ للمعنى.
ومتى كان اللفظ جزلا كان المعنى كذلك ومنه قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}، ولم يقل من [طين] كما أخبر به سبحانه في غير موضع: {نِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} إنما عدل عن الطين الذي هو مجموع الماء والتراب إلى ذكر مجرد التراب لمعنى لطيف وذلك أنه أدنى العنصرين وأكثفهما لما كان المقصود مقابلة من ادعى في المسيح الإلهية أتى بما يصغر أمر خلقه عند من ادعى ذلك فلهذا كان الإتيان بلفظ التراب أمس في المعنى من غيره من العناصر ولما اراد سبحانه الامتنان على بني إسرائيل أخبرهم أن يخلق لهم من الطين كهيئة الطير تعظيما لأمر ما يخلقه بإذنه إذ كان المطلوب الاعتداد عليهم بخلقه ليعظموا قدر النعمة به.
ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} فإنه سبحانه إنما اقتصر على ذكر الماء دون بقي العناصر لأنه أتى بصيغة الاستغراق وليس في العناصر الأربع ما يعم جميع المخلوقات إلا الماء ليدخل الحيوان البحري فيها.
ومنه قوله تعالى: {تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} فإنه سبحانه أتى بأغرب الفاظ القسم بالنسبة إلى أخواتها فإن [ والله [و[ بالله ]أكثر استعمالا وأعرف من [ تالله ] لما كان الفعل الذي جاور القسم أعزب الصيغ التي في بابه فإن [كان] وأخواتها أكثر استعمالا من [تفتأ] وأعرف عند العامة ولذلك أتى بعدها بأغرب ألفاظ الهلاك بالنسبة وهي لفظة [حرض]:.

ولما أراد غير ذلك قال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} لما كانت جميع الألفاظ مستعملة.
ومنه قوله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} فإنه سبحانه لما نهى عن الركون إلى الظالمين وهو الميل إليهم والاعتماد عليهم وكان دون ذلك مشاركتهم في الظلم أخبر أن العقاب على ذلك دون العقاب على الظلم وهو مس النار الذي هو دون الإحراق والاضطرام وإن كان المس قد يطلق ويراد به الإشعار بالعذاب.
ومنه قوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ}، فإنه نشأ في الآية سؤال وهو أن الترتيب في الجمل الفعلية تقديم الفعل وتعقيبة بالفاعل ثم بالمفعول فإن كان في الكلام مفعولان: أحدهما يعدى وصول الفعل إليه بالحرف، والآخر بنفسه قدم ما تعدى إليه الفعل بنفسه، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ}.
إذا ثبت هذا فقد يقال كيف توخى حسن الترتيب في عجز الاية دون صدرها ؟ والجواب أن حسن الترتيب منع منه في صدر الآية مانع أقوى وهو مخافة أن يتوالى ثلاثة أحرف متقاربات المخرج فيثقل الكلام بسبب ذلك فإنه لو قيل لئن بسطت يدك إلى والطاء والتاء متقاربة المخرج فلذلك حسن تقديم المفعول الذي تعدى الفعل إليه بالحرف على الفعل الذي تعدى إليه بنفسه ولما أمن هذا المحذور في عجز الآية لما اقتضته البلاغة من الإتيان باسم الفاعل موضع الجملة الفعلية لتضمنه معنى الفعل الذي تصح به المقابلة جاء الكلام على ترتيبه: من تقديم المفعول الذي تعدى الفعل إليه بنفسه على.

المفعول الذي يعدى إليه بحرف الجر. وهذا أمر يرجع إلى تحسين اللفظ وأما المعنى فعلى نظم الآية لأنه لما كان الأول حريصا على التعدي على الغير قدم المتعدى على الآلة فقال: إليَّ يدك ولما كان الثاني غير حريص على ذلك لأنه نفاه عنه قدم الآلة فقال: [يدي إليك] ويدل لهذا أنه عبر عن الأول بالفعل وفي الثاني بالاسم.
ويؤيد ذلك أيضا قوله في سورة الممتحنة : {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} ، لأنه لما نسبهم للتعدي الزائد قدم ذكر المبسوط إليهم على الآلة وذلك الجواب السابق لا يمكن في هذه الآية.
ومثله قوله: { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}، مقتضى الصناعة أن يؤتى بالتجنيس للازدواج في صدر الآية كما أتى به في عجزها لكن منعه توخى الأدب والتهذيب في نظم الكلام وذلك أنه لما كان الضمير الذي في [يجزي] عائدا على الله سبحانه وجب أن يعدل عن لفظ المعنى الخاص إلى رديفة حتى لا تنسب السيئة إليه سبحانه فقال في موضع السيئة: بما [عملوا] فعوض عن تجنيس المزاوجة بالإرداف لما فيه من الأدب مع الله بخلاف قوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} فإن هذا المحذور منه مفقود فجرى الكلام على مقتضى الصناعة.
ومنه قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}، فإن سبحانه خص الشعري بالذكر دون غيرها من النجوم وهو رب كل شيء لأن العرب ظهر فيهم رجل يعرف بابن أبي كبشة عبد الشعري ودعا خلقا إلى عبادتها.
وقوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ولم يقل:[ لا تعلمون] لما في الفقه من الزيادة على العلم.

وقوله حكاية عن إبراهيم: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} فإنه لم يخل هذا الكلام من حسن الادب مع أبيه حيث لم يصرح فيه بأن العذاب لاحق له ولكنه قال: {إِنِّي أَخَافُ} فذكر الخوف والمس وذكر العذاب ونكره ولم يصفه بأنه يقصد التهويل بل قصد استعطافه ولهذا ذكر [الرحمن] ولم يذكر [المنتقم] ولا [الجبار] على حد قوله:
فما يوجع الحرمان من كف حازم ... كما يوجع الحرمان من كف رازق
ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} فإنه قد يقال: ما الحكمة في التعمير بالسخرية دون الاستهزاء ؟ وهلا قيل:[ فحاق بالذين استهزءوا بهم ]ليطابق ما قبله ؟.
والجواب أن الاستهزاء هو إسماع الإساءة والسخرية قد تكون في النفس ولهذا يقولون: سخرت منه كما يقولون: عجبت منه ولا يقال: تجنب ذلك لما في ذلك من تكرار الاستهزاء ثلاث مرات لأنه قد كرر السخرية ثلاثا في قوله تعالى: {إِِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}، وإنما لم يقل: [نستهزىء بكم] لأن الاستهزاء ليس من فعل الأنبياء.
وأما قوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} فالعرب تسمى الجزاء على الفعل باسم الفعل كقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} وهو مجاز حسن وأما الاستهزاء الذين نحن بصدده فهو استهزاء حقيقة لا يرضى به إلا جاهل.
ثم قال سبحانه: {فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ}، أي حاق بهم من الله الوعيد.

لبالغ لهم على ألسنة الرسل ما كانوا به يستهزئون بألسنتهم فنزلت كل كلمة منزلتها.
وقوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ولم يذكر الكعبة لأن البعيد يكفيه مراعاة الجهة فإن استقبال عينها حرج عليه بخلاف القريب ولما خص الرسول بالخطاب تعظيما وأيجابا لشرعته عمم تصريحا بعموم الحكم وتأكيدا لأمر القبلة.
قاعدة:.
إذا اجتمع الحمل على اللفظ والمعنى، بدئ باللفظ ثم بالمعنى، هذا هو الجادة في القرآن، كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا} أفرد أولا باعبتار اللفظ ثم جمع ثانيا باعتبار المعنى فقال: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} فعاد الضمير مجموعا كقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فعاد الضمير من [يدخله] مفردا على لفظ [من] ثم قال [خالدين] وهو حال من الضمير.
وقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما هي المقحمات

تعقيب علي المقحمات يتبين من تعريف المقحمات بين النووي ومعاجم اللغة العتيدة أن النووي أخطأ جدا في التعريف { المقحمات مفتوح للكتابة...